أدخلت رأسي في مدفع (أبو خزامة)!

Sunday 24th of April 2022 09:41:52 PM ,
5173 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

أمين المميز

لا أدري لماذا يروق لبعض المسؤولين عن التراث أن يعبثوا بالتراث اعتباطا وبدون أي مبرر مقبول أو تعليل معقول..

أسواق هذا العتاب لمناسبة ما يتردد الآن عن (طوب أبو خزامة) هو من (سده ولحمة) النسيج البغدادي الأصل، ولا أدري ثمة سبة أو وصمة عار علينا إذا حرصنا على هذا التراث البغدادي مثلما نحرص على كثير من معالم التراث الأخرى التي لها تاريخية أو وطنية أو شعبية أو فولكلورية، فلما اعترضت في كلمتي المنشورة في (جريدة العراق) عدد 3597 بتاريخ 1987/11/22 على إزالة باب (مديرية الآثار القديمة العامة) من بناية المتحف العراقي القديم التي تجري صيانتها الآن بادرت الجهة المسؤولة مشكورة إلى إعادة الباب إلى موقعها الأصلي ولكن بأحسن مما كانت عليه قبلا ماخلا (الخمار الأبيض) الذي يستر اسمها في الوقت الحاضر!!

أني بهذه الكلمة أطالب بإعادة (طوب أبو خزامة) إلى موقعه الأصلي، فقد كان الموقع خلف بناية المدرسة المأمونية القديمة أزيل مبنى هذه المدرسة، وهو الذي يرقى إلى أواخر عهد الدولة العثمانية، وضمت أرضه إلى وزارة الدفاع المدخل الجنوبي لوزارة الدفاع (القاعة) ثم نقل إلى الحديقة الواقعة في ساحة الميدان وبعد ذلك نقل إلى محل آخر عجزت عن العثور عليه بعد طول بحث وتحرّ ثم استقر في المتحف الحربي في الحارثية من أحياء الجانب الغربي من بغداد، واخيراً استقر في حدائق مؤسسة الاثار والتراث في (منطقة العلاوي حلة) فإن كان قد نقل إلى متحف للأسلحة فهذا (الطوب) هو سلاح ليس كمثله سلاح!! إنه السلاح الذي جاء به السلطان مراد الرابع إلى بغداد للدفاع عنها وطرد العجم منها قبل أربعة قرون. ولقد عرف الشيخ جلال الحنفي في (معجم اللغة العامية البغدادية- الجزء الثاني) طوب أبو خزامة بالكلمة الآتية، «من بقايا المدافع التي جلبها السلطان مراد الرابع إلى بغداد لطرد الفرس منها قبل أربعة قرون، ولقب المدفع بذلك لخرق عند فوهته قالوا أنه حدث لأن جبرائيل عليه السلام جره من منخره عند إنزاله من السماء، وكان يحشى بالتراب فينقلب إلى بارود، ويوثق العامة معتقدهم هذا بما يرى على ظهر المدفع من نجوم قالوا أنهم من نجوم السماء وقد علقت به، وكذلك ما يرى عليه من صور أسماك فإنها مما لصق به من أسماك بحر القدرة، وكانت نساء بغداد يدخلن رؤوس أطفالهن في فوهته تبركاً وابتهالاً في أن يكونوا من المقاتلين في سبيل الوطن، وكنت ممن صنع بهم ذلك، وقد نشط هذا الحس في الناس بعد الاحتلال البريطاني لبغداد». وفي كتابي (بغداد كما عرفتها) كتبت ما يأتي عن (طوب أبو خزامة) ونشرت تصويره من ص109-110.

ومقابل كهوة سيد بكر وقرب المدخل الجنوبي للقلعة، يقع تراث بغدادي شهير، هو طوب أبو خزامة الذي جلبه السلطان مراد الرابع مع الحملة التي طردت العجم من العراق، إن لهذا الطوب منزلة فريدة في قلوب البغداديين والبغداديات فهم يعتقدون بأن الطفل لا يعيش ما لم تدخل الأم رأس طفلها في فوهة هذا الطوب، وهذه المراسيم بمثابة استحصال شهادة الجنسية البغدادية للبغدادي، ومن لم يدخل رأسه في فوهة طوب أبو خزامة فهو ليس بغدادياً أصيلاً، مهما ذكر في السجلات الرسمية عن مسقط رأسه وإني قد حصلت على الجنسية البغدادية منذ أن أدخلت المرحومة والدتي رأسي في فوهة هذا الطوب، فمن الله علي بطول العمر لأكتب هذا الكتاب. أما إذا كانت البغدادية عاقراً وتريد (تحبل) فما عليها إلا أن تطلب مرادها من طوب أبو خزامة وتشد (الخرك) في السلاسل والزرزباتات المحيطة به، لقد نقل طوب أبو خزامة من موقعه القديم إلى موقعه الحالي في وسط ساحة الميدان (شارع الرشيد) محاطاً بالزهور والرياحين، معززاً مكرماً، وذلك اعترافاً من البغداديين بفضل هذا (الطوب) على حياة أولادهم وأحفادهم!!

أما وقد دخل رأسي ورأس الشيخ جلال الحنفي في فوهة (طوب أبو خزامة) وإننا ما زلنا على قيد الحياة، فمن حقنا أن ندافع عن هذه (المعجزة) وفاء وتسديداً للدين الذي لها في عنقنا، وذلك بالإلحاح على إعادة طوب أبو خزامة أما إلى موقعه الأخير في حديقة الميدان أو إلى موقعه القديم في ساحة المدرسة المأمونية القديمة (الآن موقف للسيارات) ثم ضمت هذه الأرض إلى وزارة الدفاع على ما تقدم يحتاج الأمر لأكثر من عشرة أمتار مربعة من ذلك الموقف.

ج. الجمهورية 1990