من أوراق حسين جميل في الثلاثينيات.. نشاطنا الشبابي ضد المعاهدة مع بريطانيا

Wednesday 17th of August 2022 11:13:04 PM ,
5245 (عراقيون)
عراقيون ,

إعداد: عمارعبد القادر الزهاوي

محاولة لاغتيال نوري السعيد

في غمرة معارضتنا عقد معاهدة التحالف مع بريطانيا سنة 1930فاتحني احد عناصر «فريقنا «جميل عبد الوهاب باقتراح ان نغتال نوري السعيد، وقال لي ان نوري السعيد يذهب ليلا لزيارة صديق له هو (فلان ذكرى اسمه وقد نسيته) وتقع داره في الحيدرخانة قرب شعبة مدرسة البنات المركزية - والطريق التي يسلكها نوري الى الدار هي طريق العاقولية الى بيوت بيت الالوس ثم الى الزقاق المقابل التي تقع في مدخله دار حسين مكي خماس وعباس فضلي خماس الى الدار المقصودة.

ويمكننا ان نكمن له في محل ما من هذا الطريق الطويل وبعد اطلاق الرصاص عليه نستطيع ان نختفي في زقاق من الازقة الكثيرة في هذه المنطقة. قلت له اننا يجب ان لا نسلك طريق الاغتيال السياسي فهو طريق مسدود لا يؤدي الى نتيجة ايجابية في تحقيق اماني الشعب الطامح الى الاستقلال. وذهاب من نعتقد انه يتعاون مع الاجنبي لا ينهي هذا التعاون حيث يوجد كثير ممن يحلون محل الذي يذهب، اما الطريق المجدي فهو الطريق الشعبي، تنامي قوى الشعب وقيامها بحركة تستطيع ان تفرض حلولها في المجتمع، وقد اقتنع جميل عبد الوهاب براي هذا وعدل عن ماكان يفكر فيه.

كان هذا الحديث معي وحدي ولا اعتقد انه فاتح به احداً من عناصر “الفريق “فان احداً منهم لم يتحدث فيه، ولم يكن موضع بحث.

اول رسالة سياسية اكتبها

بحثنا نحن الشبان المعارضون لسياسة السلطة تجاه بريطانيا الرسائل التي نمارسها في نشاطنا السياسي، فكان من راينا انه يجب ان تكون لها في المستقبل جريدة يومية سياسية، تبشر بدعوتنا وتعبر عن آرائنا في الاحداث الجارية. وحيث كان من شروط المدير المسؤول للجريدة - بموجب احكام قانون المطبوعات النافذ- ان يكون متخرجاً في مدرسة عالية وكنت انا الوحيد من بين «الفريق «اكملت الدراسة العالية وكان الاخرون مازالوا في كلية الحقوق واغلبهم في الصف المنتهي، لذلك كان الراي ان اتقدم انا بطلب امتياز اصدار الجريدة، بعد ان اكمل معاملة تعادل شهادتي من معهد الحقوق في دمشق مع شهادة كلية الحقوق العراقية. والى ان يتم ذلك قررنا اصدار رسائل بحجم صغير في مواضيع دعوتنا السياسية.

وصدرت اول رسالة لي بعنوان “انكلترا في جزيرة العرب “صدرت في اول آب 1930، وكانت مواضيعها “السياسة الانكليزية في الجزيرة “و “انكلترا بين الالحاق والحماية والانتداب الفاظ لمعنى واحد “و “الانكليز خصوم الوحدة العربية “و “معاهدة سايكس بيكو “ و “كيف اغتصب الانكليز الكويت “. وكانت الرسالة في “26 “صفحة ومواضيعها كنت قد كتبتها وانا طالب في الصف المنتهي من معهد الحقوق في دمشق. ونشرت واحداً من مواضيعها في جريدة الشعب في دمشق وموضوعاً اخر نشرته جريدة النداء في بيروت وهذه الجريدة هي لسان حال حزب النداء القومي في لبنان.

كتبنا على هذه الرسالة انها الرسالة الاولى، واعلنا في ظهر غلافها الاخر عن الرسالة الثانية وانها ستكون بعنوان “عدم التعاون “بقلم فائق السامرائي، وعرفنا القارئ بمواضيعها وانها ستضم فصولاً في السياسة السلبية والايجابية، وفشل طريقة المفاوضات في نهضات الشعوب وضرورة مقاطعة المجالس النيابية لانها في البلاد المستعمرة اداة المستعمر. ولم تصدر هذه الرسالة حيث جرى بعد مدة قصيرة توقيفنا ومحاكمتنا والحكم بالحبس على اكثرنا، من الذين اوقفوا وحوكموا فائق السامرائي.

