عبد الجبار عباس عاش ورحل فقيراً وإشتهر بدور مرهون أبو قنبورة

Thursday 7th of July 2022 12:30:04 AM ,
5221 (عراقيون)
عراقيون ,

كافي لازم

يظن كثيرون أن الفنان عبد الجبار عباس ولد في بغداد ولكن بعد التحري تبين أنه ولد في قضاء علي الغربي بمحافظة ميسان عام 1933 ولم يكمل التسعة أشهر في بطن أمه وقد جاء إلى هذه الدنيا ضعيفا منهكا متعبا أي كان (أسبيعي) كما يقولون وهو الوحيد لأهله يين ثمان بنات.

تكاثرت العائلة وضاقت بهم سبل العيش مما اضطر والد عبد الجبار الرحيل إلى العاصمة بغداد في ثلاثينيات القرن الماضي وقد سكنوا منطقة تسمى (الصنم) وهي بالأساس مقبرة العوائل المسيحية بين منطقة الباب الشرقي وباب الشيخ.

تطوع الوالد بسلك الشرطة براتب ضئيل لا يكفي لسد رمق العائلة المؤلفه من ثمان نفرات مما أضطر الوالد أن يعمل في الحمامات ولأخلاصه بالعمل جعله صاحب الحمام مسؤول عن الأمانات وهذا المكان مجزي حيث الاكراميات الكثيرة من الزبائن. كان والد عبد الجبار عباس يعاني من مرض مزمن وهو(الصرع الشديد) وفي أحد إلايام بينما هو يعمل في أنارة الفانوس وكان وحده في المكان انتابته موجة الصرع مما أدى إلى انكفاء الفانوس وانتشار النفط واحترق المكان بأكمله واحترق والد عبد الجبار عباس مما أدى إلى وفاته. وهنا تعقدت الحاله الاقتصادية للعائلة حيث ذهب المعيل الوحيد. غير أن زوجته (أم عبد الجبار) اضطرت ان تعمل في البيت وتطبخ الشوربة والخبز ويقوم عبد الجبار عباس في بيعها في السوق حينها أصبح يافعا و اندمج اكثر واكثر بالحياة المدنية حيث كانت المدينة تعج بالحركة إلى ساعات متأخرة في الليل وكثرة وسائل الترفيه (الملاهي والسينمات) مما اضطر عبد الجبار عباس يعمل عملا اخر في محل (فيتر) لكي يوفر ثمن بطاقة السينما وقد تأثر كثيرا بالفنان يوسف وهبي وكان دائما يجيد تقليده بالأداء.

وعند دخوله بالمدرسة الجعفرية وبوجود الرائد جعفر السعدي بهذه المدرسة الذي عرف بحبه للمسرح استعان بعبد الجبار في مسرحياته وقد مثل في تلك الفترة دور (أم علي) نتيجة لعدم توفر العنصر النسائي في ذلك الوقت (والغريب ان بعد هذه السنين الطويلة أدى كذلك دور أمرأة في ثمانينات القرن الماضي في مسلسل ابو البلاوي). في ذلك الوقت من عام 1956 انتمى إلى فرقة المسرح الشعبي وعمل في مسرحية (يريد يعيش) ثم انتمى لفرقة المسرح الحديث عام 1957 والفن الحديث عام 1965 بعد تجديد اجازتها ضمن قانون الفرق الاهلية عام 1964.

مخرج اذاعي

عمل في السينما ممثل وملاحظ ومساعد المخرج في أفلام سعيد أفندي – ابو هيله – عروس الفرات و فتنه وحسن. بالإضافة لوظيفته كمخرج اذاعي في البرامج الريفية. أهم ادواره (مرهون ابو قنبوره) في النخلة والجيران وقد اشتركت ابنته معه في هذه المسرحية وهي صغيرة العمر. كذلك دوره في مسرحية الشريعة (عمر حساني) وفي الخان دوره(محي الباصوان) كذلك في بغداد الأزل وهاملت عربيا فضلا عن اشتراكه في دبلجة الكثير من مسلسلات الأطفال الكارتونية. الملاحظ من هذا الفنان المتفرد أن معظم الشخصيات التي قدمها قريبة له وتاريخ معاناته من قسوة العيش والقهر والظلم السائد في فترات حياته منذ أن كان طفلا انتمى إلى الطبقة الفقيرة بامتياز فلا بريق أمل للخلاص او النهوض لحالة افضل مما أدى به إلى الاحساس بأن هذا الوضع البائس ماهو إلى لحالة الوضع السياسي السائد بعهد الملكية والاقطاع مما حدى به الانضمام إلى الحركة اليسارية التي كانت نشطة جدا تلك الفترة وادرك بشبابه أن النضال الحقيقي يبدأ من هنا وبالتالي الخلاص من هذه الطغمة الفاسدة.

وفي خضم نضاله وفي اثناء عمله دق لافتة مضمونها ضد السلطة وأذا احد افراد من القوة المناوئة لفكره ضربة ضربة على رأسه بواسطة (بوري حديد) مما جعل دمه ينزف كنافورة ماء وهو كما نعلم ضعيف البنية متهالك نتيجة الجوع الحاصل تلك الفترة حينها نقل إلى مستشفى الطوارئ وكان المسؤول عن علاجه الدكتور المشهور(ادور عيسى) مدير المستشفى الذي أقر أن جبار عباس أما أن يموت او يصيبه مس من الجنون. واخيرا نجا بأعجوبة من تلك الضربة وبعدها لم يترك عمله السياسي واستمر بالحركة السياسية متزامنا مع عمله الفني في السينما والمسرح. وعند انقلاب 8 شباط اخذ نصيبه من الفصل السياسي والملاحقات وقضى في سجن (خلف السدة) عدة شهور وبقيت عائلته بلا معين ثم صدر قرارالعفو وشمله وخرج من السجن ولكنه مفصول من وظيفته. استمر نشاطه الفني ولكننا نعلم تماما أن الفن في العراق (ميوكل خبز) هذا بالاضافة الى ان أفراد اسرته ولد واحد و8 بنات ومع ذلك حرص على دخولهن المدارس ونشأتهن بشكل جيد رغم الظروف الصعبة.

