من تاريخ بغداد..تخطيط العاصمة ومحالها الجديدة في العهد الملكي

Sunday 18th of December 2022 11:36:03 PM ,
5330 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

إسراء عبد المنعم السعدي

إن وظيفة بغداد بوصفها عاصمة بدأت تجذب السكان من داخل مناطق البلد وخارجه لأسباب اجتماعية واقتصادية وحضارية وسياسية ما أثر في سرعة التطور العمراني والتخطيطي فيها، وظهرت حركة العمران والتوسع حول الكرخ والرصافة والكاظمية والأعظمية،

وكانت على شكل امتداد طولي بدلاً من دائري أو شبه دائري حول نهر دجلة. إلا أن هذا الامتداد كان محفوفاً بأخطار الفيضان فتحدد هو الآخر بالسدود المبنية حول الرقع التي أنشئت حديثاً، ولقد أدت هذه السدود في هذه المرحلة دور الأسوار في المرحلة السابقة وخاصة في الجانب الشرقي الذي كان مهدداً بالفيضان أكثر من الجانب الغربي. وللسدود أهمية لدرء الفيضانات حيث كان يحيط ببغداد سور ترابي لحماية المدينة، وعند دخول قوات الاحتلال البريطاني لبغداد قامت بتحكيم السور القديم الذي صار يعرف باسم السدة الشرقية.

وقد أنشئت سدات جديدة لمحلات البتاويين والعلوية والكرادة الشرقية والزوية وعلى الرغم من ذلك لم تهتم قوات الاحتلال بالجوانب العمرانية والتخطيطية لبغداد. وكان للأسوار دور في مواجهة الفيضان وخاصة في الجانب الشرقي من المدينة.

وفي عام 1925 قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تخطيط مدينة بغداد وضمت اللجنة كلاً من وزير المواصلات والأشغال والمفتش الإداري للواء بغداد وأمين العاصمة نشأت السنوي وممثلو وزارات الداخلية والمالية والأوقاف، وقد وضعت اللجنة قواعد أساسية لترسيم البلدة منها تسهيل وسائط النقل والتدابير الصحية وتحسين التجارة بالإضافة إلى حفظ كرامة الأهلين وثقتهم، وقد حددت اللجنة عملية تخطيط الشوارع داخل العاصمة بوضع خارطة للطرق الرئيسة لحركة النقل وهي من جانب الرصافة ملتقى شارع جسر مود بالشارع العام (شارع الرشيد) وساحة الميدان والباب الشرقي، والجسر الشمالي الممتد من الشارع العام إلى محطة السكة الحديدية والكاظمية في جانب الكرخ، والغاية من كل هذا هو تخفيف الزحام في حركة النقل في الشوارع الرئيسة.

وقد واجهت اللجنة في تنظيم الشوارع مشكلة خط الترامواي واقترحت الأمانة تأجيل الأعمال في الشارع العام حتى تحل المشكلة. واتفقت الحكومة مع شركة الترامواي على تمديد خطوط الترام من الشارع العام وألزمت الأمانة بمعالجة الازدحام بفتح شارع جديد في محل آخر. وللاستمرار في توسيع العاصمة اهتمت الحكومة بإنشاء محلات جديدة منها محلة السعدون، حيث اقر مجلس الوزراء قانون تخطيط أراضي محلة بإسم عبد المحسن السعدون تخليداً لذكراه وكلفت أمانة العاصمة بوضع خارطة للأراضي وتقسيمها على جادات ومتنزهات وميادين عامة وبنايات عامة، وتخصيص أسواق ودور للسكن، وأكد ضرورة أن تكون الأماكن العامة ملكاً للحكومة والأماكن المخصصة لبناء الأسواق ويجب أن تسجل لدى الأمانة وتباع على شكل عرصات. وإلحاقاً بمشروع المحلات الجديدة صدر قانون للأبنية التي تقع ضمن حدود أمانة العاصمة، حدد أصحاب الملك بأن لا يصلحوا الأبنية إلا بموافقة الأمانة، وساعد هذا على اقتراح مشروع المنازل الجديدة من قبل رشيد الخوجة (الذي ترأس الأمانة للمدة بين 1924-1925) لمعالجة أزمة المنازل وسبب ذلك ارتفاع الإيجارات في المحلات المرغوب فيها.

