التمثيل العشائري في أول تجربة نيابية في العراق (المجلس التأسيسي العراقي)

Sunday 22nd of May 2022 10:34:34 PM ,
5188 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د.عمار يوسف العكيدي

بعد الانتهاء من المفاوضات حول معاهدة 1922 بين الحكومتين العراقية والبريطانية. اتجهت لانظار إلى مسألة انتخاب المجلس التأسيسي بهدف استكمال القواعد السياسية للمملكة العراقية الجديدة. ففي آذار 1922 أصدرت الحكومة العراقية (قانون الانتخابات) بغية تأسيس حكومة دستورية منتخبة.

وفي 19 تشرين الاول صدرت ارادة ملكية حدد بموجبها يوم 24 تشرين الاول كموعد لبدء انتخابات المجلس التأسيسي والذي حدد مهامه باقرار ثلاثة امور هي:البت في امر المعاهدة العراقية البريطانية واقرار دستور للبلاد (القانون الاساسي) وسن قانون الانتخابات لمجلس النواب.

واجهت الحكومة العراقية والدوائر البريطانية في العراق متاعب كثيرة من عشائر الفرت الاوسط وجنوبه منذ ثورة العشرين، لذلك كانت مسألة كسب شيوخ عشائر هذه المنطقة واجباً مهماً يقع على عاتق الحكومة العراقية لتمشية الانتخابات بدون صعوبة لان سلطات الانتداب كانت تبذل جهدها لجمع اكبر عدد ممكن من الموالين لتصديق المعاهدة العراقية البريطانية. فكانت السلطات الحكومية تتداول في كثير من الاحيان مع زعماء العشائر بشأن اجراء الانتخابات وكان معظم هؤلاء يفصحون عن رغبتهم في اجرائها ومنهم ابو طبيخ وعلوان الياسري وعبد الواحد سكر وقاطع العوادي وشعلان ابو الجون. فقد دعي هؤلاء عدة مرات إلى البلاط الملكي وجرى إبلاغهم بان اجراء الانتخابات أمراً لازماً خصوصاً بعد التصديق على ملحق المعاهدة (البروتوكول) فاظهر الشيوخ موافقتهم عدا أبي طبيخ الذي أعلن التزامه بفتاوي علماء الدين وبذل في الوقت نفسه قصارى جهده للتوفيق بين علماء الدين المقاطعين للانتخابات والحكومة.

ان الاجراءات الشديدة المتخذة للحد من انتشار فتاوى العلماء الداعية بحرمة الاشتراك بالانتخابات لم تمنع من الاستمرار في مقاطعة الانتخابات فارتأت السلطات البريطانية في العراق ان العلاج الوحيد للمشاركة هو اتخاذ الاجراءات الشديدة ضد رؤساء العشائر وهو ما ايده جعفر العسكري رئيس الوزراء (23 تشرين الثاني 1923 – 2 أب 1924)، إلا ان الملك فيصل كان يميل إلى استمالة رؤساء العشائر وفصلهم عن علماء الدين وبذلك يبلغ ما يريده من النجاح في الانتخابات.

وفي الوقت نفسه فقد اثبتت تجربة المجلس التأسيسي تفوق المصالح الشخصية لكثير من رؤساء العشائر الذين اكتووا بنار الثورة العراقية 1920، فالتمسوا بالملك فيصل التوسط لهم عند المندوب السامي فيسامحهم عما ارتكبوه وعن ضرائب الأراضي التي بذمتهم ويساعدهم في استعادة الاراضي التي جردوا منها شأنهم في ذلك شأن الكثير ممن حظوا برعاية السلطة البريطانية. وتعهدوا مقابل ذلك بتأييد خطة الحكومة في انجاح انتخابات المجلس التأسيسي. ورغم ان السلطات البريطانية لم توعد هؤلاء الشيوخ بشيء فقد أظهر المندوب السامي كوكس عدم رغبته في التعامل معهم. إلا انهم أعلنوا حسن نيتهم وابلغوا فيصل بانهم سيذهبون إلى العلماء ويطلبون العدول عن فتاويهم المناوئة للانتخابات والا فانهم سيعيرونها اذنا صماء ويشتركون بالانتخابات بارادة الحكومة. وقد اعطى هؤلاء الشيوخ عهودهم للملك فيصل. بانهم سيقاومون كل من يعترض على الانتخابات.

