طرائف من لقاءاتي مع الملك فيصل الاول

Monday 9th of May 2022 01:11:43 AM ,
5178 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

إبراهيم الواعظ

ــ في سنة 1931 كنت نائبا في البرلمان وحضر الى داري ثلاثة من رجال الدين وقال احدهم – اننا حضرنا لأمر يخص الاسلام، فاحضر مصحفا ومسدسا، وعندا احضرتهما قال: (احلف بهذا القرآن انك ستكتم ما نبديه لك واذا وافقت عليه ونكلت ستنال جزاءك بهذا المسدس)

فحلفت لهم فقال احدهم (لدينا مشروع هو مطالبة الحكومة بفصل دائرة الاوقاف عن الدولة واناطة ادارتها الى هيئة اسلامية كما هو الحال في فلسطين وسوريا ولبنان وقد وقع اختيارنا عليك كرجل قانون لوضع نظام لهذه الهيئة) وقد وافقت على ذلك. ويشاء الملك ان يدعو قسما من النواب للافطار وكنت من جملتهم، وبعد الافطار اخذ المعدوون يسلمون على الملك، فلما جاء دوري لمصافحته اشار علي بان اقف خلفه، وبعدما فرغ النواب والوزراء من السلام وبقيت والملك وحدنا اخذني الى غرفة صغيرة وبادرني قائلا: (ما هذه الجمعية التي قررتم تأسيسها)؟ فعلمت ان احد الثلاثة قد وشى بنا. وكان من حسن المصادفة ان مسودة النظام كنت احملها في جيبي فقلت (ياسيدي ليس هناك جمعية تخفي عليك، انما اجتمع بعض العلماء وطلبوا مني اعداد نظام يقدمونه للحكومة ويطلبون فيه اجازة لتأسيس الجمعية) ثم اخرجت النظام وقدمته للملك وبعد ان اطلع عليه اعاده لي قائلا «لا تعتمد على هؤلاء فانهم غير صادقين بما يقولولن وربما يتخذونك سلما للوصول الى مآربهم الشخصية) فاجبته بالايجاب وودعته!

ــ قصدت البلاط لمقابلة الملك للاستئذان بالسفر لحضور المؤتمر الاسلامي المنعقد في بيت المقدس (كانون الاول / 1931) ولما قابلته شكرني على الزيارة وطلبت منه الارشاد. فقال – انني مطمئن منك فلا تحتاج الى الارشاد، وودعته وخرجت). ثم يحدثنا الواعظ عن نشاطه الدعائي خلال سفرته على هامش المؤتمر قائلا (سافرت الى فلسطين وعند مروري ببيروت قابلني مراسل جريدة «النهار» اللبنانية وادليت بحديث اشدت فيه بالملك فيصل وما قام به من خدمات، وان المعاهدة التي صدقها البرلمان العراقي بين دولة صغيرة كالعراق ودولة كبرى كبريطانيا تعتبر خطوة نحو الاستقلال التام، وفي القدس ادليت بحديث الى جريدة مقدسية اسهبت فيه عن الحالة في العراق وتشجيع الملك فيصل للصناعات الوطنية. وقدمت للمحرر نماذج من منسوجات معمل «فتاح باشا» وبعض المنتوجات الوطنية، وتطرقت في الحديث الى المعاهدة والملك فيصل وقابلني في القدس مراسل جريدة «البلاغ» المصرية لسان حال حزب الوفد المصري وادليت له بحديث عن التقدم السريع الذي حصل في العراق. وتطرقت الى المعاهدة وان «النحاس باشا رئيس حزب الوفد المصري» بارك طنوري السعيد» على هذه المعاهدة، وعند عودتي الى العراق قصدت البلاط لمقابلة الملك فاستقبلني واجلسني بجانبه وقدمت له وصفا لسفرتنا وما قمت به من خدمة لجلالته. فقال اعرف ذلك واطلعت عليه واني اشكرك يا ابراهيم. ثم قمت مودعا فوضع يده على كتفي ومشى معي حتى باب الغرفة فودعته وخرجت

