من كنائس بغداد القديمة

Monday 26th of December 2022 12:17:51 AM ,
5334 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

وليد الصكر

الكنيسة: مكان التعبد عند النصارى، ومن مكوناتها مذبح الكنيسة: وهو موضع يقيم عليه الكاهن ذبيحته. وقد اشتهرت كنائس وأديرة عديدة يتعبد فيها النصارى رغم الاهمال وهي لا تزال موجودة في بغدادوأطرافها منذ القدم،

وقد أشارت إلى تلك المعالم الدينية العديد المؤلفات التي تخصصت بهذا المجال ومنها على سبيل المثال، كتاب الديارات لأبي الفرج الأصفهاني وكذلك ديارات الشابشتي وكذلك كتب بلدانية وجغرافية تطرقت الى وجود بعض من أديرة وبيع وكنائس النصارى ببغداد، كمعجم البلدان لياقوت الحموي وغيره من المراجع.

كنيسة الأرمن الأرثوذكس

ذكر عدد من الرحالة اللذين قدموا الى بغداد بانه لم يكن للأرمن الأرثوذكس كنيسة في مدينة السلام بالرغم من ان وجودهم في بغداد يعود الى قبل عام 1604م حيث وصل قوم من الأرمن الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس وأقاموا في محلات الميدان والشورجة حيث كان النصارى يسكنون. وهذا السائح تافرنيه الذي كان في بغداد سنة 1652م الذي قال: وعلي ان ان اتكلم على نصارى بغداد. فمنهم نساطرة ولهم كنيسة ومنهم أرمن ويعاقبة (سريان أرثوذكس) وهؤلاء لا كنيسة لهم. وحكى فيبور الذي أتى بغداد سنة 1676-1677م: وكان هؤلاء الناس (الأرمن) كأنهم من طائفة الآباء الكبوشيين لأن لا كنيسة لهم في بابل (بغداد) الا كنيسة الآباء المار ذكرهم وفيها يقيمون صلاتهم بحسب طقسهم ويحضرون القداس ويقبلون الأسرار. ولما تولى الوزير أحمد باشا (المتوفى سنة 1748م) رئاسة العراق حاصر ملك إيران نادر شاهبغداد. فدافع عنها أحمد باشا دفاع المستميت. فتضعضعت من جراء ذلك مالية الحكومة المحليةوأصاب خزينتها نقص كبير. ففرض ضرائب جديدة على سكان بغداد كافة. وكان في بغداد ذلك الوقت الأرمني كيورك نزاريت الذي عرف فيما بعد عند البغداديين باسم (كوك نزر) واطلقوا على المحلة التي كان يسكنها قرب الكنيسة الآتي ذكرها (محلة كوك نزر) وكان منصبه سلحدار الوزير أحمد باشا وذا مقام رفيع لدى الحكام والولاة. حيث اتفق مع صديقه الحميم جامع الضرائب ومحصلها الكهية سليمان باشا (المتوفى سنة 1762م) على ان يستولي ابناء طائفته الأرمن على كنيسة النساطرة الكلدان مدعين ان لا حاجة لهم الى كنيسة لكونهم دانوا بالكاثوليكية واخذوا يترددون الى كنيسة اللاتين. ودفعت اموالا مقابلها ومنذ ذلك الحين بدأ من يدفع مالاأكثر من بينهم يستولي على هذه الكنيسة. استولى الأرمن الأرثوذكس على كنيسة الكلدان ولا تزال بايديهم الى اليوم. وقد أسموها باسم العذراء مريم. ومن ثم بنو لهم كنيسة جديدة في محلة رأس القرية سنة 1852م بعد حصولهم على فرمان بالموافقة على بنائها واشترك في افتتاحها الكثيرون من مختلف الطوائف النصرانية واسموها على اسم الثالوث المقدس (سورب يرور نوطيون).

