كيف تأسست دائرة الحاكم العسكري في 14 تموز 1958؟

Sunday 28th of August 2022 11:49:14 PM ,
5252 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

محسن حسن البديري

يبدو أن منصب الحاكم العسكري العام أو ما يسمى في العهد الملكي بقائد القوات هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإعلان الأحكام العرفية. حيث انه لابد من تعيين قائد للقوات في المناطق التي يعلن فيها الأحكام العرفية فيها والذي اقره القانون العراقي وفي حالة رفع الأحكام العرفية فأنه لا تكون هناك حاجة إلى هذا المنصب أو استمرار العمل فيه.

وبعد قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق أقدمت القيادة الجديدة على إعلان الأحكام العرفية بالبيان ذي الرقم (3). وفي جميع أنحاء العراق اعتباراً من يوم 14 تموز والى حين صدور آمر بإلغائها. وقد اجمع قادة الثورة والضباط الأحرار على إسناد منصب الحاكم العسكري العام، وفي جميع أنحاء العراق إلى رئيس أركان الجيش العميد الركن أحمد صالح العبدي. بموجب بيان مجلس السيادة المرقم (3) في 14 تموز 1958. لما كان يتمتع به من سمعة طيبة بين الضباط والجنود وكذلك للخبرة العالية في الشؤون العسكرية والإدارية. وكان مقر الحاكم العسكري العام جزء من بناية وزارة الدفاع والتي تقع في منطقة (باب المعظم حالياً). حيث ضمت دائرة الحاكم العسكري العام كلاً من:

العميد الركن أحمد صالح العبدي – الحاكم العسكري العام.

العقيد الركن سعدون المدفعي – ضابط ركن الحاكم العسكري العام.

المقدم الحقوقي مدحت الحسيني المشاور القانوني للحاكم العسكري العام.

مقدم الشرطة طه الشيخلي – ممثل الشرطة العامة في مقر الحاكم العسكري العام وكان له ارتباط بين وزارة الداخلية ودائرة الحاكم العسكري العام.

الرائد الركن عدنان أيوب صبري – مسؤول التعيينات.

النقيب شاكر محمود المختار – مسؤول السفر (السفارات العراقية في الخارج والملحقيات).

الملازم ثانٍ سامي عزاره آل معجون – المشاور العدلي للحاكم العسكري العام.

فضلا عن مجموعة من نواب الضباط والمراتب بنحو عشرة أشخاص، مع موظف مدني واحد وهولاء مسؤولون عن إدارة القلم السري لدائرة الحاكم العسكري العام ويكون ارتباطهم بالحاكم العسكري العام مباشرة.

هذا فضلا عن ارتباط بعض الدوائر وتنسيقها للعمل مع دائرة الحاكم العسكري العام ومنها:

جهاز الأمن العام ومديره العقيد عبد المجيد جليل.

جهاز الاستخبارات العسكرية ومديره العقيد محسن الرفيعي.(كان مدير جهاز الاستخبارات العسكرية بعد ثورة 14 تموز 1958 العقيد رفعت الحاج سري حتى 19 نيسان 1959. ومن ثم اصبح مدير التخطيط العسكري العقيد طه الشيخ أحمد ومن ثم اعقبه العقيد محسن الرفيعي عام 1960 حتى 8 شباط 1963).

وكان جهاز الاستخبارات له ارتباطا بوزير الدفاع ورئيس أركان الجيش. وبما أن أحمد صالح العبدي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش والحاكم العسكري في آن واحد فقد جاء هذا الارتباط بدائرة الحاكم العسكري العام. ومن الجدير بالذكر أن هيكلية دائرة الحاكم العسكري العام وتشكيلاتها وتحديد المناصب والرتب العسكرية فيها تم تحديدها في نهاية عام 1959 واستمرت على هذا التشكيل حتى نهاية حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963.

أما البناية التي خصصت لدائرة الحاكم العسكري العام فكانت من ضمن مباني وزارة الدفاع فقد كانت تحتوي على أربعة غرف فقط. الأولى خصصت للحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي وهي غرفة بسيطة كان من ضمن محتوياتها مكتب وثلاثة كراسي مع سرير للنوم يستخدم عند مبيت الحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي في دائرته. وخزانة عدد (2) لحفظ الملفات المهمة الخاصة للدائرة وجهزت الغرفة بهاتف ومروحة سقفية وفانوس نفطي يستعان به في حالة انقطاع التيار الكهربائي.

