من تاريخ الحياة النيابية في العراق..أزمة نيابية تسقط وزارة عبد المحسن السعدون

Sunday 16th of October 2022 11:18:59 PM ,
5285 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. عكاب يوسف الركابي

حضر، حكمت سليمان، مناقشات مجلس النواب للمعاهدة والتي بدأت في يوم 18 كانون الثاني 1926، بصفته وزيراً للداخلية في وزارة عبد المحسن السعدون، وبعد ان أعلن رئيس المجلس، رشيد عالي الكيلاني، وجوب إحالة المعاهدة الى لجنة الادارة والسياسة لمناقشتها ووضع تقرير عنها،

قدم نائبان من حزب التقدم هما، محمد سعيد العبد الواحد، نائب البصرة، ونافع الملاك، نائب الديوانية، إقتراحاً خطياً طلبا فيه، مناقشة المعاهدة فوراً وبدون احالتها الى لجنة برلمانية وفق المادة (40) من نظام المجلس الداخلي، وعلى اساس انها استمرار للمعاهدة الاولى لسنة 1922، وليس فيها من جديد، باستثناء ما تعلق بتعديل احكام الاتفاقات، وقد وزعت على النواب قبل يومين واطلعوا عليها فاعترض نواب حزب الشعب على النظر في العاهدة بطريقة الاستعجال، لان قرار عصبة الامم، اعطى مهلة أمدها 6 أشهر لعقد المعاهدة، فأجاب رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون ان (42) نائباً من حزب التقدم (حزب الحكومة) طالبوا بان تأخذ مناقشة المعاهدة، طريقها حالا ً في المجلس ومن دون ان تعرض على لجنة لدراستها، وان بريطانيا تنتظر قرار المجلس فيها، قبل اليوم الثاني من شهر شباط، وناشد النواب ان يأخذوا بنظر الاعتبار مصالح البلاد، الا ان المعارضة لم تر ما يبرر الاستعجال، فطلب السعدون من رئيس المجلس النيابي رشيد عالي الكيلاني، ان تجري المناقشة، على المعاهدة، بصورة سرية على اساس انها مهمة جداً وربما تؤثر بعض خطب النواب على سياسة العراق الخارجية.

واصل المجلس اجتماعه السري لمدة ساعة ونصف، وبعدها أعلن الاجتماع علنياً، فوضع رئيس مجلس النواب المعاهدة بالتصويت، عن طريق سؤال كل نائب، فيما اذا كان موفقاً او غير موافق، فوافق عليها جميع الذين مكثوا لمواصلة الجلسة السرية، وكان عددهم (58) نائباً، صوتوا الى جانب المعاهدة، من اصل (88) نائباً، و (9) غائبين، بضمنهم ثلاثة من حزب المعارضة، اما عدد النواب الذين تركوا المجلس محتجين، فبلغ عددهم (19) نائباً، وكان كرسي واحد شاغراً، بالاضافة الى كرسي رئيس المجلس، وهكذا مّرت المعاهدة.

انتخب حكمت سليمان عضوا ً في مجلس النواب في دورته الاولى التي بدأت في السادس عشر من شهر تموز سنة 1925، وانتهت في الثامن والعشرين من كانون الثاني سنة 1928. وبالنظر الى سمعته في هذا المجال، فقد ترأس اللجنة المالية في مجلس النواب وفي وقت مبكر، وكان ذلك في الدورة الانتخابية الاولى، فضلا ً عن انتخابه، عضوا ً في لجنة اعادة النظر في صياغة قانون انتخاب النواب لسنة 1924.

لم يستمر، حكمت سليمان، في وزارة الداخلية طويلا ً، فعلى اثر خلاف ومشادة كلامية بين رئيس مجلس النواب، رشيد عالي الكيلاني، وبين وزير المالية، صبيح نشأت، في 8 أيار 1926، مما أدى الى أستقالة الكيلاني من منصبه، فأنتخب وزير الداخلية حكمت سليمان، رئيسا ً للمجلس فاستقال من منصبه كوزير للداخلية في 20 أيار 1926، ليتفرغ كليا ً الى هذه الرئاسة.

