الخبير فيصل الياسري

Wednesday 2nd of November 2022 09:38:14 PM ,
5298 (عراقيون)
عراقيون ,

د. سالم شدهان غبن

قد لا اضيف شيئا ان تحدثت عن الاستاذ فيصل الياسري لكني سأحاول مغازلته كأي تلميذ يغازل احد اساتذته المحترمين, علما اني لم التقي به سوى مرتين لكني تواصلت مع ابداعاته منذ حبي الاول لعالم الفن الجميل.

قيل الكثير عن هذا الرجل بعضه مسيء والاخر مضيء لكني لا استطيع ان اذكر اسمه دون ان اقول –استاذ-,لانه استاذ في كل شيء.المخرج وكاتب السيناريو والشاعر والروائي والقاص والاداري ومقدم البرامج والمؤلف والمترجم وووو..صفات عديد تفوّق فيها جميعا فكيف يكون الاستاذ؟!.يكفيه انه كان كبير المخرجين لافتح ياسمسم ليكون استاذا ,البرنامج الدرامي المأخوذ من (شارع السمسم) الامريكي الذي تم حذف واضافة بعض الاشياء منه ليلائم البيئة العربية بثلاثة اجزاء 130 حلقة ثم 180 حلقة ثم 130 حلقة وعرض في جميع المحطات العربية بكلفة بلغت انذاك(1977) مبلغ (20) مليون دولار.

وهو البرنامج التي اقتبسته اكثر من (14) دولة وصنعته بطريقتها الخاصة.ويكفيه انه صنع واحدا من اهم واشهرالبرامج في تلفزيونات العالم وهو برنامج (الملف) الذي تم وصف الياسري بسببه باوصاف سلبية كثيرة, اذ اعتبره البعض رسالة ضد الانتفاضة وماحدث ابان قيامها وبعدها, وقال الرئيس الامريكي بوش اثناء حديث له بان الياسري وبرنامج الملف احد اسباب بقاء صدام حسين بالحكم.هكذا اذن تم رسم صورة ملامحها مريبة لهذا الصانع الكبير. فملفه المبرمج قمّة في الاثارة, وعلمّية في البناء,وروعة في الصنعة ,وعرض لحقائق مذهلة كان ينتظرها العراقي ليفهم ماذا حدث وكيف.وانا هنا لا امتحدح البرنامج من حيث المضمون بل اني اناقشالشكل وكيف تم صناعته ,كما اني الامس المضمون وكيف تم طرحه لكي يكون بهذه القيمة التي كان ينتظرها العراقيون من صدام حسين الى اصغر مواطن عراقي لما فيه من شد واثارة وبناء درامي يتبارى فيه اللقاء (غالبا مايكون وزيرا او مسؤول كبير) مع الارشيف والصور الوثائقية المثيرة للجدل.هو سيناريو محبوك ومرسوم بدقة متناهية يقدمه رجل خبير يعرف كيف يتحدث ,بل كيف يتلفظ المفردة ,متى يكون ايقاع حديثه سريعا ومتى بطيئا وو..,

متى ينظر للكاميرا حيث ينتظر المتلقي ضوء عيني الياسري وطريقة النظر,متى يشيح بعينيه نحو الضيف أو المادة الوثائقية.وديكور الاستديو الذي يشبه مكتبا متكاملا بكل التفاصيل من اصغرها الى اكبرها.كل شيء محسوب ومرسوم بدقة متناهية.الاسئلة مكتوبة مثلما يريد المتلقي وترضي فضوله.واكرر لايهمني ماذا قدّم الملف لكن مايهمني هو كيف تم التقديم ,وماذا عرض البرنامج وكيف تحوّل البرنامج الى مايشبه الحكاية التي تم سردها طوال (53) حلقة تلفزيونية بساعة لكل حلقة, تواصل معها الذي يكره مع المحب المتعطّش لمعرفة ما الذي حدث للحياة المدنية في العراق ,وهل هذا الدمار الذي حدث للعراق يستحق الدخول الى الكويت؟ وماذا حقق العراق من كل ذلك..واسئلة اخرى قد لاتقنع البعض لكنها اسئلة مطروحة امام المتلقي وعليه ان يكتشف الصدق من الكذب ,الخسارة من الربح ,والدمار الكبير الذي اصاب البنية التحتية للعراق,وبنية المجتمع والروح العراقية التي كانت تتنفس الرماد والبارود.الياسري كان ومازال رجلا واقعيا يتناول مايكلّفه به المسؤول بمنتهى الاحترافية لانه صانع اعلامي متميز ويمتلك من العلمية والخبرة مايجعله مطلوبا لكثير من المشاريع الاعلامية التي يريد اصحابها ان ينتصروا حتى على ذواتهم.لم يكن الياسري صانعا اعلاميا فقط بل كان صانعا للاعلاميين ,المخرجين ,الكتّاب,الممثليين,الكادر الفني المتطوّر ,مقدّمي البرامج,المراسلين,

