من مغنيات بغداد المنسيات

Sunday 29th of May 2022 10:32:28 PM ,
5193 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

حيدر شاكر الحيدر

ان قصة الغناء العراقي تكاد تكون حديث الأجيال السابقة والحالية ففيها من الذكريات والأسماء الكثر يجعلنا ان نقف بتأمل وإمعان عما تركه الغناء العراقي بنفوس العراقيين في زمن لا يضاهيه زمن فالكلمة الهادفة واللحن والصوت المؤدي خلق ليظل ذكرى جمال وإحساس نكتب عنه وعن قيمته الحقيقية بذائقتنا .

لو أخذنا القرن العشرين ذلك القرن الذي وثق فيه الغناء الرصين مقامات أو أطوار أو غناء بغدادي حديث من خلال هؤلاء صناع الإبداع ومن كلا الجنسين لعلمنا مدى تعلق أبناء المجتمع العراقي بهذا الفن الإنساني العتيد.ومن الاسماء المنسية من الاصوات النسائية العراقية:

بدرية أنور

ولدت بمدينة بغداد محلة الحيدر خانه أحبت الغناء العراقي وحفظت اغاني ام كلثوم والغناء اللبناني إضافة للغناء السوري تعد من المطربات اللواتي يحملن ثقافة الصوت والذائقة ومن محاسن الصدف ان نكون محظوظين بمعرفة هذه الفنانة دون الرجوع لما يكون قد كتب عنها فقد وثقت الإذاعة العراقية لقاء مع هذه الفنانة عام 1963 ضمن برنامج الرفوف العالية الذي كان يقدمه آنذاك المذيع عبد الحميد الدروبي حيث تذكر هذه الفنانة انه في عام 1920 غنت او ادت الغناء العراقي التراثي بمنطقة الحيدر خانه في إحدى البيوتات البغدادية أثناء مناسبة اجتماعية دون ان يرى وجهها احد من الحضور وكان عمرها آنذاك خمسة عشر عاماً عند نهاية العقد الثالث من القرن العشرين ومن خلال صوتها الشجي تسلقت عالم الغناء واعتلت خشبة مسرح ملهى نزهة البدور عام 1928 واشترطت على صاحب الملهى ان تغني وهي مرتدية العباءة فوافق صاحب الملهى.

أصبحت بدرية المطربة الوحيدة التي ترتدي العباءة اثناء الغناء حتى لقبت بـ»أم العباية “ مما حدا بأحد الشعراء ان ينضم لها أغنية بأم العباية.

عام 1932 كان حدثاً مهماً بحياتها الغنائية حيث اعتلت المسرح الذي غنت فيه أم كلثوم يوم جاءت للعراق لأحياء حفلات ببغداد وصادف أن تكون بدريه حاضرة بذلك الحفل لتقديم عراقية مما أثار انتباه أم كلثوم لصوتها الجميل خاصة وهي تؤدي الغناء العراقي الرصين لذلك نجد أن أغاني كَلبك صخر جلمود / اغنية ون يا كَلب “ على جسر المسيب / ياحلوه يابو شامه / عبودي جاي من النجف , حيث كانت ذائقتها أينما كانت حاضرة من خلال الحفلات العامة والخاصة الجميل بهذه الفنانة انها حفظت بعض أغاني أم كلثوم وقامت بتسجيلها كاغنية صدى وحبي وماترحمني شويه كان ذلك في العقد الأربعيني تحديداً 1944 وهكذا كان العقد نفسه وداع للغناء بالنسبة لبدريه أنور لتغادر عالم الغناء وتنطوي تلك السنين لتبقى ذاكرة لا يعلم بها سوى العارفين بتأريخ الأصوات النسائية العراقية وجمالها.