ولتوسيع العاصمة بدأت الحكومة بالتعاون مع أمانة العاصمة بإنشاء محلات جديدة، وفي عهد محمود صبحي الدفتري سنة 1931 استعين بمهندس أوروبي متخصص لتخطيط خارطة بغداد الحديثة في جانب الكرخ التي تبدأ حدودها من محلات الكرخ القديمة، ولتنفيذ هذا المشروع تطلب تشكيل هيئة مسؤولة باسم (مصلحة التنظيم) والتي تتكون من أمين العاصمة بصفته ممثلاً عن الأمانة والداخلية رئيساً لها، وممثلاً عن المالية والاقتصاد والمواصلات وكذلك مدير الأوقاف العام ومدير الطابو العام أعضاءاً فيها، ومهمتهما تنظيم وتوسيع الشوارع وتنسيق الأبنية، والتي سبقها مقترح تشكيل لجنة (محبي العاصمة) التي تُعنى بهذه الأمور، إلا أنه تم تشكيل هذه المصلحة بدلاً عنها. وعلى أثر هذه المصلحة توالى إنشاء المحلات الجديدة في بغداد، فقد أنشئت محلة راغبة خاتون وتوسعت الأعظمية القديمة (الشيوخ، النصة، الحارة، والسفينة) نحو هيبت خاتون في عام 1931، والكرادة الشرقية توسعت عام 1933 وامتدت بغداد في الثلاثينيات شمالاً وجنوباً على امتداد نهر دجلة، وأصبح امتدادها طولياً وهذا بسبب الفيضانات التي كان لها أثر كبير في تحديد مساحة المدينة وتوسعها بشكل عشوائي بعيداً عن الخطط التوجيهية. ويخالف فخري الفخري هذا القول: «إن بغداد كانت منذ سنة 1936 موضع عناية مؤسسات اختصاصية في قواعد تخطيط المدن، وإن الدراسة الأولية في سنة 1931 التي قامت بها مؤسسة (مينو بريو) ساعدت المسؤولين على تخطيط شبكة الطرق والساحات، وإن حدث توسع عشوائي فهذا من قبيل ما يحصل في المدن عند نموها من مدينة صغيرة إلى مدينة كبيرة، ومن مدينة ذات سكان قليلين ومسافات شاسعة حولها إلى مدينة زاخرة بالسكان الذين أخذوا يتهافتون على السكن فيها بشكل أشبه بانفجارات سكانية غير متوقعة، وأخذت الفجوات من المساحات الخالية تمتلئ وفق قواعد تخطيط المدن شيئاً فشيئاً».

كانت للأمانة من جانب آخر واجبات لا بد من إنجازها لتتلائم مع مشروع تنظيم العاصمة، فاهتمت بتنظيم الأسواق وخاصة أسواق القصابين للحفاظ على الحالة الصحية للعاصمة، فأنشئت اسواق تتوفر فيها الشروط الصحية خاصة في مركز العاصمة في جانب الرصافة، حيث أنشأت عشرة أسواق في كل من الميدان، والفضل، وباب الأغا، وقنبر علي، وسوق الغزل، ورأس القرية، وسراج الدين، وحاجي أفندي، وباب الشيخ، والعبخانة. ومن جانب آخر اهتمت الأمانة بتكوين حزام أخضر يحيط بالعاصمة وطلبت موافقة الحكومة على غرس أطراف العاصمة بالأشجار للحفاظ على البيئة وإضفاء جمالية للعاصمة، وتعد هذه الخطوة بداية لمشروع الحزام الأخضر الذي انشئ فيما بعد بفرز 2500 متر مربع من السدة الشرقية (طريق محمد القاسم حالياً). وفي عام 1935 وضع نظام الطرق والأبنية رقم (44) والذي ساعد على افساح المجال للراغبين لتطوير أراضيهم، وبالتالي أخذت المدينة تمتد شرقاً وغرباً واتسعت رقعتها. وكانت أولى المحاولات الجادة، ذات الأهمية في تخطيط مدينة بغداد، قد جرت في بداية سنة 1936. حيث استدعت الحكومة العراقية البروفسور الألماني المشهور بتخطيط المدن (بريكس) ومعاونه (برونو وينفر) لكي يعالج مشاكل المدينة وإعداد تصميم حديثة لمدينة بغداد. وسار التوسع في المدينة في الثلاثينيات وظهرت أحياء جديدة. وفي عام 1939 كانت بغداد قد امتدت طولياً من الشمال إلى الجنوب، أي من الأعظمية إلى الكرادة الشرقية بمسافة عشرة أميال تزينها القصور والبنايات الفخمة وتتخللها البساتين والحدائق.

عن رسالة:تاريخ أمانة العاصمة (بغداد)1921 -1939