من تاريخ الحركة النيابية في العراق..كيف جرت إنتخابات سنة 1943؟

Sunday 21st of August 2022 11:53:51 PM ,
5247 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. فاضل محمد رضا

ابتدأت دورة مجلس النواب التاسعة بالاجتماع غير الاعتيادي في 12 حزيران 1939 , وبعد ان اتم دورته النيابية كاملة لمدة اربع سنوات صدرت الارادة الملكية ذات العدد (229) في 9 حزيران 1943 نظراً الى أنّ مجلس الأمة وافق بنصابه القانوني في تعديل القانون الأساسي، واستناداً الى المادة التاسعة عشر بعد المئة من القانون الاساسي المشار اليها،صدرت الارادة الملكية بناءً لما عرضه مجلس الوزراء بحلّ المجلس وإجراء انتخابات لمجلس جديد في أثناء المدة المعينة في المادة (40) من القانون الاساسي.

بعد ان صدرت الارادة الملكية بحلّ مجلس النواب في 9 حزيران 1943 اصدرت وزارة الداخلية أوامرها الى متصرفي الألوية للشروع في الاجراءات الاولية لانتخاب المجلس الجديد ضمن المدة القانونية، في اجواء مضطربة بحكم ظروف الحرب العالمية الثانية، وإعلان الاحكام العرفية والقوانين الاستثنائية (كمرسوم صيانة الامن العام وسلامة البلاد) وتردّي الاوضاع الاقتصادية التي أدّت الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية, وتفشّي الأمراض، مما اضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات، فضلاً عن ذلك انعدام الحياة الحزبية بعد ان مُلئت المعتقلات بالسياسيين الوطنيين، وفي مثل هذه الاجواء المليئة بالرعب والجوع والتذمر اجريت انتخابات الدورة العاشرة لمجلس النواب.

وبناءً على الاوامر الصادرة من وزارة الداخلية في الشروع بالانتخابات ابلغت أمانة بغداد مختاري المحلات لاحضار اسماء خمسة اشخاص من وجهاء محلاتهم؛ لغرض انتخاب الهيئة الاختيارية, وبعد ان انتخبت الهيئة الاختيارية بوشر انتخاب الهيئات التفتيشية في بغداد في تموز 1943، إذ دعا امين العاصمة عددا كبيراً من سكان المحلات إلى الحضور في الساعة التاسعة من صباح يوم 8 تموز 1943 لانتخاب الهيئة التفتيشية المشرفة على سير انتخاب النواب الجدد، وحين حضورهم القى أمين العاصمة كلمة بشأن الانتخابات واهميتها ودعا لانتخاب خمسة عشر شخصاً ليصبحوا اعضاء الهيئة التفتيشية، ثم وزعت الاوراق على الحاضرين وبوشر الانتخاب, وبعد الانتهاء فتحت صناديق الانتخاب وصنفت الاصوات فظهر نتيجة الانتخاب فوز الاشخاص الذين رشحهم أمين العاصمة, اصبحوا الهيئة المشرفة على انتخابات النواب لمدينة بغداد، وهذا يتناقض مع طبيعة الانتخاب؛ لأن فوز الاشخاص الذين رشحهم امين العاصمة ينّم عن تدخل السلطة في اهم مرحلة من مراحل الانتخابات, والتي ينبغي للحكومة أن تكون فيها على درجة عالية من الحياد لتضمن سير العملية الانتخابية من التدخل, وبعد الانتهاء من انتخاب الهيئة التفتيشية, وَزّع اعضاؤها على الشعب الانتخابية, فأشرف على الشعبة الاولى عارف حكمت, الشعبة الثانية بهاء الدين النقشبندي, الشعبة الثالثة محمد علي الهاشمي, الشعبة الرابعة منير محمد, الشعبة الخامسة عبد الله لطفي, الشعبة السادسة احمد جمال الدين الكيلاني, الشعبة السابعة عبد الغني الجصاني, الشعبة الثامنة صادق حبة, الشعبة التاسعة محمد ابراهيم عبد العزيز, الشعبة العاشرة عبد اللطيف المدلل, الشعبة الحادية عشرة توفيق الوسواسي, الشعبة الثانية عشرة اسماعيل الاعظمي, والشعبة الثالثة عشرة يوسف حبيب اوفى, والشعبة الرابعة عشرة صالح شكارة, الشعبة الخامسة عشر صادق حبة. ودققت الهيئة التفتيشية في بغداد قوائم اسماء المنتخبين الاوليين وصادقت عليها, ثم اعلنت القوائم في يوم الاثنين المصادف 19 تموز 1943 في الاماكن التي حددتها الهيئة التفتيشية لاطلاع الناخبين عليها على وفق احكام المادة (15) من قانون انتخاب النواب لسنة1924 الذي يقضي ببقائها معلقة لمدة سبعة ايام للاعتراض عليها بمقتضى المادة (16) من القانون.