بعد انقلاب 17 تموز عام 1968 م صدر قرار بأحالة المفصولين السياسيين لوظائفم وعاد عبد الجبار عباس لوظيفته كمخرج اذاعي وقدم كثير من التمثيليات الاذاعية اخراجا وتمثيلا كذلك في التلفزيون وقد اشترك في المسلسل الاشهر (تحت موس الحلاق) وعمل في المسرح وبالاخص فرقتة الاثيرة إلى نفسه فرقة المسرح الفني الحديث. وقد واجهته مشاكل أخرى كثيرة منها أنه بدون (شهادة الجنسية) وهنا تدخل رئيس ديوان الرئاسة انذاك طارق حمد العبدالله وصدر له الشهادة وأسرته كذلك وحينما تخلف ابنه الوحيد (صادق) عن الخدمة العسكرية بأيام طويلة سعى له والده عند القادة العسكريين وكان موضع احترام وتقدير له وحذفوا جميع ايام غياباته الطويلة وكان سبيلا لحل جميع معاملات الأسرة في دوائر الدولة.

يتميز جبار عباس بحبه والتزامه المبدئي بفرقته العريقة فرقة المسرح الحديث وهو دائم التواجد اليومي في الفرقة بغض النظر انه مشترك او غير مشترك بعمل مسرحي معين ودوامه ثابت ومنتظم. وعندما يسند له دور ما في أي مسرحية فهو من القراءة الاولى للنص يمسك الشخصية بشكل مباشر ويؤدي منذ الجملة الاولى اما في القراءة الثانية يكون قد لبس قطع من الاكسسوار ليقترب من الشخصيه اكثر.

نموذج للالتزام

أما اثناء العرض فهو نموذج للألتزام بتوصيات المخرج ولا يتجاوز على النص مطلقا كما أنه يتدارك أي شكل طارئ يحدث اثناء العرض في الأثاث او الديكور او الاكسسوار ويشد من عزيمة زميله ان حدث ارباك ما بدون أن يؤثر على إيقاع العمل ولا علم للجمهور في ذلك. فضلا عن أنه مستعد لأي مهمة يكلف بها من قبل الفرقة سواء قاطع تذاكر او منفذ انارة أو موسيقى او دليلا لإدخال الجمهور للكراسي المرقمة هذا اذا لم يكن له دور في المسرحية.

كل هذه النجاحات المستمرة لم يتمكن عبد الجبار عباس ماديا لمساعدة عائلتة الفقيرة فبقى ساكن في الإيجار ولم يمتلك بيتا طوال عمره مع ان القدر دائما يتربص لهذا الفنان فأثناء سيره في احد ألليالي في شوارع بغداد صدمته سيارة مسرعه وقذفته أمتارآ ولم يصح ألا وهو في المستشفى وقد انكسرت اضلعه ورجليه حدث هذا عام 1980م ولم تنجح كل المحاولات لارجاعه كما كان لحالته الطبيعية وبقى شهورا طويلة وهو مقعد وجسمه مشدود في (البلاتين). بالتالي حدثت المصيبة الكبرى اذ أصبح عاطلا عن كل شيء واصبحت الضغوط المعيشيه لعائلته لا تطاق وهنا شمرت زوجته الراحله (ام صادق) عن ساعديها ولم تستكين لهذا الوضع البائس فقد عملت من الصباح إلى المساء لكي تحافظ على الحد الأدنى من المعيشه وقد حرصت على إكمال أولادها للدراسة على اكمل وجهه. وبعد مناشدات كثيرة استجابت الحكومة وارسلته للاستطباب في لندن اذ نجح الأطباء هناك لارجاعه لحالته الطبيعية رغم الوهن العام في جسمه واستمر في عمله الفني لفترة محدودة. وكما قلنا سابقا ان القدر يتربص لهذا الانسان والفنان حيث جاءت سيارة مسرعة يقودها سائق متهور وضربته في مقتل هذه المرة.

كانت الضربة في مكان حساس في رأسه افقدته السيطرة على حواسه. أصبح فاقد للوعي لفترة طويل وأصيب بتلف الدماغ وفقدان الذاكرة ولم يتعرف على أصدقائه وأفراد اسرته حدث هذا 1986 إلى أن توفي هذا الفنان الكبير في مستشفى الكرامة عام 1996.

ترك حزنا وأسى في قلوب محبيه وفي الختام لابد أن نشير لعائلته الخمس بنات و ابنه الوحيد صادق ووالدتهم تعلموا الدرس واتقنوه ونجحوا في اجتياز الكثير من المصاعب لاسيما السيدة والدتهم التي ناضلت وعملت بجد منقطع النظير فهي موظفة خدمة في المدرسة نهارا وتعمل في مركز صحي مساءا واستطاعت ان تحمي عائلتها وحرصت على تعليمهم. اغلب بناتها يعملن في التعليم ووظائف أخرى اما ابنه الوحيد صادق فقد حصل على شهادة الدكتوراه و يعمل في وزارة الزراعة.