كان وزير المالية صبيح نشأت يتكلم مع مقرر لجنة مجلس النواب، فطلب منه رشيد عالي الكيلاني عدة مرات، مراعاة النظام، الا ان نشأت، ردّ على طلب الكيلاني، بقوله، انه يحافظ على النظام، ودعا رئيس المجلس الى ان يحافظ على النظام، فعد الكيلاني ذلك اهانته له وغادر قاعة المجلس، وقدم استقالته في 20 آيار 1926، التي أشار فيها الى اهناته من وزير المالية، وبالرغم من اعتذار صبيح نشأت عن فعله امام الملك فيصل الاول ورئيس الوزراء عبد المحسن السعدون، فان الكيلاني، رفض ذلك وأصر على استقالته. ولا يستبعد مؤرخ حياة رشيد عالي الكيلاني، ان تكون ثمة اسباب شخصية وراء استقالة الكيلاني، منها، رفض وزير المالية صبيح نشأت، إحداث أي تغيير في اوضاع الاوقاف القادرية، العائدة الى الكيلاني.

وفي 20 ايار 1926 جاءت النقلة النوعية في الحياة السياسية البرلمانية، لحكمت سليمان، بعد ان تبوأ رئاسة مجلس النواب نتيجة استقالة رشيد عالي الكيلاني

وعلى الرغم من ان المجلس النيابي لم يناقش خلال توليه لرئاسته احداثاً خطيرة، بأستثناء، تصديق المعاهدة البريطانية – العراقية – التركية، في 14 حزيران 1926، نظرا ً لقصر المدة، فضلا ً عن ان، هذه الرئاسة جاءت متزامنة مع نهاية الاجتماع الاعتيادي الاول للدورة النيابية الاولى، والتي انهت جلساتها بعد تصديق تلك المعاهدة، الا ان تلك المدة شهدت صراعا ً سياسيا ً جديدا ً، تمثل بالانشقاق الذي حصل بين اعضاء حزب التقدم، الامر الذي خدم مصلحته اذ رُشح لرئاسة المجلس في دورته الجديدة، وكان سبب الانشقاق هو خروج رشيد عالي الكيلاني عن ذلك الحزب، وكان الوضع حرجا ً نظرا ً للمرحلة الدقيقة من العلاقة بين الملك فيصل الاول وعبد المحسن السعدون، رئيس حزب التقدم، في ظل التقارب بين الملك ورشيد عالي الكيلاني والذي وصل الى ذروته من اجل تحجيم نفوذ عبد المحسن السعدون وحزبه، الامر الذي عبر عنه توفيق السويدي بقوله ((أصبح رشيد والبلاط في موضع والسعدون وحكمت في موضع آخر فتصادمت القوى في انتخاب رئيس مجلس النواب.

أعيد انتخاب رئيس مجلس النواب على أثر افتتاح جلسات المجلس،في اجتماعه الاعتيادي الثاني من دورته الانتخابية الاولى في الاول من تشرين الثاني سنة 1926، في انتخاب ذلك اليوم، فاز مرشح المعارضة، رشيد عالي الكيلاني، على مرشح، الحكومة حكمت سليمان، في تداخل عجيب تحول الى سمة من سمات الحياة السياسية في عهد الملك فيصل الاول، مما انعكس بقوة على طبيعة المعارضة النيابية واساليب عملها.

حصل الكيلاني على (43) ثلاثة وأربعين صوتاً من أصل (79) تسعة وسبعين صوتاً وهو عدد النواب الذين حضروا الجلسة، وحصل حكمت سليمان على (33) ثلاثة وثلاثين صوتاً وبقيت ثلاث أوراق بيضاء، بينما وقفت المعارضة دون استثناء الى جانب مرشحها.

كان ذلك، ضربة سياسية قوية وجهت الى، عبد المحسن السعدون، الذي حاول تفادي اثارها عن طريق حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة، الا ان الملك لم يستجب لطلبه هذا، فقدم استقالة حكومته، في مساء اليوم نفسه لافتتاح المجلس النيابي، على أساس ان حكومته لم تعد تتمتع بمساندة الأكثرية داخل المجلس النيابي.

((حكمت سليمان ودوره في السياسة العراقية حتى العام 1964 – دراسة تاريخية))