وبحسب المادة (9) من قانون انتخاب النواب لسنة 1924 تألفت اللجان المحلية لاعداد قوائم المنتخبين الاوليين من الذكور الذين أتمّوا العشرين من أعمارهم لتقديمها الى الهيئة المشرفة في غضون عشرة ايام , ثم ارسلت قوائم المنتخبين الاوليين الى رئيس الادارة, الذي وحد القوائم بسجل لكلّ شعبة وأرسل نسختين من هذه السجلات الاولى الى القائمقام. والثانية للهيئة التفتيشية التي دققت قوائم اسماء المنتخبين الاوليين, وصادقت عليهم.

جرى انتخاب المنتخبين الثانويين في 16 أب 1943 في قضاء بغداد بعد ان حددت المناطق الانتخابية لكل شعبة من الشعب الانتخابية الخمس عشرة، وأعلن اسماء الفائزين عن كل شعبة, وكانت النتائج في محلات السور وطوب قمر الدين والميدان , لصالح نوري السعيد, ومولود مخلص, وتحسين العسكري, وتحسين علي, وفي محلات الفضل – حمام المالح, والسيد عبد الله، فاز حسين النائب, وبهاء الدين النقشبندي, وعلاء الدين النائب, وجميل عبد الوهاب, واحمد عوني, وعبد الله حمودي, وعبد الغني صالح وابراهيم حمدي النائب, اما محلة طاطران ففاز كل من صلاح الدين بابان, وعيسى ابو طبرة, ويوسف اوفى, وصالح قحطان, وكرجي لاوي, جرى انتخاب المنتخبين الثانويين في 17 اب 1943 في محلات البارودية, وتبت الكرد, وقره غول فحاز اكثرية الاراء بهجت زينل, وحبيب العبد, وشاكر القره غولي, ورؤوف الكبيسي, وفي محلات حيدر خانة, وباب آغا, والمهدية, والست هدية, والجوبة حيث جرى انتخاب المنتخبين الثانويين في 18 اب 1943 فحاز اكثرية الاصوات كل من محمود صبحي الدفتري وشفيق نوري السعيدي و كامل الجادرجي ومحي الدين السهروردي وسعيد حقي وجميل المدفعي ومحمود رامز, ويتضح من الاطلاع على أسماء المنتخبين الثانويين ان اغلبهم من النواب والوزراء السابقين او من أعضاء الهيئة التفتيشيه المشرفه على الانتخابات نفسها، مما يعطي مؤشراً على ان الانتخابات كانت تتم في دائره ضيقه ومن طبقة معينه.

