طارق الربيعي في الذاكرة

Wednesday 5th of October 2022 11:41:48 PM ,
5278 (عراقيون) (نسخة الكترونية)
عراقيون ,

خالد جبر

وهو يقوم باعداد تقرير عن الذكرى (56) لتأسيس التلفزيون العراقي,وفي داخل قناة العراقية,فاجأني الزميل سعدي غزالة بسؤال: عن افضل برنامج كان يعرض في بواكير التلفزيون العراقي,فوجدت نفسي اقول بلا تردد انه برنامج (قرقوز)..فهو اضافة لبرنامج الرياضة في اسبوع للزميل العزيز مؤيد البدري وبرنامج العلم للجميع للاستاذ المرحوم كامل الدباغ قد يكون الفسحة الاكثر تفردا وامتاعا في تاريخ التلفزيون العراقي الطويل..ولن يقلل من اهميته جهل الجيل الجديد به وبالجهود التي كانت تبذل في سبيل اخراجه..

فبرنامج (قرقوز) من اعداد وتقديم الفنان طارق الربيعي والفنان انور حيران وكان يقدم الساعة السادسة عصراً من كل يوم خميس عبر تلفزيون بغداد في اوائل الستينيات وتحديدا في العام 1960,وفقرات البرنامج كانت ممتعة وشيقة حيث نرى الدمى المتحركة الراقصة وشخصية ابو شنيور ضمن اطار مبدع خلاب يهدف الى القاء الضوء على مشاكل وجزئيات الحياة اليومية البغدادية من خلال كلمات الاغاني الساخرة وتحريك الدمى والموسيقى والغناء بصوت انور حيران والفنان الرائع ابو زياد الفنان طارق الربيعي،وكان يشغل مساحة واسعة من اهتماماتنا كنا صغاراً ونحن نتابع اسبوعياً هذا البرنامج الناجح من مقهى الطرف. في عام 1985 عندما التحقت بالتلفزيون لتقديم برنامج المرسم الصغير التقيت مع طارق الربيعي وانور حيران ولكن ليس من خلال البرنامج الشهير (قرقوز) فقد اختفى من الشاشة كليا، وتم الاستعاضة عنه ببرنامج عن الاطفال خلال الفترة الصباحية والعطلة المدرسية والذي كان باشراف المخرج المرحوم طارق الحمداني، وازداد تعلقي بالفنان طارق الربيعي حيث وجدته فنانا رائعاً يحب عمله بكل اخلاص وتكررت لقاءاتي معه في بعض الحفلات التي تقام للاطفال,وما زلت اذكر مشاهدته وهو يقوم بتحريك ثلاث شخصيات من الدمى في حركات راقصة مع تأدية كل الاصوات التراثية التي كان يجيدها وبتمكن عال وبكل انواعها والوانها ومقاماتها حتى تفوق بطبقة صوته على المطرب الكبير الراحل ناظم الغزالي مما اثار اعجاب وتصفيق الحضور.

استمرت علاقتي بهذا الفنان الكبير ورفيق دربه العزيز انور حيران الذي غادر هذه الحياة ليترك طارق الربيعي وحيداً بعد ان اودع رموزه وشخصياته الشعبية من الدمى في صندوق خشبي مغلق ليرميها في نهر دجلة كاعلان عن نهاية حقبة الـ(قرقوز) وهكذا اسدل الستار عن البرنامج الاكثر شهرة والذي استمر لخمسة عشر عاما بدعوى ان الدمى شعبية لا تتناسب مع عقلية وثقافة الطفل المعاصر..

في عام 2001 التقيت بالصدفة مع الفنان طارق الربيعي وقبلني واحتضنني وبكى وقال: ابا وليد لقد اذلني الزمن فقد تركني الفن وتركته وتحولت الآن الى عامل في معمل جبس ومد يديه لاجدها مخدشة ومحروقة وهي تلك الايدي والأنامل التي كانت تقدم اروع الاعمال التي نشأ عليها جيل كامل من الاطفال ودرست فن تحريك الدمى في فرقة صلاح جاهين وسيد مكاوي اللذين قدما اوبريت الليلة الكبيرة..هكذا ودعني وعينيه تملؤها الدموع على الايام التي مضت من عمره وحزنت كثيرا على هذا الفنان المبدع والذي انقطعت اخباره عني منذ ذلك الوقت ولحد الآن.