عبد الجبار عباس.. صانع البهجة

Thursday 7th of July 2022 12:31:15 AM ,
5221 (عراقيون)
عراقيون ,

علي حسين

كيف انسى هذا الممثل الفذ، وكنت أراه كثيرا في طريقه الى دار الاذاعة وهو يحمل رزماً من الاوراق، كنت أخمن انها نصوص سيمثلها في التلفزيون، لكنني اكتشفت فيما بعد انها نصوص اذاعية كان الفنان الراحل حينها تفرغ للعمل الاذاعي مخرجا وممثلا.،

ان جيلي يعرف عبد الجبار عباس من خلال أشتراكه في المسرحية الشهيرة النخلة والجيران، حيث ادى اهم ادواره “ مرهون السايس “ الانسان المعدم، الذي يتحدث الى الخيل، يحاورها يعرض عليها مشاكله وهمومه، ذات يوم تباع الطولة، يالها من معضلة وجودية، بعد خمسين عاما يجد نفسه خارج المكان الذي يشكل كل عالمه، لم يكن الدور عن سايس خيل مهموم بمشاكل الحياة، لكنه اشبه بشريط سينمائي يمر امام اعيننا يروي حكاية انسان يعيش بين الحلم والواقع، بين التمني والقدرة وحيدا ينوح وسط الظلام.

في دور “ مرهون “ وجد المتفرج نفسه امام ممثل ناضج وذكي في رسم الشخصية، يقف برسوخ امام ممثل كبير مثل يوسف العاني الذي ادى في المسرحية شخصية “ حمادي العربنجي “ واتذكر انني سالت عبد الجبار عباس كيف استطاع ان يقف امام ممثل بحجم يوسف العاني كانت اجابته بسيطة لكنها عميقة في نفس الوقت قال: عندما امثل فان الاحساس بالشخصية عندي، ياخذ مساحة اكثر من التفكير في الشخصية، بمعنى ان الاحساس في الشخصية يجب ان يكون اقوى، وان يكون عاطفيا، ولهذا انا كنت متعاطفاً مع مرهون دون ان افكر بابعاد الشخصية ومساحتها في المسرحية “ من الغريب ان هذا الممثل الموهوب لم يجد ادوارا اكبر رغم اجادته لدور الانسان البسيط والمعدم وبلمسات كوميدية لافتة، وهو محترف تشخيص جيد، لكنه لم ياخذ حظه لافي التقييم، ولا في تقديم المزيد من الادوار سواء على المسرح او في التلفزيون، هناك معلومات قليلة عن هذا الممثل الشعبي الحنون الصوت والاداء والشخصية، معظم ادوارة تدور في هذا الاتجاه، دخل الفن مبكرا وادى شخصية ام علي الشهيرة في الاذاعة، ولم يكن المستمعون انذاك متاكدين من ان الذي يقوم بالشخصية هو رجل يقف في المساء على خشبة مسرح بغداد يؤدي ادوار الانسان الشعبي البسيط، وفي سيرة حياته نقرا انه لم يتمكن من اكمال دراسته بسبب فقر الحال ووفاة والده مما جعله يتولى امر اعالة عائلته، فعمل في عدة مهن، مصورا في الحدائق والساحات وبائعاً متجولاً، وقاطع تذاكر في دور السينما، واحيانا حمالاً في اسواق الشورجة. وقد حاول في المسرح او التلفزيون ان ينقل خبرته الحياتية هذه من خلال الشخصيات التي قدمها، وقد استطاع ان يحفر في وجدان المشاهد، صورة لانسان اختلطت عنده خشبة الحياة بخشبة المسرح.

ظل عبد الجبار عباس على الهامش دائما او افضل قليلا، فدخل تاريخ الفن بشخصية الانسان المعدم، مثلما خرج من الحياة انسانا معدما يلفه النسيان.