وبإقتراب موعد انتخاب النواب للمجلس الجديد بدأت الحكومة إعداد قائمة المرشحين الموالين لها, وهنا تباينت الآراء فكان لوزير الداخلية صالح جبر وجهة نظر خاصة، وكان لرئيس الوزراء وجهة نظر اخرى، في حين كان للوصي وجهة نظر ثالثة تختلف عن رئيس الوزراء ووزير الداخلية، ولمّا أشير الى وزير الداخلية بالتوفيق بين الاراء المختلفة لأنه المسؤول المباشر عن اجراء الانتخابات استدعى الى بغداد متصرفي الالوية للتداول معهم بشأن الانتخابات, ودعم المرشحين الحكوميين على وفق ما يرى, إلا انهم لم يمتثلوا لرأيه وعدوه رأياً شخصياً، مما ادى الى تجميد بعضهم حتى وصل الخلاف بينه وبين متصرف الحلة الى التشهير، وعَدّ متصرف الحلة شفاعة صالح جبر الى احد اليهود وسيلة للطعن به، وهنا شعر صالح جبر بوجود ايادي خفية تحول دون تنفيذ خطته في تسيير الانتخابات، مما اضطر الى تقديم استقالته في 29 ايلول 1943 متمسكاً برأيه في كيفية اجراء الانتخابات، مما حال دون بقائه في منصبه لعدم انسجام رؤيته مع السياسة العليا للبلاط، وخشية ان يؤدي اصراره على موقفه الى وقوع ازمة وزارية على حد قوله. لمّا كان الوصي عبد الاله قد اصبح وضعه الدستوري اقوى مما كان عليه قبل اقرار لائحة تعديل القانون الاساسي، استطاع فرض رأيه في اختيار المرشحين لمجلس النواب، وفي الوقت نفسه اصدر تعليماته الى الوزراء وكبار المسؤولين الاداريين تفضي بعدم ترشيح اقاربهم.

واعترف نوري السعيد بتدخل الحكومة في سير الانتخابات, وفرض المرشحين الموالين لها حينما تحدث في جلسة مجلس النواب رداً على النواب المعارضين له وقال ((المفروض ان في الدولة حكم نيابي ديمقراطي ومجلس مسيطر وحكومة مسؤولة ترتكز على هذا المجلس، متسائلاً: هل نظام الحكم في المملكة يطبق بشكل صحيح؟ مشيراً الى ان نظام الحكم يقضي بإجراء انتخابات في المملكة, وللشعب ان ينتخب من يعتمد عليه ليراقب, ويسيطر على أمور الدولة هذا هو اساس الحكم ولكن بالنظر الى قانون الانتخاب الموجود بإيدينا هل في الامكان - اناشدكم بالله- ان يخرج احد نائباً مهما كانت منزلته في البلاد، ومهما كانت خدماته في الدولة مالم تأت الحكومة وترشحه فإنا أُراهن كل شخص يدّعي بمركزه ووطنيته فليستقيل الآن ويخرج, ونعيد الانتخابات ولاندخله في قائمة الحكومة ونرى هل هذا النائب الرفيع المنزلة الذي وراءه ماوراءه من المؤيدين يستطيع ان يخرج نائباً)).

انتخب النواب في يوم 5 تشرين الأول 1943على وفق الاجراءات التقليدية لفوز قائمة الحكومة وكان معظم النواب الفائزين انتخبوا في المجالس السابقة سوى (26) نائباً جديداً.

صدرت الارادة الملكية بدعوة مجلس الأُمة الى الاجتماع غير الاعتيادي يوم 9 تشرين الأول 1943. افتتح مجلس النواب جلسته الاولى في 9 تشرين الأول 1943، بخطاب العرش الذي اشار فيه الى تعديل القانون الأساسي لما تقتضيه المصلحة العامة، واستناداً إلى المادة (119) من القانون الاساسي حُلّ المجلس السابق بعد ما صادق على التعديل، وانتخب المجلس الجديد الذي سيضطلع بمهمة اقرار القانون الاساسي بحسب الاسس الدستورية، وسيعرض على المجلس لائحة تعديل قانون الانتخاب بما يتماشى والاسس التي بُني عليها الدستور.

وترأس المجلس اكبر الاعضاء سناً النائب احمد حالت – نائب الكوت- للاشراف على أداء النواب اليمين القانونية، وانتخاب ديوان الرئاسة، وانتخب حمدي الباجه جي رئيساً للمجلس, فقد صوت 74 نائباً له من أصل 78، وانتخب رايح العطية – نائب الديوانية- نائباً اول بعد أن حصل على 62 صوتاً من اصل 73، ثم انتخب هبة الله المفتي نائباً ثانياً إذ حصل على 56 صوتاً من أصل 64.

عن رسالة (الانتخابات النيابية في العراق)