سوق الشيوخ في نص تاريخي نادر سنة 1912

Sunday 31st of July 2022 11:15:51 PM ,
5233 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

سليمان الدخيل

1ــ موقع هذه المدينة وحدودها

قضاء سوق الشيوخ من مدن العراق الحديثة واقع على ضفة الفرات اليمنى قريباً من الدرجة 30 عرضاً ونحو الدرجة 44 طولاً من باريس وهو في جنوبي لواء المنتفق. يحده شمالاً وشرقاً الفرات. وجنوباً وغرباً الصحراء الشامية وهو يبعد 40 كيلومتراً عن الناصرية وهو تحتهاو 140 كيلو متراً عن غربي البصرة على خط مستقيم و 130 كيلومتراً في جنوب غربي العمارة على خط مستقيم أيضاً.

2 ــ مؤسس سوق الشيوخ

هو الشيخ ثوينى المحمد جدّ الأسرة السعدونية. وذلك انه لما كان حاكماً كبيراً في العراق، يمتد حكمه من الغرَّاف والبصرة إلى ما قارب الكويت من جهة. ومن الجزيرة إلى ما حواليها من الجهة الأخرى أصبح نفوذه عظيما على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة عن خيام تجار وباعة ينزلون قريباً من الأعراب إذا ضربوا مضاربهم وخيامهم فتقوم سوقهم ويعرضون فيها ما يحتاج إليه من لباس وآنية وخرثي وأثاث وتبغ (أي تتن) ويعارضونها بغيرها من وبر وصوف وسمن (دهن) وبقل وخضرة وغيرها. ويوجد مثل هذه السوق إلى يومنا هذا مع القبائل الرحل.

وعليه كان مع الشيخ ثويني وأعرابه سوق تقام أينما حلَّ والى حيثما رحل. ثم أن أعراب ثويني رغبوا في أن تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثرة مرعاه فأذن بذلك فاشتق اسمه من الغاية التي وضع لها. وقبل أن يعرف بهذا الاسم سمي سوق النواشي وهو اسم عشيرة من عشائر العراق وكان الشيخ ثويني يعطي تجار الشيوخ مئات من نقود الفضة والذهب بمنزلة قرض يستفيدون من نفعها ويردونها إليه حينما يطلبها منهم أو يطلب عوضاً منها. وكان اغلب شيوخ القبائل يمتارون من تلك السوق فعرف باسمهم جميعاً. ومات اسم سوق النواشي.

3 ــ تاريخ بنائه وحالة هوائه

قويت سلطة ثويني واتسع ملكه من نحو سنة 1150هـ - 1737م إلى نحو سنة 1200هـ - 1785م واختلف في سنة تأسيس السوق. فمن قائل أنه كان سنة 1162هـ - 1749م وفي قول آخر كان سنة 1175هـ - 1761 - 1762م والأصح القول الأخير على ما نقله أحد العارفين الثقات من أهل تلك الأصقاع. لأن اعظم أيام الشيخ ثويني هي سنة 1165هـ إلى يوم قتله الذي وقع سنة 1212هـ - 1797م في مكان اسمه الشبكة وبعد وفاة الشيخ الكبير أصبح سوق الشيوخ مركزاً لمهمات شيوخ المنتفق ومخزناً لذخيرتهم ومئونتهم وملجأ حصيناً يلجئون إليه كلما احتاجوا إليه. فكم من حاجة قضيت فيه! وكم من دم سفك على أرضه! وكم من أمير اغتيل على صعيده! وكم من هدية أو عطية جزيلة أكرمت في بيوته! إلى غير ذلك من الأمور التي لا تحصى ولا تعد! إلا أنه لما ضعفت قوة المنتفق وانتكثت مرائر أمرائهم وشيوخهم ووقع بين رؤسائهم اختلاف الكلمة اشتد نفوذ الدولة هناك فأدخلته في جملة ما أدخلته في أملاكها وقيد في سجلات أملاكها وأنشئ في ذلك الصقع نواحٍ وأقضية وألوية وجعلت السوق قضاءً سنة 1288هـ (1871م) ثم أخذ بالتقهقر والانحطاط حتى غدا في سنة 1315 (1897م) بمنزلة مديرية وأن كان فيه قائم مقام. وذلك باعتبار خطورته وانحطاط رقيه ورجوعه القهقرى عن سابق ما كان عليه من الشان والمنزلة. أما سبب هويه أو تسفله فهو انقطاع الأعراب عن الامتيار منه ووخامة أرضه وكثرة الأمراض والحميات التي تفتك بأهاليه لأن البطائح أو الأهوار تحيط به من كل جانب وتفسد هواءه. بينما كان في السابق بعيداً عن كل غمق ووبالة. وذلك لأن الشيخ ثويني كان قد افرغ جهده في منع وصول مياه طغيان دجلة إليه. بخلاف ما يحدث الآن فأن اغلب الأنهار قد طمت أو دفنت فانتشرت المياه في كل جهة بدون رادع يردعها أو حاجز يحول دونها وإذ لا تجد مجرى أو مصباً تنحدر إليه تبقى هناك مدى السنة فتخرب وتدمر وتتلف وتمرض وتقتل وتفتك بدون معارض أو محاسب ومن أسباب انحطاطها معاودة الطاعون إياها من حين إلى حين واشد طواعينها الذي فتك بها سنة 1832 فانه لم يبق ولم يذر.