وكان يمنح تلامذته وزملائه بسخاء قلّ مثيله في العراق.هو من دعي لبناء الفضائية العراقية قبل التغيير اذ قام حينها ببناء كادر اعلامي متميز تدرّب بطريقة ممتازة وتمرّس طويلا قبل بدء البث واستلمها بعده من اعتاش على شذرات من خطوات الياسري العلمية.الياسريالخبير والباحث الذي لايترك فكرة او جملة دون ان يبحث بها ويختزل منها مايجده فائضا عن الحاجة ولا يحمل بلاغة لضرورة حضوره المكان, فيستبدله باخر, يجيب عن كل الاسئلة بجمال ليس له حدود ,هذا ماتجده في برامجه الحوارية وفي مناقشاته لرسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه التي كان فيها خبيرا ومناقشا.الياسري المؤلف والكاتب الذي انتج اكثر من (16) كتاب في علوم ومعارف لايصدّق البعض حينما يقرأ عناوينها لانه قد يبتعد عن السينما والفن احيانا لكنه لايبتعد ابدا عن الانسانية وتفاصيلها الدقيقة لانه يرى ان السينما هي الانسان ,والفن هو الانسان ,والمرأة والرجل ,والحب والاعلام والتقنيات والقصة والرواية والشعر بدأ بمجموعته القصصية وهو طالب في الصف الثالث متوسط بعنوان(في الطريق) ثم ورواية (كانت عذراء) وهو في الثانوية ليكون عالما ومعرفيّا كبيرا في هذا الطريق الذي تصوره (عذراء) حتى يخترقه هو ليبني من خلاله تلاميذ ومريدون ينتشرون في العراق والعالم.عناوين كتبه المترجمة لاتخلو من الغرابة والطرافة والابتكار فـ (كيف تفهم النساء في 60 دقيقة) رغم انه يستذكر دائما ماقاله فرويد من انه ((اكثر من عشرين سنة لم افهم ماذا تريد المرأة)) وكتاب (كيف تفهم الرجال في 60 دقيقة) وقد اعدّ ذلك وترجمه من الالمانية وهي لغته الثانية مستفيدا ممّا كتبته الكاتبة الالمانية(انغلا تروني) ,هذه العناوين والمواضيع تستشعرها افلام أو سيناريوهات لافلام مستقبلية رغم اني لم اقرأهما لكني اعرف كيف يكتب وكيف يفكر الياسري ,عناوين اخرى مثل (الحياة والخصبة للمشاهير) و(احذر نحن نراك) و(التنزّه في عقول الناس) و(غربال الذاكرة)و(اني على حبك لباقية) و(الاعلام في عصر التقنيات)وعناوين اخرى مثيرة ومتنوعة , وجد فيها الياسري علما وفنّا وانسانيّتا تستحق ان يغوص بها ويعلنها للمتلقي العربي افلاما وثائقية وروائية مكتوبة بصيغة المضارع والماضي والمستقبل فالثبات على صيغة فعلية عند الياسري امر مكروه لانه غالبا مايتنقل بين الماضي والحاضر والمستقل لكي يصنع قيمة معرفية متميّزة.الياسري الذي ادار مكاتب وفضائيات وتلفزيونات ومكاتب اعلامية تفوّق فيها وترك اثرا بل اثار يقتدى فيها:تلفزيون العراق,مكتب الجزيرة الديار,الفضائية العراقية ,واخرى كثيرة.

