هل أريد من أعالي السماوات عودةً إلى الزائلين؟

Tuesday 21st of June 2022 11:50:55 PM ,
5210 (منارات)
منارات ,

فريدريش هولدرلين

ترجمة: بهجت عباس

عندما عمل فريدريش هولدرلين معلماً لأولاد المصرفي الثري كونتارد (1795-1798) في فرانكفورت، تعلق بزوجة كونتارد الجميلة جداً زوزيتّه، فظهرت في أشعاره وروايته هيبريون – الجزء الثاني (1799) تحت الاسم اليوناني ديوتيما–الكاهنة التي علمت سقراط الحكمة-

ومعرفة الزوج بهذه العلاقة أدت إلى خسارة هولدرلين وظيفته والانفصال عن زوزيتّه، مما سبب له ألماً شديداً قاده إلى الجنون، كما ذكر بعض المؤرخين. ولما توفيت زوزيتّه عام 1802 في نورتينغن، ترك هولدرلين عمله التعليمي في بوردو (فرنسا) ذاهباً إلى نورتينغن مشياً على قدميه، وكان في مرحلة متقدمة من مرض الشيزوفرينيا. وكانت أشعاره التي نظمها بين 1802-1806 ثمرة عقل مشرف على الجنون الذي أصابه كلياً بعدئذ، حيث قضى السنوات الستَّ والثلاثين الأخيرة من عمره في مستشفى الأمراض العقلية حتى وفاته عام 1843.ديوتيما

هل تضيء كما كنتَ من قبلُ

أيها النهارُ الذهبيّ !

وهل تتفتَّحُ أزهارُ أغنيَتي

مرّةً أخرى نحوك نابضةً بالحياة؟

كيف تغيَّرَ كلّ شيء !

ما كنتُ تجنَّبْته حزيناً،

يتناغمُ الآن في أوتارٍ حبيبة

في أغنية طربي،

ومع كلِّ دقَّة ساعةٍ

تعود بي الذِّكرى بروعة إلى أيام

طفولتي الهادئة،

بعد أن وجدتها، الوحيدة

ديوتيما، أيّتها المخلوقة النبيلة!

أختاهُ! القريبة روحيّاً!

قبل أنْ أعطيَكِ يدي،

عرفتكِ من زمن بعيدٍ.

قديماً،

في أحلامي التي انبعثتْ

في نهار صاحٍ،

عندما استلقيتُ،

كصبيّ مَرحٍ،

تحت أشجار حديقتي،

وهناك في ابتهاج هادئ وجمال

بدأ ربيعُ روحي،

كهمساتِ ريح الدَّبور، تمتمتْ روحُك ِ

إليَّ، أيَّتها القدسيَّة الإلهيّة.

آه! وثمَّ، ومثلَ أسطورة،

اختفى كلّ إلهٍ عنْ ناظري،

عندما وقفتُ أمامَ وَضَح النهار

السَّماويِّ مثلَ أعمى،

عندما ناءَ الزَّمانُ بحمْله عليَّ،

فأحنى عودي،

وحياتي باردة وشاحبة،

وكنتُ منحدراً إلى أسفلَ بشوقٍ،

إلى مَلكوتِ الموتى الصّامت:

لا أزالُ أتمنى هذه النعمةَ لنفسي،

أنا المُتجَوِّلَ الأعمى،

لأجدَ صورة قلبي

عند الظلال أو هنا.

الآنَ ! وجدتك ِ!

أَجملَ، ممّا تصوَّرتُ من قبلُ

من أملي في ساعات الفراغ،

أيّتها المُلهمة الفاتنة! أنتِ هنا:

من الفراديس هناك في العلى،

حيث المسرَّة تهرب عالياً،

حيث الشيخوخة لا ترتقي إليها،

حيثُ يتألقُ الجمالُ الوضاح الأبدي،

هبطت عليَّ من عليائك.

مبعوثة َ الآلهةِ ! بَقيتِ الآنَ

مِعطاءً رؤوفاً إلى جانب مُغنيكِ

دوماً.

حَرُّ صيفٍ واعتدالُ ربيعٍ،

خصومة وسلام يتبادلان هنا

أمامَ الصّورة الربانية الصّامتة

بأعجوبة في قلبي:

غالباً يجتاحني الغضب في غمرة الإذعان،

خجلا، مدحورا، جاهدا ً أنْ

أ ُمسكَ بها،

تلك التي حلقتْ فوق تخيلاتي الجّريئة،

غيرَ مسرور بالظفر،

بكيتُ في كبريائي،

لأنها بَدتْ لعقلي

رائعة جدّاً، قويّة ً جدّاً.

أه! إلى جمالك الهادىء،

لَطافة مُحياك البشوش:

يا قلبُ! إليك ترانيمَ السَّماء

إنَّ قلبي ليس مُعتاداً عليها،

ولكنَّ ألحانكِ تجلي عقلي شيئاً فشيئا،

فتهرب الأحلامُ المُزعجة،

وأنا ذاتي أكون شخصا ً آخرَ.

ألهذا أ ُخترتُ أنا؟

وهلْ وُلدتُ إلى النور والمرح،

مثلما وُلدتِ أنتِ، إلى سَكينتكِ السّامية،

أيتها المحظوظة ربانيّا ً؟

مثلُ أبيكِ وأبي*،

الذي في جلاله الوضاء

فوق جنينة البلوط،

يذهب هناك عالياً في بهاء،

مثلما هو في أمواج البحر،

حيث الأعماقُ الباردة تزرَقُّ،

صاعداً إلى قوس السَّماء،

يُحدِّق إلى أسفلَ بسكينة وصفاء:

لذا هل أريد من أعالي السَّموات،

مُقَدَّساً من جديد في حظ جميل،

سعيداً، لأغني وأرى،

عودةً الآنَ إلى الزائلين