يمثل الملك فيصل الوساطة التي تمت بها استمالة رؤساء العشائر ممن فيهم عبدالواحد سكر المعروف بمعاداته للسلطة البريطانية. ولما كان هؤلاء الشيوخ ممن نالوا غضب السلطات البريطانية، اخبر الملك فيصل المندوب السامي كوكس انهم التمسوا منه التوسط لديه للعفو عنهم وطي صفحة الماضي عن اعمالهم ولأن يظهر لهم انه لا خير لسواهم عنده، ويعدهم بالإيعاز إلى الموظفين البريطانيين بالنظر اليهم بعين المساواة مع بقية الشيوخ وكافة المعاملات.

وافق المندوب السامي على مبدأ “عفا الله عما سلف” وابدى استعداده لمقابلة عبدالواحد سكر مقابلة ودية، إلا انه اشترط قبل كل شيء الاستيضاح من قبل وزارتي الداخلية والمالية فيما اذا كان يظن انه مدين للحكومة ببقايا ضرائب ويريد استغلال ذلك،ويبدوا ان هذه المسألة قد تمت بعد ذلك لان عبد الواحد سكر كان من بين الذين شاركوا في الانتخابات دون الالتفات إلى فتاوى علماء الدين.

ازاء ذلك كان لابد للسلطات البريطانية من محاولة كسب رجال العشائر وذلك عن طريق توسيع التمثيل العشائري في المجلس التأسيسي، ومن المعروف ان هذه المسألة اثيرت من قبل طالب النقيب في اجتماعات لجنة الانتخابات العراقية عندما كان رئيسا لها. وقد تقرر في حينه ان يكون الزراع من العشائر جزءاً من اهالي اللواء الذين يتوطنون فيه ولهم حق الانتخاب اذا كانوا متصفين بالصفات المطلوبة للناخبين، كما اعطي حق للحكومة في الطلب من العشائر السيارة (المنتقلة-الرحالة) الكبيرة ان تنتخب من رجالها ممثلين عنها في المؤتمر العام على ان لا يتجاوز عددهم عن ستة أعضاء لا يشترط فيهم ان يكونوا حائزين على صفات النائب في الانتخابات. ويبدوا ان كوكس اعتبر هذا القرار غير عادل في تمثيل المؤتمر العام، لهذا افقد كلفت المس بيل بإعداد شروح لوضع التدبير لتمثيل العشائر العراقية في المؤتمر العراقي قدمتها إلى لجنة تدقيق تعليمات الانتخاب. وكانت الفكرة التي تقدمت بها المس بيل، هي ان يكون في المؤتمر العام ثلاثين عضوا عشائرياً يمثلون عشرين منهم العشائر العراقية الكبيرة، اما العشرة الباقون فيمثلن العشائر الصغيرة التي تجمعت سوية في كل من الألوية العشرة الجديدة التي قسم اليها العراق اداريا.