ــ عندما اثيرت قضية «الرسائل السرية» 1931، وكانت هذه الرسائل قد وزعت بالبريد وتضمنت طعنا في الملك وبعض الشخصيات السياسية، اتهم وزير الداخلية «مزاحم الامين الباجه جي» بان له ضلعا فيها، وعلى اثر ذلك قدم رئيس الوزراء «نوري السعيد» استقالته واعاد تشكيل الوزارة بدون مزاحم وحل محله ناجي شوكت وزيرا للداخلية، ويتحدث الواعظ عن ذيول القضية ومناصرته لمزاحم تحت قبة البرلمان ووكيلا عنه في ساحة القضاء: (اقتضى الامر رفع الحصانة النيابية عن مزاحم لتقديمه للمحاكمة وقررنا ان يقدم مزاحم استقالته من المجلس قبل قرار رفع الحصانة وقد اثيرت ضجة في مجلس النواب كنت بطلها، اذ تخلى «جميل المدفعي» عن الرئاسة لنائب الرئيس واخذ يهاجني مع العديد من النواب وبقيت وحدي مدافعا، وقبل دخولي الجلسة وكنت في غرفة الاستراحة مع عدد من النواب جاء «رستم حيدر» – وكان يومئذ وزيرا للمالية – وخاطبني قائلاً (ما هذه التصرفات من مزاحم؟ انت الذي سببت هذه الضجة) فقلت له: (الزم حدك واذا لم تخرج من هذه الغرفة اهنتك) فخرج. ويستطرد الواعظ (وعلى اثر ذلك طلبت من «تحسين قدري» رئيس التشريفات الملكية تحديد موعد لمقابلة الملك على شرط ان لاتكون المقابلة في البلاط.

وحدد الموعد في “قصر الحارثية” فذهبت في الموقع المعين ولم اجد هناك سوى المرافق ودخلت على الملك فوجدته واقفا بانتظاري وطلب مني الجلوس فقلت “لا اجلس حتى تؤمن لي ان اتكلم ما اريد” فاجابني “لك ذلك” فقلت “يا صاحب الجلالة ان قضية مزاحم الباجه جي امام المحكمة وان المحكمة يرأسها (المستر لوئيد) الحاكم البريطاني واني كمحام اجد ان الحاكم مفرض في هذه القضية واخشى من الظلم على الابرياء. وان هناك تزويرا يحاك في الوزارات واخشى ان يؤثر ذلك في القضية ويزهق الحق».

وحين تطرقت الى الوزارات قال الملك (الا رستم حيدر)! فقلت له (انا قصدت من الوزارات الوزارة التي يشغلها رستم حيدر، ان التزوير يا سيدي يحاك في وزارة المالية وتحت اشراف رستم حيدر، وان رستم - يا صاحب الجلالة – سيمثل دور “العلقمي”، وسيقضي على العرش بالدسائس التي يدبرها والتفرقة التي يبثها. فيا سيدي انت الوازع في هذا البلد وانت المسؤول امام الله وامام الناس فلا تدع لهؤلاء الهدامين سبيلاً. ولا تعتقد ان كلامي هذا في شيء من التلفيق فكل ما عرضته هو واقع وعليه دلائل وبراهين، فائق الله – يا صاحب الجلالة – في رعيتك”. واني اقول لك ان من اصدق الناس لك ولعرشك نوري السعيد ومزاحم الباجه جي، والله يتولى هدانا وهداك، واستودعك الله، وسلمت عليه وخرجت ولم يئبس بكلمة واحدة.

ــ بعد ان دخل العراق حضيرة عصبة الامم 1932 دعا النائب (داود الحيدري) اقطاب حزب العهد: نوري السعيد وجعفر العسكري ورستم حيدر وعارف حكمت وسلمان البراك وغيرهم وكنت من ضمن المدعوين. وتكلم الداعي عن فضلا لملك فيصل على العراق ودخوله عصبة الامم واقتراح تقديم هدية للملك وبعد المداولة تقرر جمع التبرعات لاقامة تمثال للملك تخليدا لخدماته للعراق وقد اختار المجتمعون كلا من سلمان البراك وعارف حكمت وابراهيم الواعظ لعرض الاقتراح على الملك. وعند حضورنا للبلاط قرر الممثلون ان اكون المتكلم عنهم. ولدى مثولنا وترحيب الملك بنا قلت: (يا سيدي ان رجال حزب العهد قرروا اقامة تمثال لجلالتكم تخليدا لخدماتكم الجليلة للعراق واخرها ادخاله عصبة الامم والله نسأل ان يحفظكم للعراق لتتموا رسالتكم ويتمتع الوطن بحريته واستقلاله.

عن مخطوطة مذكرات الواعظ (مواقف من الحياة)المعدة للنشر من قبل السيد مصطفى الواعظ.