في ذكرى وفاة إمين الريحاني في13 ايلول 1940..عباس العزاوي يكتب عن الريحاني في نص نادر

Monday 12th of September 2022 12:28:07 AM ,
5262 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

سليمان الحديثي

عباس العزاوي أحد مؤرخي العراق الكبار في العصر الحديث، ولكتبه أهمية كبيرة، خصوصا أن كثيرا منها تطرق إلى مواضيع لم يسبقه أحد إلى التأليف فيها، بالشمولية التي نجدها عند العزاوي، ومن بين هذه الكتب «تاريخ العراق بين احتلالين»، الذي يقع في عدة مجلدات، و»عشائر العراق» في أربعة مجلدات. #2# وهذان الكتابان يدلان على ما للرجل من باع طويلة في معرفة التواريخ والأنساب.

وقد ولد عباس بن محمد بن ثامر العزاوي سنة 1307هـ، وتوفي سنة 1391هـ، ونشأ عاشقا للعلم والمعرفة، ورغم أن تخصصه وعمله في مجال المحاماة، إلا أن نبوغه وبروزه كان في مجال التاريخ والأنساب والأدب. وكان على صلة كبيرة بعلماء وأدباء العالم العربي، وغيرهم من المستشرقين. ويمتلك العزاوي مكتبة ضخمة مليئة بنوادر الكتب والمخطوطات، من يطلع على فهارسها يعرف مدى أهمية هذه المكتبة. ابن خميس والعزاوي والمخطوطة المفقودة وقد حدثني أشياخي ممن عرفوه والتقوا به ببعض أخباره. وأخبرني الشيخ عبد الله بن خميس ـــ رحمه الله ـــ أنه زار العراق في إحدى المناسبات ودعاه العزاوي إلى بيته، ودار الحديث بينهما عن تاريخ نجد، والحملة التي قادها إبراهيم باشا لإسقاط الدولة السعودية الأولى، فقال العزاوي لابن خميس “إن لدي مخطوطة مهمة عن تاريخ نجد ألفها أحد الأشخاص الذين كانوا في حملة إبراهيم باشا”. #3# يقول ابن خميس “فتشوقت إلى رؤيتها وطلبت منه أن يطلعني على ذلك، فنادى ابنه وقال له خذ الشيخ عبد الله بن خميس إلى المكتبة، وافتح الخزانة الفلانية وأعطه المخطوطة الفلانية يطلع عليها لمدة خمس دقائق”. قال ابن خميس “فاطلعت عليها على عجالة ورأيت فيها معلومات مهمة ووصفا دقيقا لمدينة الدرعية. ولم تمض الدقائق الخمس حتى سحب ابنه مني الكتاب وأقفل الخزانة، وعدنا إلى الصالون. فتكلمت مع عباس العزاوي وطلبت منه أن يعيرها لي أو يصورها أو يبيعها ولكنه رفض، ولم تفلح معه جميع محاولاتي، وعدت بعدها إلى السعودية وقابلت وزير المعارف الشيخ حسن آل الشيخ وأخبرته بالمخطوطة وأهميتها وحرص الوزير على أمرها. ولم تمض مدة طويلة حتى توفي العزاوي وحاول بعض المهتمين الاستفسار عن المخطوطة من ورثته، لكنهم أفادوا بأنهم لا يعرفون عنها شيئا”. #6# هذا ما ذكره لي الشيخ عبد الله بن خميس قبل 20 عاما عن المخطوطة، حدثني وهو يتحسر على عدم استطاعتنا الحصول على مخطوطة تتعلق بتاريخنا وتراثنا، ويتحسر خشية ضياعها، وكم ضاعت مخطوطات بسبب بخل مالكيها بها، وجهل ورثتهم بأهميتها. والعزاوي يهتم كثيرا بتاريخ نجد وأنساب أسرها وقبائلها، وله اطلاع جيد على أحوالهم، وعشق لتاريخهم، هذا العشق دعاه إلى تأليف كتاب عن تاريخ نجد، وهذا الكتاب لا يزال مخطوطاً، وسأعرض محتويات الكتاب وبعض ما ورد فيها. الكتاب أحب أن أنبه في البداية إلى أن الكتاب لم يؤلف