حسين جميل يتحدث عن دراسته الأولية

Wednesday 17th of August 2022 11:11:32 PM ,
5245 (عراقيون)
عراقيون ,

إعداد: عراقيون

في مدينة العمارة حيث كان عمل والدي،بلغت الصف السادس الإبتدائي،وهو الصف المنتهي في المدرسة الابتدائية،سنة 1923. وكان قد تقرر في السنة اللدراسية السابقة ان يكون امتحان الصف المنتهي للدراسة الابتدائية وزاريا، وينظر اليه برهبة يشوبها الاحترام. وقد تقرر اجراء الاماتحانات الوزارية مركزيا في ثلاث مراكز: هي بغداد والبصرة والموصل.

وكانت البصرة مركز امتحاني الالوية الجنوبية، وبضمنها “العمارة”. فلما اقتربت السنة الدراسية الاخيرة من الانتهاءتهيأت لتلك السفرة. ثم انتدبت المدرسةاحد المعلمين، وكان خليل افندي “العزي”، مرافقة التلاميذ الى البصرة فلما رست احد البواخر بيت لنج في”العمارة” وكانت قادمةمن بغداد، استقليناها،نحن طلاب العمارة مع معلمنا في طريقنا الى البصرة، فوجدنا على متنها تلامذة مدرسة علي الغربي ومعلمهم،وكانوا في طريقهم لأداء الامتحان نفسه.

وواصلت الباخرة رحلتها، وكان اسمها “زنزبيا” وفي الطريق صعد اليه تلامذة مدرسة “قلعة صالح” ومعهم معلمهم. فلما وصلنا البصرة انزل جميع تلامذة وائي “المنتفك” و” اعمارة” في مدرسة “باب السيف”. لكن الامتحان الوزاري جرى في مدرسة “السيمر” وكان تحريريا كانت تلك هي المرة الاولى التي ارى فيها مدينة البصرة، فبهرني جمالها وفتنني عمرانها فحببتها حبا جما. وغفالبا ما كنا نذهب بعد الانتهاء من امتحان اليوم الى “العشار” على ساح شط العرب وكان ذهغابنا بسيارات النقل وكانت تلك هي المرة الاولى التي اجرب فيها ركوب تلك الواسطة، ولعل هذا كان شأن جميع التلامذة الاخرين. كانت الواسطة سيارة صغيرة تتسع لاربعة ركاب فقط، اما التي انتقلت بها بين بغداد و”بعقوبة” قد كانت كبيرة تسمى “ باص».

كانت تلك السفرة الى البيصرة وما تخللها من تجوال في شوارع الميناء والاسواق، خاصة اسوق العروف باسم سوق الهنود، اشبه بالسياحة رغم عناء الامتحانات. ولما فرغنا من الامتحانات عدنا لمدننا فرجع طلاب “العمارة “ بالواسطة نفسها اتي جاءوا بها على باخرة من بواخر بيت لنج، وكانت اما “زنوبيا” او “زبيدة” اعلنت نتائج الامتحانات الوزارية في اواسط العطلة لصيفية، وكان قد كتب عى بعض شهادات النجاح “ناجح باستحقاق”، وفي بعضها الآخر “ ناجح مناسب” وواضح ان هذه لتسمية تدل على مستوى النجاح. وكان سروري كبيرا عندما وجدت شهادتي وعليها “ناجح باستحقاق” واتضح فيما بعد ان امتياز مثل هذا النجاح هو منح الناجحين بأستحقق اسبقية القبول في الدراسات التي تلي الدراسة الابتدائية، وكانت تنحصر بالثانوية ودار المعلمين الابتدائية ومدرسة المساحة وكلية الاام الاعظم. فأذا بقيت شواغر في تلك المدارس بعد قبولهم قبل فيها عندئذ من كان نجاحه “مناسبا”. وهذا ما وقع في تلك السنة فعلا.

كتن نجاحي وبأستحقاق يخولني الخيار، حسب مداولة جرت بين والدي اين سأدرس؟ واذكر من هذا الحوار انه استبعد الولدان منذ البداية “دار المعلمين”، لأنهما لم يريدا لي ان اكون معلما في مدرسة ابتدائية؛ ثم استبعدا “المساحة” ايضا فانحصر خيارهما بين الثانوية و”كلية الامام الاعظم».