كنيسة الآباء الكبوشيين

لاقى الآباء الكبوشيين صعوبات جمة أيام وافوابغداد في 10 آب سنة 1628م وكانوا ثلاثة من الفرنسيين وهم كل من الأب جبرائيل والثاني الأب باسيفيك واما الثالث فكان الأب جست. وكانت وجهتهم الحقيقية الى إيران ليؤسسوا مركزا دينيا لهم في أصفهان. ولكن قبل مغادرتهم بغداد استطاعوا ان يفتحوا مصلى في احدى دور النصارى بعدما استحصلوا الأذن من الحكام. وعملوا احتفالا حضره جمع غفير من النساطرة و السريان والأرثوذكس و الأرمن والروم. فاستحسن هؤلاء الآباء الكبوشيون ان يقيموا مقرا لهم في الزوراء. فابقوا واحدا منهم في بغداد وهو الأب جست فاشترى سنة 1631م دارا في محلة رأس القرية واتخذها له ولأبناء رهبانيته مأوى وكنيسة. وكانت تلك الكنيسة على اسم القديس يوسف. وهي اول كنيسة شيدت في مدينة السلام بهذا الأسم. وقد تنعموا براحة لم تدم كثيرا فعندما فتح السلطان مراد الرابع سنة 1638م رفع جماعة من مناوئي الرهبان الكبوشيين عريضة يسترحمون بنزع الدير والمعبد لأنهما يجاوران قبر الشيخ محمد الأزهري فاجاب طلبهم ولكنه اعيد اليهم فيما بعد بوساطة السنيور ميشيل (ميخائيل) الايطالي ومدير المدفعية العثمانية فيحلب والشام وبغداد. وايد السلطان المذكور بفرمان سلطاني الدير والمعبد للرهبان الكبوشيين كما أيد حقوقهم سنة 1655م السلطان محمد الرابع. غير ان والي محمد باشا الخاصكي امر بهدمهما سنة 1658م وأقام على انقاضهما جامعا يعرف اليومبجامع الخاصكي وبعد شهر واحد ندم الوالي على عمله ولا سيما في اثناء مرضه اذ شفاه منه احد الأخوة الكبوشيين. فاعطاهم دارا واسعة كانت في السابق محلا لبريد حلب ثم مقرا للسفير الأنكليزي مدير شؤون بريد شركة الهند الشرقية وفي هذه الدار سرداب واسع جعلوه كنيسة وموقعها اليوم امام جامع الخاصكي. وقد وافاها نصارى بغداد على اختلاف طوائفهم ولا سيما لمن لم يكن لهم كنيسة خاصة بهم.