جليلة أم سامي

اطلق على هذه المطربة باسم (اوتيل) وقد بدأت حياتها وهي تغني بمقهى (زكي بن عزاوي) منذ عام 1921 لغاية عام 1932 تعلقت بغناء العراق التراثي فالمصادر تفيد انها غنت الموال والأطوار الريفية , فقد كانت هذه المطربة غارقة في عالم الملاهي حيث الرقص والغناء ثم سرعان ما جباها الله من إحسانه فتابت من هذه الحياة الصاخبة لتتزوج وتعيش حياة كريمة وتعتزل الغناء فتحشمت وأصبحت حياتها لبيتها لتشكر الله على وضعها الجديد الذي وجدت فيه الطاعة لزوجها المخلص وقد تركت حياة الفن بعد ان كانت أغاني التراث العراقي سبب من اسباب شهرتها ومن هذه الأغاني فراقهم بجاني / حمل الريل وشال عنك/ ون ياكَلب.. وهكذا كانت الأصوات النسائية حاضرة رغم صعوبة الظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة آنذاك.

سلطانة يوسف

تعد الفنانة سلطانه يوسف من اللواتي قدمن انفسهن من مطربات الرعيل الأول بصيغة مغنية تجيد غناء العراق التراثي والغناء السوري والعربي والمصري حالها حال الكثير من مطربات بغداد الا ان هذه الفنانة تأثرت بغناء المقام والآبوذية فهي ممكن اعتبارها من مطربات المقام العراقي برغم ان المقامين لا يروق لهم ان يؤدي هذا اللون صوت نسائي كونه غناء رجولي ويحتاج الى مساحات صوتية واسعة الا ان ظهور مدرسة القبانجي الجديدة بتفاصيلها والتي تأثر بها الكثير من المطربين والمطربات كونها طريقة تميل الى الحداثة في الغناء واختيار الكلام الواضح المعاني اضافة لشخصية القبانجي المميزة التي استطاع ان تكون مؤثرة لدى متذوقي الغناء العراقي الرصين فما كان من سلطانه الا ان تكون احدى الفنانات اللواتي حفظن المقام وادائه وبستاته.

وفقاً للتسجيلات التي وثقت غناء هذه الفنانة نجد انها ادت مقام البيهرزاوي في احدى الحفلات بمدينة الموصل عند منتصف العقد الخمسيني لذلك فقد سميت هذه الفنانة بمطربة المقامات والعتابات حيث لها قدرة صوتية تصل الى اوكتاف ونصف وبالطبع فأن بقية المقامات كالحكيمي والحجاز حضرت بصوتها ذو الاحساس الجميل.

تشير المصادر انها ابتدأت حياتها الغنائية بملهى (نزهة البدور) الواقعة بمنطقة الميدان عام 1927 واعتزلت الغناء عام 1957.

لقبت انها (سبيكة ذهب) وكذلك سلطانة الطرب ونذكر بعض الاغاني التي قدمتها وهي للناصريه / عالشوملي / يلمنحدر / كل البله والمصايب ياخلكَ مني.

غابت هذه الفنانة في العقد الخمسيني وتوفيت منتصف العقد التسعيني.

وبعد أن تم استعراض بعض من تلك الأسماء التي لمعت من الرعيل الأول ظهرت أسماء أخرى أمثال بدريه احمد وبدريه علي وبديعة الجمال وبهيجه منصور إضافة لخديجة علي وراجحة عبد وأسماء أخرى إلا أن تلك الأصوات لم يقدمن شيء جديد بعالم الطرب العراقي فالملاحظ إن غالبية مطربات العراق قدمن أنفسهن ما بين الرقص والغناء , المهم إن دل شيء فهذا يؤكد أن ذائقة الغناء حاضرة بقوة لدى المجتمع العراقي والبغدادي بتميز والشيء الذي يحسب لدى مطربات الرعيل الأول هو أن المطربة تمتلك ثقافة الغناء.

فما بين الغناء الشعبي والقصائد والموشحات والمنولوج أضافت الأصوات النسائية العراقية جمال الحياة الغنائية رغم التقاليد والعادات وربما كانت هنالك أسماء من الفنانات اللواتي امتهنَ الغناء والرقص إلا أن المصادر قدمت لنا هذه الأسماء المساهمة بصناعة الجمال الغنائي.

من كتاب (الاصوات الغنائية النسائية) المعد للنشر وقد تفضل المؤلف الفاضل مشكورا بتقديم بعض فصوله لملحقنا.