فاجابت الوالدة متحسرة: “خطية يلبس عمامة! ”. فاحتج الوالد قائلا: “وما عيب اعمامة؟ ”، فهو نفسه رجل دين يعتمر العمامة. واصرت الوالدة تقول: ” الثانوية” وعندما سالت عن رايي فضلت الثانوية. وهكذا اقر ختياري في الذهاب الى المدرسة الثانوية دون مزيد من المجادلة.

لم يكن في العراق حين ذاك سوى مدرستين ثانويتين كاملتين: الاولى في بغداد، والاخرى في الموصل. اا في البصرة، ورغم انها من مدن البلاد الكبيرة، فلم يكن فيها الا صفان ثانويان بعد الابتدائية، وعلى من يريد مواصلة الدراسة الذهاب الى احدى تلكما الثانويتين. واذكر ان تلامذة من البصرة جاؤوا الى بغداد فعلا لاكمال دراستهم في ثانويتها، ومن هؤلاء عبد الجبار بكر، الذي تخصص فيما بعد بدراسة الزراعة في الولايات المتحدة الامريكية واشغل وظيفة “مدير الزراعة العام».

كان علي ان اذهب الى بغداد، فجئت اليها من “ العمارة” بالباخرة ايضا، وسكنت مع بيت عمي عبد الجبار جميل، وكان يومئذ رئيس محكمة البداءة في بغداد. ثم نقل الى الحلة فبقيت داره تسكنه اسرته في بغداد. وكانت دار عمي تقع في قنبر علي، وهي كبيرة وذات طابقين، ومقسومة كذلك الى قسمين، “الحرم” و” الديوان خانة” وتلفظ “ديوه خانه” وهذه عبارة عن دار كاملة لاستبال الضيوف، وآخرها باب للدخول بواسطته الى الدار اثانية المعدة لسكن اهل البيت. ومن الصدف الحسنة ان اعايش في تلك الدار ابن عمي “علي حيدر” وكان في الصف الثاني المنتهي، ودرس بعدئذ الطب وتخرج طبيبا في الجاعة الامريكية في بيروت. كان علي حيدر منتظما في كل شيء: في دراسته وتصرفاته وشتى اعماله، الامر الذي ترك اثره في مواظبتي على الدراسة والاقتداء بسلوكه. والتقيت آنذاك بالطالب عبد المطلب امين الهاشمي/ وكان هذا رفيق علي حيدر في الصف المتهي ويتردد عليه في الدار، فتعرفت عليه ثم تطور الامر الى صداقة امتدت حتى وفاته، رحمه الله.

كان عدد تلامذة المدرسة الثانوية في تلك السنين من القلة بحيث لم تكن تشغل بناية مستقلة بها، بل تشغل الطابق الاول فقط، اي الطابق بعد الارضي، من بناية مدرسة المأمونية الابتدائية. وكانت تقع في حلة الميدان قرب مدخل وزارة الدفاع حينذاك، ثم هدمت في السنين الاخيرة وشيدت في مكانها بناية لجنة اسالة الماء لمدينة بغداد. فما تزايد عدد التلامذة في السنة التالية تزظايدا كبيرا استقلت “ الثانوية” ببناية قريبة خاصة بها في محلة البقجة قرب الميدان، وهي المدرسة اتي تححمل اليوم اسم “الاعدادية المركزية”. وكان الاقبال على المدرسة يتعاظم سنة بعد اخرى؛ ففي حين كان عدد المتخرجين من الدورة الاولى ستة تلاميذ فقط، ازداد عدد صفهم سنة 23-1924الى درجة اقتضت تقسيمه الى شعبتين (أ) و (ب). وكان مدير المدرسة في اسنة التي دخلت فيها الثانوية والتي تتها “نظيف اشاوي”، وهو يومذاك ضابط ركن متقاعد، ثم عاد الى الجيش، وتولى بعد ذلك منصب وزير الدفاع لفترة قصصيرة في وزارة المدفعي الخامسة سنة 1941.

وفي سنة دخولي الثانوية (23-1924) استقال شقيقي الاكبر مكي جميل، الذي يكبرني بست سنوات، من سلك التعليم1930 الابتدائي ليدخل طالبا في مدرسة الحقوق ويأتي فيسكن معي ايضا في دار عمنا عبد الجبار. كذلك فعل ابن عمي (عبد العزيز بن عبد الجبار جميل) الذي يكرني بثماني سنوات وهو شقيق علي حيدر. وهكذا سكنت في دار واحدة مجموعة من الشباب ربطتني بهم صلة وثيقة. وكنت اتطلع وبشوق واهتمما الى ما يدور على اسنتهم من احاديث.

عن مذكراته (العراق، شهادة سياسية)