توقيفنا ومحاكمتنا

وكتبنا بياناً طبعناه في مطبعة الاداب ايضاً بشكل منشور يدوي طبعنا منه اربعة الاف نسخة ووزعناه نحن في مناطق بغداد المختلفة، ولم ينتشر في صحيفة ما. انما قراه فائق السامرائي في افادته في المحاكمة التي سياتي الحديث عنها – ونشرته الصحف مع افادة فائق، وكان المقصود من قراءته في المحاكمة ان يسمعه المستمعون في المحكمة وان ينشر في الصحف ضمن اجراءات المحاكمة. وهذا المنشور الثاني كان موضوع المحاكمة. ونصه هو التالي:

«الاضراب العام والاجتماع السياسي والتظاهرات الكبرى

عصر الاثنين المقبل 22 ايلول سنة 1930

من الشباب الى الشعب العراقي العظيم:

انت تقاسي الجوع والعربى والانكليز واتباعهم سبب جوعك وعراك، وهم ينعمون بثروتك وغناك وهم الذين مزقوا قومك وساموك الذل فلهم في كل موطن من مواطننا مظالم، ففلسطين مرهقة يشتت الانكليز ابناءها ويخرجونهم من ديارهم ليسكنوا الصهيونيين الاعداء فيها. وقد ارهقوا ومازالوا يرهقون العرب في انحاء جزيرتك المقدسة، فهذا الفقر وتلك المظالم والمعاهدات الجائرة تدعوك الى الاحزاب العام بعد ظهر الاثنين المقبل، وذلك بتعطيل الاشغال ووسائل النقل وقفل الدكاكين والمحلات التجارية والمقاهي ودور الاعمال عموماً، وان تتظاهر سلمياً.

في 20 أيلول ابلغ المتصرف مقدمي البيان – بواسطة شرطة بغداد بمنع عقد الاجتماع واقامة المظاهرة، فابلغنا الصحف بالمنع ونشرت الخبر. وفي صباح اليوم التالي (21 ايلول) بدأت الشرطة منذ الصباح تقبض علينا وتضعنا في موقف شرطة السراي، وبدأ محققوا الشرطة التحقيق معنا. وبعد ان اجروا التحقيق قدمت الشرطة الاضبارة التحقيقية الى محكمة جزاء بغداد في يوم 24/9 بطلب محاكمتنا ونقلنا من مركز شرطة السراي الى الموقف العام الملحق بسجن بغداد في باب المعظم، اما الموقوفون فهم مقدموا البيان الى المتصرف وانا معهم وكذلك عبد المجيد حسن مدير مطبعة الاداب وثلاثة نسب اليهم توزيع المنشور اليدوي الى الجمهور وهم احمد قاسم راجي وعمر خلوصي الراشدي وسليم زلوف، ولم تستطع الشرطة القبض على عزيز شريف وصادق حبة وهما من الموقعين على البيان الى المتصرف رغم تحرياتها عنهما فقد اختفيا، وعلمت بعد ذلك ان المحل الذي اختفا في عزيز شريف كان مزرعة لابن خالته مالك فتيان االراوي في منطقة سامراء.

نشرت جريدة الزمان (وهي جريدة صدرت بدل جريدة البلاد عندما عطلتها السلطة) نشرت تعريفاً بالموقوفين وقالت عني اني “ليسانس في الحقوق من كلية دمشق ومؤلف رسالة انكلترا في جزيرة العرب.. ومن الكتاب المهتمين بالقضية العربية، وله فيها مقالات بارعة. وقد كان طالباً في كلية الحقوق البغدادية فاخرج منها لاشتراكه في مظاهرة ضد الفرد موند. ونشرت جريدة “بغداد تايمس- الاوقات البغدادية – وهي جريدة تصدر من شركة خاصة باللغتين الانكليزية والعربية وهي جريدة موالية للسلطة البريطانية في بغداد نشرت في قسمها الانكليزي فصلا عن حادثة التوقيف وترجمة للموقوفين.

وبسبب منع المتصرف الاجتماع والمظاهرة قدم فريق اخر متكون من سعيد الحاج ثابت ومحمود الملاح ويوسف رجيب وسعيد عباس السامرائي وصادق كمونة وعبد الكريم محمود وعبد الله البراك طلباً الى المتصرف اشاروا فيه الى قرار المنع وان “الواجب الوطني يحتم موالاة العمل ومواصلة هذه الفكرة، لذلك فهم يعتزمون عقد اجتماع في جامع الحيدر خانة بعد ظهر يوم الجمعة (26/9) والتظاهر الى الباب الشرقي والعودة الى الجامع. وقد منع هذا الاجتماع ايضاً وفي 4/11/1930 قدم الى المتصرف اخبار ثالث بعقد اجتماع عام في يوم 7/11 في الاوبرا العراقية لمناقشة المعاهدة وقعه سعيد الحاج ثابت والمحامي نوري الاورفه لي والمحامي طاهر القيسي والمحامي ابراهيم السعدي ويوسف رجيب وسعيد عباس السامرائي وصادق كمونة وعبد الله البراك وعمر خلوصي وكنت انا من الموقعين عليه وقد منع المتصرف عقده، ونشرت صدى الاستقلال في اليوم التالي شجباً لموقف السلطة بمنعها عقد الاجتماعات العامة.

المعد حفيد الاستاذ حسين جميل