كنيستا الآباء الكرمليين

للآباء الكرمليين في بغداد كنيستين وعرفتا بكنيستي اللاتين. حيث قدم الى بغداد سنة 1608م الأب الراهب بولس سيمون وهو يعد اول مرسل كرملي دخل هذه المدينة. والحدث الأهم هو سنة 1826م حيث تم تنصيب الأب برناردي وال الكرملي أسقفا على بابل (بغداد) ونائبا رسوليا على أصفهان باسم جان. غير ان حاكم بغداد لم يأذن له وللآباء الكرمليين ان يدخلوها فاضطر هو وخلفاؤه ان يسكنوا اصفهان. ولما اقيم الأب عمانوئيل الكرملي أسقفا على بابل (بغداد) سنة 1642م سمح له ان يقطن بغداد. وفي سنة 1628م تبرعت امرأة مسيحية تقية تدعى ماري ريكوار بوقف نقدي قدره ستة آلاف روبل اسباني لنشر الكثلكة في بلد الشرق.فخصص البابا اربانس الثامن ريع هذا المبلغ لأساقفة الأبرشية اللاتينية البابلية بشرط ان يكون مطرانها فرنسيا وأن يقيم في كرسيه. وكذلك فعل بعده البابا بيوس السابع سنة 1711م بنفقة ريع هذا المبلغ على شرقيي هذه الأبرشية نفسها. اما رسالة بغداد للآباء الكرمليين فقد اسست نحو سنة 1721م يوم دخلها يوسف مارية وارله الكرملي الفرنسي (المتوفى سنة 1742م) وهو اول نائب رسولي للرسالة الكرملية وكان مركز ادارته في بغداد. غير ان النصارى لم يجسروا على ايوائه في دورهم خوفا من الوشاة. فبقي متنقلا مدة ثماني سنوات بين ديار بكر والبصرة او يسكن في مدينة السلام بعيدا عن الأنظار حتى هرب الى حلب واستقر فيها. فارسل عوضه الأب عمانوئيل بايه الكرملي في اواخر عام 1728م نائبا رسوليا. فنزل دار احد الكاثوليك في بغداد فوشى به الى الحاكم فأمر بسجنه ولما صار خبره لدى سفير فرنسا سماه قنصلا لدولته في بغداد فأطلق سراحه يعظ ويعلم ثم سافر الى بنديشيري من اعمال الهند وطلب من حاكم هذه المدينة ان يزوده برسالة الى والي بغداد أحمد باشا (1736-1748م) ليأذن له بأقامة دار للأباء الكرمليين فنال أمنيته وكان قد أبتاع سنة (1731م) دارا في محله سوق الغزل فرممها واصلحها وأنشأفيها معبدا صغيرا على اسم مار توما الرسول ثم بأذن من روما جعله على اسم مار توما الرسول ومار يوسف خطيب العذراء وكان هذا المعبد يقع في مدرسة القديس يوسف وقد هدم الان واصبح قسم منه باب يؤدي الى فناء الكنيسة والمدرسة المذكورة وبعد حين وسعى هذا المعبد الاب اغناطيوس المرسل الكرملي من ماردين الاذي دبر رسالة بغداد بأسم نائب مؤقت كما وسعه الأب ولفانج. وبقيت هذه الكنيسة عامرة زهاء اربعين ومائة سنة. اما الاباء الكرمليون فكانوا يسكنون في الدار الواقعة ازاء هذه الكنيسة. وكان الوشاة يذيعون من وقت الى أخر ان الاباء الكرمليين يغرون النصارى الشرقيين على تغيير جنسيتهم ففي سنة (1737م) قام رجال الكهية سليمان باشا بختم الدير بختم الحكومة وساقوا الاب عمانؤيل باية ومن معه من الكاثوليك الى السجن ولم يطلق سراحهم الى بمساعي المستر داريل الأنكليزي وكيل شركة الهند الشرقية في بغداد بعدما دفعوا مبلغا باهضا من المال.وقد وشى كيورك نزارت سلاح دار احمد باشا ثانية بالأباء الكرمليين مدعيا قد صيروا النصارى الشرقيين غربيين وتعهد ان يقدم مائة كيس الى الخزينة اذا رضي احمد باشا بنزع كنيسة الاباء المذكورين من ايديهم ويسلمها الى الارمن. عندها زج سليمان باشا في السجن زهاء اربعة واربعين شخصا من وجوه الكاثوليك ومن بينهم القس مقصود الموصلي الكلداني ثم استدعى الاب ليانذر فزجره فخرج من عنده خائفا ولم تمض مدة حتى حضر نائب القاضي مع احد رجال الحكومة وبلغا امر احمد باشا بأخراج الاباء الكرمليين من مسكنهم والكنيسة وختماهما بختم فبقي الاباء بدون مأوى فأسكنتهم في بيتها الصغير امرأة مسيحية اسمها بربارة وبقوا فيه الى مساء اليوم الثاني. بيد ان الاب ليانذر تمكن من احباط مساعي الوشاة وذلك على ىيد اخت الوزير احمد باشا التى امرت برفع الختم عن مأوى الاباء الكرمليين وكنيستهم واعادتهما الى اصحابهما واطلاق سراح السجناء الكاثوليك. ثم امر احمد باشا كهيته سليمان باشا ان يجدد صداقته مع الاب لياندر فاستقبله واكرمه وهدد بضرب كل من يزعج الاباء الكرمليين.

من بحث بعنوان (كنائس بغداد في العهد العثماني)