الرياء الديني في مسرحية “طرطوف“ لموليير

Wednesday 9th of November 2022 12:50:53 AM ,
5302 (منارات)
منارات ,

أثير محسن الهاشمي

يعد موليير أشهر كاتب وممثل فرنسي، كتب ومثّل العديد من المسرحيات المهمة، أهم ما كاتب مولير هو مسرحيته الشهيرة (طرطوف)، التي تعد من المسرحيات المهمة والشهيرة في المسرح الفرنسي؛ لما تمثله لغتها من صنعة أدبية عالية، وما تقدمه من معنى هجائي لاذع لغاية عامة، أُسس لها لأن تكون مسرحية عالمية أنموذجية.

ويصف (بوشكين) مسرحية طرطوف، قائلا: ((إن طرطوف هو ثمرة التوتر العظيم – جدا لعبقري الكوميديا الفرنسية العالمية موليير)).

وعبقرية الكوميديا هذه ناشئة بطبيعة الحال من استعماله للمفارقة الصريحة، التي اُعتبرت فيها خطرا على الكوميديا، بحسب آراء المتشبثين بحرفية التقاليد الفنية، إذ يعبرون على انه (إذا تعدى المرء في تحدّيه تقاليد الكوميدية نقطة معينة أمست الكوميدية شيئا آخر).

تعد (طرطوف) هجاء واضحا وسخرية مؤكدة على الرياء الديني الذي كان سائدا بفرنسا، ولأن موليير استعمل السخرية والمفارقة والنكتة ضد هذا الرياء الديني، ما أثار حفيظة القساوسة الذين كانوا يهيمنون على الأوضاع في فرنسا، لذلك مُنعت المسرحية في فرنسا آنذاك.

إن ما يميز طرطوف في هذه المسرحية هو تجسيده لشخصيات تدعو إلى السخرية، كما في شخصية (طرطوف) turtuffe شخصية الجشع والفسق، التي تـُبنى على إثارة العطف نوعا ما بعد أن تحث على السخرية، أو تتميز به شخصية (أورغون) oragan من سذاجة وازدواج في الموقف، إذ هو برجوازي قصير النظر وعنيد، يمنح ثقته العمياء بالمنافق الذي يخدعه.

((أوركون: هل أن ما سمعته الآن يا الهي، كلام يصدق؟

ترتوف: نعم يا أخي. أنا جبان ودنيء بل أحقر الصعاليك، وكل لحظة من حياتي حافلة بالمساوئ، ومليئة بالجرائم والذنوب، وأعتقد ان السماء ستقاصيني بسبب ما ارتكبته من عصيان وتمرّد على شرائعها لذا لا أتبجّج برغبتي في الدفاع عن نفسي، فصدّق ما تشاء تصديقه، وصـُبَ جام غضبك عليَ كمجرم، واطردوني من أمام وجهك اذا أردت،فلن يقيني خجلي وأسفي من استحقاق المزيد من اللوم والعقاب.

أوركون (لولده): أيها الأحمق، هل تجرؤ بكل هذه النقائض ان تسوّد بياض صفحة الرجل الفضيل الطاهر؟

دامس: ماذا تقول؟ هل توصـّل هذا المنافق المرائي الذي يرتدي ثوب اللطافة والعفة زورا وبهتانا أن يحملك على تصديقه وتكذيبي؟)).

إن الصورة الهجائية لطرطوف تتمثل في صراع التحول والانتقال من حالة الضلال الى التصبر، تحقق هذا الهدف من خلال شخصية ارغون، غير انها لم تتحقق من خلال شخصية طرطوف، التي استمرت كونها شخصية وصورة هجائية.

ومن ذلك نجد ان (طرطوف) لموليير هي نقد لحالة التستر بالدين، او ما يسمى بالرياء او النفاق الديني، معتمدا في الوقت ذاته على شخصيات تدعو إلى السخرية والمفارقة، تتحكم باللغة المسرحية التقليدية منها والرمزية.