نص نادر: نكبة (دلتاوه) وفجيعتها في ثورة العشرين في قصيدة للدكتور مصطفى جواد

Monday 9th of May 2022 01:10:37 AM ,
5178 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. مصطفى جواد

نكبت دلتاوه المسماة قديماً « دولة آباد « واليوم بأسم الخالص بعد انقضاء الثورة العراقية باعادة احتلال الانكليز لها نكبة فظيعة فقد قتل رجالها تقتيلاً ونكل بشبانها تنكيلا، ونهبت منها الاموال، وفجعت النساء والاطفال والشيوخ تفجيعا لا يزال يلوح في ذكريات أهليها الغابرين بموته الأحمر وهوله الأغبر،

بله اخراب الدور، وغيرها من المعمور بالنقض والاحراق، والقصف والهدم، فقد هرب عنها الاعراب، والذين كانوا يدعون الزعامة في الثورة وتركوها فريسة للجيش الانكليزي المختلف الاجيال والقوميات، وقد شهدت نكبتها وشاهدت فجيعتها العظمى وأنا صبي – كما قلت آنفاً – ولما شبت وملت الى الشعر تذكرت ما أصابها وتخيلت مصابها، وجاشت نفسي بقصيدة لها من شفاعة الشبيبة ما يعفو تقصيرها، ويجعل التغاضي نصيرها وهي:

أليلى ما لدَمعِكِ قد تجارى

ومن عينيك ذَا الشرر استطارا

فأن كنتِ امتلأت أسىً وغيضاً

فقلبي مفعمُ حنقاً ونارا

عهدتكِ جلدة في كل خطبٍ

ففيمَ نطقتِ بالشكوى جهاراَ

أَلا ليتَ الخطوب تعاف قوماً

تمنوا لو يموتون انتحارا

عيون الحق قد نامت طويلاً

ولم توقظ ليالى أو نهارا

وان جحدوا حقوقاً فأنظريهم

فسوف ترين للظلم إنهيارا

ألم ترى البلاد وقد أُصيبت

بقومٍ أُربهم أضحى النضارا

أراهم عند خستهم صحاة

وعند خَلاصِ موطنهم سكارى

لهم وجهان وجهٌ نحو غدرٍ

ووجهٌ يقنعُ القومَ الحيارى

أناس لم أجد فيهم رؤوفاً

ولا شهماً رحيماً أو غيارى

أراهم أظهروا الإخلاصَ قولاً

و يـقـترفـون آثـامـاً كـبـارا

فهم تُرك اذا حكَمتكَ تُركُ

وهم رومٌ اذا الغربي ِجارَا

أليلى كَفكفي دمعاً سجيما

فقد حسَرت لكِ الجُلى انحساراَ

أنحن أولي الحمية والمعالي

نقاسي ظلمَ من في الغي سارا

فموطنـنـا بـعزتـنـا شـهـيـدٌ

وقد عرف الالي طلبوا الفرارا

فسل عنا ديالى عن حروبٍ

لنا لما شهدناها صغاراَ

ثبتنا في مواطنٍ محرجاتٍ

ولا قـيـنـا مـدافـعَ وإنـفـجـاراَ

وذدنا عن حمى وطنٍ كريمٍ

ورُمنا في معاركِنا إنتصاراَ

وثرنا في ثورة المسجون ظُلماً

ولم نرهب طِعاناً أو حصاراَ

وهبنا المـوتَ أرواحـاً خِـفـافـاً

الى عِزِ العراقِ فعزَ دارا

وشمنا في القنابلِ خيرَ لهوٍ

يزودُ في لظى الحربِ إصطباراَ

وخضنا في المنايا دون ريثٍ

نزِيلُ الذُلَ والعارَ الشناراَ

مواطنٌ تخـلبُ الألـبـابَ رُعبـاً

وتُزرى بالألي رهبوا إحتقاراَ

وَقـفـنـا وقـفـةَ الجـبـارِ نـحمـي

عراقاً ود أن يحيا مجارا

سَلوا عَنا البَنادِقَ قاذِفاتٍ

تُحدِثكم لنا خَبراً مَطاراَ

بِأنا الصابرون على لَظَاها

وفي الهيجاء لم نُبدِ إنكساراَ

على مجدِ البلادِ لنا بنود

وباغي الموت ما رامَ إشتهاراَ

أليلى ما لعيني إنَ عيني

رأت هولاً يزيدُ القلبَ ناراَ

رأيت بها مصيرَ الشوس صبحاً

فليتَ الصُبح كان لها سَراراَ

رأيتُ دماءهم هدراً أُريقت

رأيتُ ذماءهم قتلاً توارىَ

شبابُ أعرسُوا بالموتِ فرداً

وكان رصاصُ قاتِلِهم نثاراَ

وهَللت البنادقُ في حماهِم

وكان لهم مَباءَ الموت داراَ

وبايعهم كهول القَومِ زَفاً

فيا حزناً لمن تركوا الدياراَ

وظل نجيعَهم ختماً بصكٍ

من العز الذي أوروا فناراَ

اذا العربِ انهووا من أجل عزٍ

فما لبسوا بذا ثوباً معاراَ