بشكل نهائي، إنما هو مسودة لم تكتمل، فقد وضع المؤلف الفصول الأساسية للكتاب، وكتب بعضها، كما نقل معلومات من مصادر أخرى ليستفيد منها عند كتابة مؤلفه بصورته النهائية، وكذلك نقل في صفحات متفرقة مجموعة معلومات من رواة التقاهم وتركها دون أن يضعها في إطارها الصحيح، أضف إلى ذلك أنه ترجم فصولا من مؤلفات أخرى، فقد لاحظت خلال تصفحي المخطوطة صفحات متتالية مترجمة من كتاب ألفه بالتركية حسن حسني عن أحوال نجد وطبع هذا الكتاب سنة 1328هـ، وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية الدكتور سهيل صابان قبل عدة سنوات. ولم يتنبه بعض الباحثين إلى أن العزاوي يترجم كلام حسن حسني، وظن الكلام للعزاوي فنسبه إليه، لذلك وجب التنويه. #4# وقد جاءت مجموعة من معلومات الكتاب مكررة، ويبدو أنه تركها حتى يقارن بينها في وقت لاحق ويختار الصحيح ويضعه في مبيضة الكتاب النهائية. يبدأ الكتاب بمقدمة تتحدث عن الصلة بين العراق ونجد، ثم يذكر البحوث التي سيتناولها في كتابه هذا وهي 24 بحثا, ومنها: 1 - عشائر نجد وعلاقتها بالعراق قبل الإسلام. 2 - الحكم الإسلامي الأول واشتراك عشائر نجد في فتوحه، واستمرارها في الميل إلى العراق. 3 - الحكم الأموي والعباسي. 4 - حكم بني الأخيضر. 5 - القرامطة. 6 - الحرب العالمية الأولى. 7 - احتلال العراق على يد الإنجليز. 8 - خلاصة وإجمال، الأدب العربي، وأدب اللهجات «الأدب النبطي». نقد لاذع واتهامات للريحاني وبعد أن يتحدث العزاوي عن العراق وصلاته بنجد يورد المصادر التي اعتمد عليها، ويفصل الحديث عن كتاب حسن حسني بك، كما يذكر كتاب تاريخ نجد الحديث وملحقاته لأمين الريحاني، وينتقد الكتاب ومؤلفه انتقادا لاذعا، ويتهمه بخدمة أهداف الاستعمار، وكان مما قال عنه: “تاريخ نجد الحديث: تأليف أمين الريحاني، لم يذكر تاريخ طبعه، لكنه ذهب إلى نجد، وهو لم يكتب التاريخ، ولم يحسن الأداء، فهو خال من الوصف العلمي، لكنه اتخذ التاريخ وسيلة لترويج أغراضه الاستعمارية، أو هو إذا صدق الظن كتب للإنجليز.. ويطول بنا الكلام، وإنما نتعرض إلى أغلاطه في مواطنها. والرجل من دعاة الاستعمار ومروجي أهدافه.. فهو من شياطين الإنس.. الرجل كتب لخدمة الأجانب وتقوية مركزهم في الممالك العربية، ولا يترك أمرا أو ذما من أوجه النقد المر إلا أبداه أو اختلقه، من ناحية لا تمس بالممدوحين، وما كتاب قلب العراق، ولا تاريخ نجد.. إلا أمثلة مما يوضح نزعته، وهو مأجور للكتابة... إلخ». #5# وكتاب «قلب العراق» للريحاني أيضا، ورغم حدة النقد عند العزاوي إلا أن كلامه لا يخلو من صواب، والتشكيك في دقة ما كتبه الريحاني في تاريخ نجد، ورد في وثيقة بخط الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع، يذكر فيها أنه سمع الملك عبدالعزيز في مكة ينتقد فعل الريحاني، ويقول “إنه نسب إلي أشياء لم أقلها، وقلت له أشياء لم يذكرها”. أما ما اتهمه به العزاوي من خدمة الاستعمار، فقد كتبت إحدى المجلات تحقيقا مطولا حول هذا الموضوع، وهل كان الريحاني جاسوسا ؟

عن جريدة ( الإقتصادية )