وبجوار غرفة الحاكم العسكري العام غرفة ضابط ركن الحاكم العسكري العام سعدون المدفعي الذي كان معاوناً له، ويحل محله في أثناء غياب الحاكم العسكري العام وفي حالة عدم تواجده في دائرته. أما الغرفة الثالثة فخصصت للمشاور القانوني والذي شغلها المقدم الحقوقي مدحت الحسيني والملازم الثاني سامي عزاره آل معجون المشاور العدلي حيث تصاغ فيها القوانين الصادرة من دائرة الحاكم العسكري العام، ومن ثم عرضها على الحاكم العسكري العام احمد صالح العبدي لتعديلها أو المصادقة عليها قبل صدورها، وكانت الغرفة الأخيرة قد خصصت للضباط الآخرين واحتوت على ثلاثة مكاتب الأول لمقدم الشرطة طه الشيخلي ومهامه تنسيق العمل بين مدير شرطة بغداد العام التابع لوزارة الداخلية وبين دائرة الحاكم العسكري العام والمكتب الثاني للرائد الركن عدنان أيوب صبري حيث كان مسؤولاً عن التعيينات في الدوائر الحكومية المدنية. ومكتب للنقيب شاكر محمود المختار والذي كان مسئوولاً عن سفر المواطنين العراقيين المرضى إلى خارج البلاد للعلاج, وينسق بين دائرة الحاكم العسكري العام والملحقيات العراقية في الدول الأخرى. وقد يكلف هؤلاء الضباط بواجبات إضافية فضلا عن مهامهم الأصلية عند الحاجة. أما مكتب القلم السري فكان يضم موظفاً مدنياً (كاتباً) وعشرة عسكريين برتبة نائب ضابط ومهامهم محصورة في الأمور الكتابية ومتابعة البريد الوارد والصادر لما يخص دائرة الحاكم العسكري العام، فضلا عن الأمور الإدارية الأخرى.

ويذكر الملازم الثاني (آنذاك) سامي عزاره آل معجون. وهو أحد ضباط دائرة الحاكم العسكري العام أن أعضاء القلم السري لم تخصص لهم غرفة خاصة بهم لذا شغلوا الشرفة (الطارمة) للبناية المذكورة وحولوها إلى مكتب لانجاز أعمالهم. وكان عليهم حفظ الملفات والأضابير المهمة في الخزانات الموجودة في غرفة الحاكم العسكري العام. أما مدة العمل في دائرة الحاكم العسكري العام تصل في بعض الأيام إلى ست عشرة ساعة في اليوم الواحد. وكانت مخصصات الضباط بما فيهم الحاكم العسكري العام التي كانت تصرف لهم فهي محددة بـ (550 فلس) شهرياً وكانت لا تكفي لإطعامهم.

أما علاقة الحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي بمرؤوسيه من الضباط والمراتب على حد سواء فكانت طيبة جداً كما يذكر سامي عزارة آل معجون وكان يتعامل بروح أخوية واحترام يشمل الجميع وإذا حصل خطأٌ في العمل أو في صياغة البيانات فأنه كان لا يتذمر اطلاقاً بل يقوم بتعديله معتمداً على خبرته الطويلة في المجال العسكري والقانوني.

ظلت صلاحيات الحاكم العسكري العام في العهد الجمهوري الأول معتمدة على القوانين التي تضمنها الدستور العراقي في العهد الملكي. والتي لم تُلغَ، لكن جرى عليها بعض التعديلات الطفيفة، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها استمرار الأحكام العرفية والعمل بها طيلة فترة حكم عبد الكريم قاسم منذ 14 تموز 1958 ولغاية 8 شباط 1963. وكذلك عدم صدور قانون خاص يحدد صلاحيات الحاكم العسكري العام في الدستور العراقي المؤقت، واعتماد الزعيم عبد الكريم قاسم على إعداد قليلة من الضباط والوزراء في تسيير شؤون الدولة، وكان من أبرزهم الحاكم العسكري العام ورئيس أركان الجيش أحمد صالح العبدي، لأنه كان من الضباط الأوفياء والمخلصين له، خصوصاً بعد الصراع الذي بدأ يظهر بين كل من القوميين والشيوعيين للهيمنة على السلطة.

دفعت هذه الأسباب مجتمعة، الزعيم عبد الكريم قاسم للسيطرة على الحكم من خلال الاعتماد على دائرة الحاكم العسكري العام بشخص رئيسها أحمد صالح العبدي لمساندته في تلك الفترة. لا سيما تمتع منصب الحاكم العسكري العام بصلاحيات واسعة في العهد الملكي على الرغم من أن إعلان الأحكام العرفية لم تكن سوى تدبير استثنائي تلجأ إليه السلطة التنفيذية عند الضرورة القصوى وفي الظروف الاستثنائية لحمايتها، وحلول السلطة العسكرية في تسيير دفة الحياة المدنية مباشرة، لذلك يمكن القول أن الحكم كان عسكرياً بامتياز.

أحمد صالح العبدي

ونشاطه العسكري والسياسي