الأثري يكتب عن نفسه..هكذا كانت دراستي الاولى وتلقيبي بالأثري

Thursday 10th of November 2022 12:54:09 AM ,
5303 (عراقيون)
عراقيون ,

قد كان من حسن الحظ ان والدي وانا اول اولادة كان حريصا غاية الحرص على تهذيبي وتثقيفي فكان ان اشركني في اعماله،ويجب ان اتعلم اي علم فاستفدت من هذا التوجيه السديد،وساقتني الحياة يمينا وشمالا تارة تاجرا معه وتارة معتنيا بعلم الخيل والفروسية وقد كان لوالدي اهتمام عريق موروث من ابيه وجدة بالخيل والفروسية وجربت شؤونا مختلفه لا اظنها اتيحت لغيري من طبقتي في العمر والنشاة..

وكل ماكان يدور حولي كنت اتامله وبيتنا في وسط حافل بالمدارس بين المساجد والجوامع الضخمة وكنت اسمع اناء الليل واطراف النهار اسم الله الاعلى تجلجل به الاصوات من الماذن واري الصالحين في حي من علماء ووجهاء وفضلاء لهم السلوك الرفيع والمنزولة الكريمة،هذا ميدان واسع لامجال الان للخوض في اوصافه وموحياته الى العقل والقلب ولكنني استطيع ان اقول كان هذه العوامل كلها وهي غاية في الفسحة والاتساع والعمق قد كان لها الاثر الكبير في توجيهي الى العلم وحب اكتساب المعرفة والادب الرفيع.

وهنا في هذة البيئه اخذت الامور تتطور والاثري يخوض تيارات الحياة:

- وكنت طورا بعد طور بين الدراسة العسكرية والدراسة المدنية وبين دراسة تتصل بقضايا العالم الخارجي ومستلزماته من تعلم اللغات فالممت باطراف من اللغات الانكليزية والفرنسية والتركية في طور النشاة الاولى.

دراستي الاول بدات في الكتاب كتاب الحي.. كتاب امراة فاضلة ثم كتاب يشرف عليه الرجال ودخلت الكتاب في نحو من السنة الرابعة وتاريخ ولادتي هو تاريخ الجسر الذي انشأه نامق باشا والي بغداد

وقبل الحرب العالمية الاولى دخل العلامة الاثري المدرسة الابتدائية وتعلم العلوم بالغة التركية ثم ارتفع الى الرشدية العسكرية وترك المدرسة فيها بسبب تاثير التدريب العنيف لينتسبالى محكمه الاستئناف كاتبا فيتدرب على الانشاء التركي ثم دخل الدرسة السلطانية وهي مدرسة ثانوية وكان فيها من زملائه محمد نجيب الربيعي وخليل اسماعيل والخلاصة في هذة المرحله من التعليم ان الاثري بقي على هذة العجمة او التردد بين العامية والفصحى والتركية والفرنسية والانكليزية والفارسية حتى توجه الى الدراسات العربية الاسلامية في حلقات العلماء يومذاك، الا ان وجد والده وجد ان ابنه لم يحسن قراءة الصحف المحلية

علوم ذلك الزمان وطرق دراستها..

كان هناك بقية من السلف الصالح من علماء بغداد وفي مقدمتهم الاسرة الالوسية التي كانت تتمثل يومئذ في اعظم شخصيتين علميتين وهما: قاضي بغداد العالم الفاضل الاديب اللغوي الشاعر على علاء الدين الالوسي وابن عمه العلامة الامام السيد محمود شكري الالوسي فاتخذت السبيل اول الامر الى السيد محمود شكري فتمنع وقال انني لا ادرس شبانا صغارا ويئست فاتخذت طريقي الى علماء بغداد فلم تعجبني طريقتهم في التدريس اذ وجدتهم يخوضون في متاهات في القال و القيل وما يسميه الازهريون الفنقله ان قيل كذا.. فقيل كذا، ولا يفهمون الطالب الموضوع.. انا كانت نشأتي مدنية خالصة في المدارس المدنية وقد تلقيت فيها فنونا من الاساليب الواضحة ولما جئت الى هذه المدرسة كان اول مابدات قراءته بسم الله الرحمن الرحيم..واذا بالاستاذ ياخذ في اعرابها وياتيني بمصطلحات لا اعقلها فنفرت من تعلم اللغة العربية ووجدتني مما اسمعه منه اتيه في صحراء من الغموض والابهام ولبثت صابرا على هذا النمط من التدريس عاما كاملا فاتخذت طريقي الى العلامة علي علاء الدين رئيس المدرسين عرفته بنفسي ومنشئي ومبلغ ماتعلمته من اللغات والعلوم فارتضاني اولا بان احالني على مدرس من اقاربه كانه اراد ان يتعرف على حقيقتي ودرست على هذا المدرس كتابا في علم الصرف وما لبثت ان قصدته ثانيه فقلت له ياسيدي:انت بغيتي في الاقتباس منك.. وكان قد وثق من هويتي ووجدني على شي من الاستعداد لاتقدم في العلم فرحب بي وبدانا نقرأ من علم الصرف كاتب نزهة الطرف في علم الصرف للميداني صاجب مجمع الامثال ومن كتب الادب مقامات ثناء الالوسي ورحلته غرائب الاغتراب فكنت اقرا عليه هذة الكتب قراءة ضبط واتقان واحفظ النصوص.. وقرات عليه من كتب الفقه الحنفي شرح مراقي الفلاح مع حواشي الطحطاوي.

