مانديلا.. طريق الحرية

Wednesday 20th of July 2022 12:23:36 AM ,
5225 (منارات)
منارات ,

علاء المفرجي

في فيلم “ مانديلا طريق طويل نحو الحرية “ نحن أمام سيرة رجل اكتسب صفة الأسطورة، بوصفه أيقونة للحرية ميزت التاريخ السياسي لقرن كامل، هي ايضا حكاية رجل وحكاية وطن، تداولها الناس في كل مكان، الى درجة اقتربت فيها من الأسطورة، حكايات، وأغانٍ، ومثل اعلى.

انها ببساطة سيرة رجل نذر نفسه للحرية، حرية وطنه وشعبه، كما أنها سيرة رجل غيِّب لأكثر من ربع قرن في غياهب المعتقلات والسجون بتهمة قلب نظام الحكم، ليخرج منها ظافرا متوجا بالغار بوصفه الرجل الاول في الدولة منتخبا من قبل الشعب رئيسا لها.

نيلسون مانديلا الذي قدم أمثولة بالنضال الذي لايكل من اجل الحرية والانعتاق من ربقة التمييز العنصري، أمثولة في الصمود على المبادئ، وتحمل شتى صنوف القهر والقمع، والتي لم تمنعه يوم نال حريته وحقوقه المدنية بوصفه ضحية على مدى أربعة عقود في ان يغفر، بل يضرب مثلا في التسامح ونسيان أذى من أساء له، بفهم يسمو على كل نوازع الانتقام التي من شأنها، ان تحول الضحية الى جلاد.

هذه السيرة على قدر وضوحها، على قدر جسامة مهمة معالجتها كعمل إبداعي يرقى لمستوى فعلها التاريخي الذي عاشته أجيال من شعوب الأرض وبالأخص الشعوب الأفريقية.

في هذا الفيلم الذي أخرجه (جوستان شادويك) وتزامن عرضه مع رحيله عن خمسة وتسعين عاما، يتناول سيرة احد اهم الرموز الإنسانية في القرن العشرين، من الذين عرفوا بنضالهم السلمي، نيلسون مانديلا الذي ناضل من اجل الغاء التمييز العنصري، وإشاعة المساواة بين الأعراق، وهو الهدف الذي حققه أخيرا وهو يضع الأسس لأول نظام ديمقراطي في أفريقيا.

خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت سيرة هذا الرجل مصدر الهام للعديد من صناع الأفلام التسجيلية والروائية، نذكر منها فيلم “مانديلا “ المنتج عام 1986 خلال فترة سجنه وجسد البطولة فيه الممثل داني كلوفر، وفيلم (وداعا بافانا) المستوحى من قصة حقيقية عن سجين ابيض تتغير حياته بتأثير سجين اخر يقوم بحراسته وما هذا السجين إلا نيلسون مانديلا نفسه. وكذلك فيلم (انفكتوس) الذي قام باخراجه كلينت ايستوود وجسد شخصية مانديلا فيه مورغان فريمان فيما لعب مات دامون دور قائد منتخب جنوب أفريقيا للركبي وهو الفريق المفضل لمانديلا في بداية تسنمه الرئاسة في بلده.

اما فيلمنا “ مانديلا طريق طويل نحو الحرية “ والذي أجاد في تجسيد دور مانديلا فيه الممثل البريطاني (إدريس ايلبا) فانه يعتمد على سيرته الذاتية التي صدرت سنة 1994، بناء على مذكراته التي بدأ في كتابتها عام 1974 في سجن روبن ايلاند وانتهى منها بعد الإفراج عنه عام 1990.

ومن هنا فان الفيلم يقتفي سنوات طفولته الأولى ونضاله من اجل الحرية لشعبه وسنوات الاعتقال والإفراج عنه بعد 27 عاما ثم انتخابه كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري فيها.

فيلم مشوق مثل سيرة صاحبه فعلى مدى ساعتين ونصف يرحل بنا المخرج جوستان شادويك الى اهم المحطات في حياة الرجل مشحونة بالرومانسية وتفاصيل سلوكه وانشغاله بالهم الإنساني والوطني، بإتقان عال ولغة سينمائية جميلة.

ويرصد أيضا نضج أفكاره واستجابتها للمتغير خاصة ما يتعلق بقراره الحاسم والذي اصبح درسا للإنسانية بالصفح عن جلاديه، وفتح صفحة جديدة بالعلاقات الانسانية التي تعتمد التسامح والمحبة بين البشر.