وفي الوقت نفسه نشأ في مجلس الوزراء سوء فهم كبير لوجهات نظر المندوب السامي كوكس في هذا الامر، وكان السؤال الذي يدور هو لماذا يسعى المندوب السامي لايجاد تمثيل كاف للعشائر واعتباره شيئاً جوهرياً. تقول المس بيل انها نقلت إلى كوكس جميع المناقشات، لهذا فقد وجه خطاباً إلى مجلس الوزراء قال فيه “بأن كل طائفة من الشعب العراقي يجب ان تمثل في المجلس المنتخب الذي سيقرر مستقبل العراق”.وتضيف المس بيل بأن المشكلة لم تحل إلا بعد اقتراح جعفر العسكري بأن يكون ممثلان اثنان من العشائر لكل لواء، يشترط ان يكون من حق أي رجل عشائري تسجيل نفسه ويشترك بالانتخابات بالطريقة الاعتيادية مثل سائر العراقيين اذا رغب في ذلك، وقد وافق مجلس الوزراء على هذا الاقتراح.وقد علقت المس بيل على هذا الاقتراح قائلة “ان هذا مشروع من الدرجة الاولى… وبدون شك فان لرسالة كوكس اثر في هذه النتيجة المرضية … وقد زارني اثنان من رؤساء العشائر، من اعضاء مجلس الوزراوكان كل منهما موافق على التغيير الذي حصل في نظام الانتخابات”.

وعلى الرغم مما ذكرته المس بيل من ان مجلس الوزراء قرر السماح لرجال العشائر بالاشتراك بالانتخابات بشكل اعتيادي، وإعطاء ممثلين عشائريين لكل لواء فقط. ولا يحق لافراد العشائر المشاركة في الانتخابات العامة، كما ورد في القسم الثاني من اقتراح جعفر العسكري المار ذكره، وقد سبب هذا الامر صعوبات كبيرة اثناء اجراء عملية الانتخاب.

ومن جانبهم فقد كان شيوخ العشائر يعتقدون ان وجود عشرين ممثلاً عن العشائر في المجلس التأسيسي قليل جداً ولا يقابل حجم العشائر العراقية، وازاء ذلك قرر مجلس الوزراء في 9 أب 1923 السماح لافراد العشائر فيما عدا البدو الخُلص بالاشتراك في التسجيل والتصويت وبالأسلوب نفسه مع اهالي المدن مع بقاء التمثيل الخاص بالعشائر في المجلس التأسيسي، وكان لها القرار أهمية كبيرة، فمن الواضح انه اذا استفاد الشيوخ منه فسيفوق عندئذ عدد الريفيين عدد ناخبي الحضر.

اما السلطات البريطانية فكانت تنظر إلى المشكلة من زاوية مصلحتها الخاصة ايضاً فقد كانت تعد الملاكين وافندية المدن من بقايا العهد العثماني الذين فرضوا انفسهم على السلطلت البريطانية في ايقاد نار الثورة في عام 1920، لذا فان حصولهم على أغلبية المجلس التأسيسي قد يؤدي إلى رفض المعاهدة فسعت إلى توسيع التمثيل العشائري لاعتمادها على كبار الشيوخ واخلاصهم.

كما اثبت ذلك كتاب رسمي ان جميع أعضاء المجلس التأسيسي قد تم ترشيحهم مسبقاً ثم تم فرضهم بواسطة انتخابات صورية نظراً لطليعة المجتمع العشائري وجهود السلطات البريطانية.

وفي الوقت نفسه تضمنت قائمة أعضاء المجلس التأسيسي (26) شيخاً من شيوخ العشائر وهم كل من عمران السعدون وعداي الجريان من لواء الحلة واكباشي السعد من لواء البصرة وفالح الصيهود من لواء الكوت وحبيب الخيزران من لواء ديالى وعلي السليمان وفهد الهذال من لواء الدليم وعبدالواحد سكر وعباس علوان الياسري وسلمان الظاهر ورايح العطية وشعلان ابو الجون ومظهر الحاج صكب من لواء الديوانية وموحان الخيرالله وسالم الخيون وصكبان العلي ومنشد الحبيب وزامل المناع من لواء المنتفك ومحمد العريبي وشبيب المزبان وفالح الصيهود وغضبان البنية من لواء العمارة والحاج رشيد وعجيل لياور من لواء الموصل وحبيب الطالباني من لواء كركوك والشيخ قادر من لواء السليمانية.

عن رسالة (السياسة البريطانية تجاه عشائر العراق1914-1945)