4 ـ سكانه وتجارته

كان سكان سوق الشيوخ من عرب ثويني وأهالي نجد لا غير وكانوا كثيرين إلى قبل نحو خمس عشرة سنة وكان عددهم المجموع 12000.وكان عدد بيوتها في ذلك العهد 2000 بيت و1500 صريفة (بيت يشبه الكوخ) وكان فيها مسجدان للسنة ومسجد للشيعة وحمام واحد وخان و240 دكاناً و5 قهوات. وأما اليوم فلا يوجد فيه أكثر من 4 آلاف نسمة وهم مقسومون ثلاثة أقسام وهي: ثلاثون بالمائة منهم من أهالي نجد وهم وهابيون. والثلاثون الآخرون من البغداديين والأربعون الباقون من سائر أهل العراق ويطلق عليهم اسم (الحضر) واكثر التجارة بيد الحضر. وبياعاتهم هي كل ما تطلبه البادية من ألبسة وثياب وأحذية يليها في كثرة البيع توابل (وهي الإسقاط بلسان بعضهم والعطارية بلسان الآخرين) وبزور وحبوب وقطاني وما شابهها. ومن أهم تجارته الخيل فهي من أجود خيل البلاد لأن أصل اغلبها من نجد وما جاورها.

5 ــ زراعته وصناعته

زراعة السوق الشلب (من أنواع الأرز أو التمن) والذرة (ويسمونها الاذرة) والدخن والحنطة والسمسم والشعير والهرطمان والماش. وواردات الزروع هي على الأقل ألف طغار (أو تغار والتغار يختلف وزنه باختلاف ديار العراق واختلاف الموزونات. واختلافه بين 1000 و1540 كيلو غراماً) والمياه هناك كثيرة كلها متدفقة من الفراتين. وهم يزرعون أيضاً على شواطئ البطائح إلا أن زراعتهم قليلة بالنسبة إلى مياههم واتساع أراضيهم وكثرة فلاحيهم. ولعل أسباب تقهقر زراعتها كثيرة الفتن المستعرة نيرانها بين عشائر تلك الربوع.

وأما صناعة السوق فليست مما يشار إليها بالبنان وكل ما فيها هو عبارة عن معرفة ما تمس إليه حاجة البدوي ومعروف ومبتذل في سائر الديار العراقية. إلاَّ أن أهاليها مشهورون بحياكة الأعبئة المخططة وهي معروفة في ديارنا باسم الاعبئة الشيخلية نسبة إلى سوق الشيوخ. ومن لا يحسن الحياكة يتعلم الحدادة وحدادتهم متوقفة على صنع المساحي وجميع آلات الزراعة البسيطة العمل. والصياغة من خصائص الصابئة (المعروفون بالصبة والواحد منهم صبي بضم الأول وكسر الثاني المشدد) وكذلك النجارة وجلّ نجارتهم متوقفة على عمل المشاحيف (جمع مشحوف راجع لغة العرب 102: 2) وأما اليهود فمعظم أشغالهم قائمة على البيع والشراء والإِقراض بالربى الفاحش.

6 ــ قسمته وحكومته

ليس في هذا القضاء إلا ناحية واحدة هي ناحية بني السيد. وفيه قيم مقام لإدارة القضاء. ومدير لإدارة الناحية. يساعدهما مجلسا إدارة.

7 ـ العلم فيه

لا شأْن يذكر للعلم هناك. وسكانه لا يعرفون الصحف ولا الصحافة إلا من ندر. وجملة من يطالع الكتب وبعض الجرائد النادرة لا يجاوزون عشرة أو خمسة عشر واغلب هؤلاء من أهالي نجد. وفيه أربعة كتاتيب يتردد إليها نحو 50 طالباً وفي أيام بدءِ الشتاء 60 أو 70 وفي أيام الحصاد 30 وهي مقسومة على هذا الوجه:

3 كتاتيب للمسلمين وفيها 3 معلمين و40 طالباً وكتاب واحد للصابئة. وفيها معلم واحد و10 طلاب.

سليمان الدخيل صاحب الرياض

م. لغة العرب العدد 19 – بتاريخ 1 ــ 1ــ 1913