واحة غروب بهاء طاهر

Wednesday 2nd of November 2022 12:48:37 AM ,
5297 (منارات) (نسخة الكترونية)
منارات ,

سامي كمال الدين

وصفه يوسف إدريس بأنه كاتب لا يستعير أصابع غيره.. وهو قول راصد بشكل دقيق لتجربة الأديب الذي رحل أمس الأول «بهاء طاهر».

عرفت بهاء طاهر في بواكير حياتي، اقتربت منه إنسانيًا بعد عودته إلى مصر بعد تغريبة طويلة استمرت 15 عامًا، حيث ترك مصر عام 1975 بسبب اتهامه ب «الشيوعية» لم يكن شيوعيًا ولم تكن تهمة، لكن يوسف السباعي الأديب الشهير، كان وزيرًا للثقافة وكان بهاء طاهر يعمل في إذاعة «البرنامج الثاني» وأصدر يوسف السباعي قرارًا بتطهير الإذاعة من الشيوعيين.. يقول بهاء طاهر في كتاب «السيرة في المنفي» الصادر عن «دار أجيال» وهو حوار ممتد معه: «طارت أنباء تخليص الإذاعة من الشيوعيين، وكان واضحًا أنهم قلبوا الدنيا، ولم يجدوا غيري، الغريب هو استبعاد اسمي فقط من الإذاعة، غريب في وقتها، لأن الشيوعيين كانوا يملؤون أروقة الإذاعة، وعندما أُبلغت أني الوحيد الذي أهدِرَ دمه في الإذاعة، توقفت طويلًا، تأملت هذا الاستنفار العدائي تجاهي بدهشة، لم أكن أعرف أني شيوعي إلا عن طريق هذا القرار».

كان السباعي وبهاء طاهر صديقين «تذكرت أني منذ أيام جالسته، ومازحني، وأثنى عليَّ ثناءَ الصداقة، وعلى ما أكتب، ولم يتطرق للأمر لا مِن قريب ولا مِن بعيد، ما أمكر رجال السلطة، ولو كانوا من أصدقائنا ».

مُنع بهاء طاهر من الكتابة في مصر منذ عام 1975 وحتى 1983 لكن ذلك لم يمنعه من تقديم أعمال عظيمة أثْرَتْ الإنسانية، وحققت مكانتها الأدبية المرموقة مثل «الخطوبة» و «خالتي صفية والدير» و»شرق النخيل» و»الحب في المنفى» و»أنا الملك جئت» و»ذهبت إلى شلال» و»واحة الغروب» وهناك الترجمات لأعمال بديعة مثل ترجمته رواية باولو كويليو «ساحر الصحراء» الصادرة في طبعتها الأولى عن دار الهلال، وله «أبناء رفاعة.. الثقافة والحرية» و»في مديح الرواية» كما ترجم عدة مسرحيات عالمية.

لم أر بهاء طاهر إلا مبتسمًا مقبلًا على الحياة مستمتعًا بها وبعمره فيها، لكن الغربة ظلت ساكنة في ذاكرته وروحه «كلنا في نهاية الأمر مجرد طيور تهاجر من وطن لآخر بغير استقرار، كلنا هذا الطائر، ننتظر أن يبادلنا أحد الاهتمام والرعاية، إنما تمر أعمارنا ولا يحاصرنا غير ضباب المنافي».

في مقدمته للكتاب يرى الناقد د. وائل النجمي أن الغربة شيء أساسيّ ومحوري في مسيرة «بهاء طاهر» لكن «تستمر السيرة الذاتية في كشف كيفية تعامله مع الغربة من منظور أنطولوجي، حاول خلاله أن يجد منفذًا لسلامة الروح الإنسانية في مجملها، طالما أنه غير قادر على إنقاذ الروح الإنسانية في مجملها، فليكن مبتغاه النظر لمجمل حياة البشر، لكنه وجد أن الفجيعة تأتي دائمًا من العنصرية، ومن العنف والكيل بمكيالين، وهذه الصفات الذميمة للأسف هي الرابط بين الشرق والغرب.

فالشرق يمارسها تجاه الفئات المُستضعفة بداخله، ويمارسها الغرب أيضًا تجاه الشرق من خلال الاستعمار والهيمنة».

الطفولة حاضرة دائمًا لدى بهاء طاهر، من حكايات أمه عن قريتها «الكَرْنك» في الأقصر جنوب مصر، ومن «سندس» الحلبية التي تمر على البيوت لتبيع للنساء الأقمشة، ووقع بهاء في حبها «أحببت سندس هذا الحب الذي لا يمكن نسيانه، يظل وافرًا وبهيًا داخل أرواحنا بعبق زمنه، كأنه نشأة مفهوم المشاعر، أو كأنه بداية لخلق إنسان من جديد، يمدّنا بالحنين إلى تلك الأيام دومًا».

كتب بهاء قصة باسم «سندس» في مجموعة «بالأمس حلمت بك»، لكنها لم تكن قصته معها!

تحكي له أمه عن الأرض التي ورثوها في الصعيد، وتقول له الأرض يا ولدي تنسَى صاحبَها إذا هجرَها.

تبرع بما تبقى من هذه الأرض لإقامة قصر ثقافة في «الأقصر» حمل اسمه «قصر ثقافة بهاء طاهر» ويراه التكريم الأعظم الذي حصل عليه في حياته.

عندما حدثت ثورة 25 يناير 2011 كان بهاء طاهر مع الثورة منذ لحظتها الأولى، بل وقام برد جائزة مبارك للآداب التي حصل عليها «والآن وقد أهدر نظام مبارك دماء المصريين الطاهرة، فإنني أرد هذه الجائزة بكل راحة وضمير».

عاش بهاء طاهر مؤمنًا بالقيمة ومحافظًا عليها، لذا أصبح قيمة باقية في حد ذاته رغم رحيله.

عن الراية القطرية