اما لقب الاثري،وكان من عادتي انني ارجع الى الشروح والتفاصيل قبل لقاء الاستاذ والسماع منه.. فوقعت في هذة الحواش على عبارة ازعجتني غاية الازعاج تقول العبارة مامعناة: انك اذا عجنت عجينا بماء ثم ظهر لك انه نجس فاما ان تطرح هذا العجين الى كلب واما ان تبيعه لشافعي فقلت له:

يا استاذ ماهذا القول؟ وطبقت الكتاب؟؟ فنظر الى متعجبا وقال لي: ماذا تريد؟ قلت اريد دين رسول الله قال لي:

انت اثري اذن.. فسألته ما الاثري؟ فقال: هو الذي يتبع اثار رسول الله..

ثم اتجهت الى الشعر ولهذا الفن قصة في حياتي، فاقول:

افدت من جملة مادرست على استاذي فنونا من العلم النافع واخذت منه حب العربية وعشق الادب العربيه حيث بدات انظم الشعر فنظمت بضعه ابيات في مدح استاذي، عرضتها عليه في استحياء وادب ولم اكن يومئذ ثقفت شيئا من العروض.. فلما قرأها.. كان الرجل رائع التهذيب.. احسست على وجهه اثر ابتسامة خفيفة يخفيها فادركت من فوري قصوري فيما نظمت وخجلت.. فقال لي: ثابر يافلان ادرس واحفظ هذه الابيات ولاتضيعها.. كانه اردا ان يقول لي: لتعرف من بعد قصورك.. ثم اتاني في اليوم الثاني ببضعه ابيات من شعر يقرظني بها على سبيل التشجيع وطلب منى تشطيرها.. قلت له استاذي ما التشطير؟ فعلمني معناة وطريقة نظمه وابياته هذه قد نشرت في مقدمة احد كتبي.. كانت الابيات جميلة.. وجربت تشطيرها فلم افلح لان مادتي الغالبة عليى هي اللغات الاجنبية التركية والفارسية والفرنسية.. ومادتي في العربية كانت لا تزالقليلة عدا ما طبعه القران الكريم في نفسي من الاحاس اللغوي وما تعلمته اثناء قراءتي القرآن.. من تعلم مخارج الحروف وتجويد الاداء وقد امضيت في اقتباسي من هذا العلامة الاديب سته اشهر تعادل سته اعوام لكثرة ما استفدت منه كما ونوعأ وكان له اعمق الاثر في تربيتي الادبية واللغوية واحساسي الفني.

من كثرة القراءة استقام لي شعر وقد نظمته سليقة قبل ان ادرس علم العروض والقوافي وبعد نحو من عامين احب وزيرالاوقاف عبد اللطيف باشا المنديل وكان صديقا لوالدي جمع بينهما حب الخيل والفروسية ان يبعثني الى الازهر ومن غرائب المصادفات اني كنت نظمت قصيدة عينييه في الحنين الى مصر ونشرتها جريدة الاستقلال، وهي اول شعر نشر لي في الصحف وقد ضمنتها شطرا من بيت لشاعر قديم الا ادري من اين وقع الي وهي:

قمر يغيب والف شمس تطلع

فسال عبد اللطيف باشا والدي وقد زرته معه اين يدرس ولدك فقال يدرس على السيد العلامه الالوسي فاكبر شانه ولكنه قال له لماذا لا نرسله الى الازهر ليرى دنيا جديدة ويوسع افق فكره فقال له: الامر لك، غير انني لم اشا الاغتراب عن اهلي وعن بغداد فمكثت ادرس على العلامة الالوسي الى ان ادركته الوفاة.

من أوراق للاثري كان قد اجاب بها الراحل حميد المطبعي ضمن مشروع (الجذور) عن اعلام العراق، وقد التقطنا منها هذه الفقرات.