ومارس الفن في المانيا الديقراطية وسوريا وصنع افلاما ومسلسلات خالدة في الذاكرة المرئية هو نفسه الانسان والاب والاخ والصديق الودود الصريح الذي يتحدث عن اللوعة والحب والذكريات مع شخصيات من التاريخ شئنا ام ابينا هي شخصيّات اثّرت سوءا كان ام ايجابا ,فهو يتحدث عن صدام حسين وكيف غيّب عنه بعض معارفه ,وعن نوري السعيد كيف سحله الناس في شوارع بغداد وهو بملابس نسائية حينما كان برفقة السياب وحسين مردان,وعن زوجته وعن ابنه وعن اصدقائه ,وعن افلامه بطريقة يحسد عليها ,ويدافع عن نفسه بمنتهى الواقعية والصدق اذ يقول عن تنفيذ بعض طلبات صدام له بادارة اعمال او مؤسسات او اعمال فنيّة بـ (بانني انسان واقعي ولا اريد الانتحار) وهذا القول يكفي لرد كل الاتهامات عنه, واعتراف منه بان رفض امر لصدام حسين معناه الانتحار (الاعدام).فيصل الياسري لم ولن اكتفي من التغزّل بفنك وعلمك وجمالك اعذرني استاذي ان قصّرت او تطفّلت أو اخطأت لاني لم اصل الى ماوصلت انت وسأحاول.

ولد فيصل الياسري عام 1933 وعمل في الصافة بعد ان اثبت قدرته في الكتابة عام 1948 ,ودخل دورة في الاعداد والاخراج التلفزيوني في فيينا وحصل على الامتياز.عام 1958 عمل مخرجا في تلفزيون العراق ثم انتقل الى المانيا الديمقراطيه وعمل في تلفزيونها الى عام 1962 وبعدها انتقل الى سوريا وأخرج الكثير من المسلسلات والافلام السينمائية ولعلنا نتذكر جيدا مسلسل (حمام الهنا) الذي قدّم فيه دريد لحّام بشخصية (غوار الطوشي).عاد الى العراق وأخرج فيلم(الرأس) و(النهر)و القناص)و(بابل حبيبتي) وساهم في انتاج واخراج الكثير من المسلسلات والبرامج التعليمية التي حققت حضورا ونجاحا في الكثير من الفضائيات العربية وتلفزيوناتها ولعلنا لاننسى(سلامتك و,اللغةالعربية,دنانير من ذهب,الدفتر الازرق,الكلم الطيب,المرايا) وبعض الافلام التي قام باخراجها خارج العراق (عشاق على الطريق,جزيرة النساء,غراميات خاصة,هاوي مشاكل,حب وكراتيه,عودة حميدو).كما انه اخرج للمسرح(الرجل الرابع,وجزيرة الله) ومثّل في فيلمين هما(الملك غازي,والنهر) وأخر اعماله الفنية وليس الاخير فيلم (بغداد حلو وردي)عن رواية ميسلون هادي (حلم وردي فاتح اللون).

استدعاه النظام قبل التغيير لكتابة واخراج مسلسل ب(50) حلقة عن حياة صدام حسين وبواقعيته وعلميته المعروفة طلب من (15) كاتب ان يعدّون له المادة ثم عهد للمخرج فاروق القيسي بكتابة السيناريو, وبعد عدد من الحلقات وجّه فيصل (70) سؤالا الى صدام حسين عن امور تخص مصداقيّة الشخصيّات التي من المفترض ان تكون صديقة لصدام لكن المضحك ان معظمها تم اعدامهاو قتله بطريقة صدّامية ,او دسّ له السم بطريقة فنطازية, او التمثيل به.ونتيجة لاستحالة تنفيذ هذا المشروع والاجابة الصريحة عن هذه الاسئلة قرّر صدام التخلّي عن الاجابة او تأجيل الاجوبة ودعا الى الاستعانة بالسيرة الذاتية التي كتبها (صدام) بعنوان (رجال ومدينة) عن نفسه..وانقذ الله الياسري من مشروع انتحاري كان سيودي به الى التهلكة حينها او بعد حين.وبعد التغيير دعي الياسري ليكون وزيرا للثقافة ورئيسا لشبكة الاعلام لكن مثله لايوافق على هكذا امور ومهام دون ان يجد لها مرتكزات وضرورات ومعايير توفّر له طريقا صحيحا لبناء مايريد أو يحب لنفسه وللمركز الذي يراد منه ان يتسلمه خاصة في زمن لايعتبر فيه رفض طلب المسؤول انتحارا..