تأسيس حزب الاتحاد الدستوري (حزب نوري السعيد) ونهايته

Sunday 12th of February 2023 09:54:00 PM ,
5368 (ذاكرة عراقية) (نسخة الكترونية)
ذاكرة عراقية ,

عماد كريم عكوب

بعد استقالة وزارة مزاحم الباجة جي في 6 كانون الثاني 1949م, كُلفَ نوري السعيد بتأليف وزارته العاشرة في اليوم ذاته 6 كانون الثاني 1949م, وقد عدتّ الأوساط الوطنية وزارة نوري السعيد وزارة تصفية لما بقى من مكتسبات حققتها وثبة كانون الثاني عام 1948م, إذ عملت الوزارة على القضاء على الحريات العامة,

فألغت امتياز عدد من الصحف, والمجلات, وحملت على المعارضة بشدة تحت شعار محاربة الشيوعية, لاسيما في صفوف الطلاب, ورافق ذلك تجميد كل من "الحزب الوطني الديمقراطي", و"حزب الأحرار" لنشاطهما, فحاول نوري السعيد إيجاد بدائل للأحزاب السياسية, فوضع ميثاقاً وطنياً لجمع الصفوف, وتوحيد الكلمة. وقد دعي الميثاقبـ(الميثاق الدستوري).

بعث نوري السعيد عدة نسخ من الميثاق إلى رؤساء الأحزاب, وعدد من السياسيين لاسيما "حزب الاستقلال" الذي مازال يمارس نشاطه بعد تجميد نشاط الأحزاب الأخرى, لكن "حزب الاستقلال" رفض الميثاق, واقترح ميثاقاً جديداً لم يوافق عليه نوري السعيد, ففشلت مبادرة نوري السعيد في أقناع حزب الاستقلال بالموافقة.

بعد فشل المفاوضات حول "الميثاق الدستوري", سعى نوري السعيد لتأسيس حزب سياسي لإيجاد دعامة حزبية لمؤازرة الوضع القائم تحت زعامته, والحد من تصرفات الوصي عندما تتصادم تلك التصرفات مع سياسة نوري السعيد, ففاتح صالح جبر, وقررا أن يعملا سوية على تأسيس حزب سياسي باسم "حزب الاتحاد الدستوري"على أن يضم بين صفوفه الشيوخ, والشباب على حد سواء, للوقوف بوجه الأحزاب "اليسارية", وقد تقرر أن تكون الهيئة المؤسسة للحزب من ثمانية أشخاص يختار نوري السعيد نصفهم, ويختار صالح جبر النصف الأخر, كما تقرر أن يكون صالح جبر رئيس الحزب, لأنه أكثر تفرغا من نوري السعيد لأعمال الحزب, ونشاطاته, لكن صالح جبر لم يستمر إذ, انسحب معترضا على

اشتراك شخصيتين في الهيئة المؤسسة هما(محمد علي محمود وموسى الشابندر), وقد مضى نوري السعيد في طلب تأسيس الحزب من دون صالح جبر عاداً اشتراكهما في الحزب تزكية منهما لسياسته.

بعد إنضاج فكرة تأسيس الحزب, قدم كل من نوري السعيد, وعبد الوهاب مرجان, ومحمد علي محمود, وموسى الشابندر, وجميل الاورفله لي, وسعد عمر, وعبد المجيد عباس, واحمد العامر, وخليل كنه طلبا إلى وزارة الداخلية في 22 تشرين الثاني 1949م, بتأسيس حزب سياسي باسم"حزب الاتحاد الدستوري", فوافقت الوزارة على هذا الطلب بكتابها المرقم 16316 في 24 تشرين الثاني1949م, وبعد أجازة الحزب اجتمعت الهيئة المؤسسة للحزب في دار نوري السعيد, وقررت انتخاب بصورة مؤقتة نوري السعيد رئيسا للحزب, وموسى الشابندر محاسبا, وخليل كنه سكرتيرا, وذلك إلى أن يتم اجتماع المؤتمر العام للحزب, وقد أعد محمد علي محمود, وعبد المجيد عباس, وخليل كنه بيان الحزب, وجاء فيه أن الحزب يسعى لتحقيق نهضة جذرية شاملة تكفل للبلاد وحدتها, واستقلالها ورفاه أبنائها, وأكد البيان حرص الحزب على تعاونه مع

جميع الهيئات القومية التي يتفق منهاجها مع منهاج الحزب, وأنه سيعمل لخير الأمة داعيا الجميع إلى الانتماء للحزب, ومؤازرته.

تم افتتاح المقر العام للحزب في دار في شارع الرشيد ببغداد في شهر كانون الأول عام 1949م, وذكرت صحيفة الاتحاد الدستوري أن الدار تم استأجارها بمبلغ ألف دينار لمدة عام في 10 كانون الأول 1949م, لتكون مقر للحزب, وأخذت اللجنة المركزية للحزب على عاتقها إصلاح الدار وتأثيثها, وذكر جميل الاورفه لي في كتابه أن الهيئة الإدارية للحزب استأجرت دار ياسين الخضيري ليكون مقراً للحزب, وأخذت الهيئة الإدارية تجتمع بين الحين والأخر في هذه الدار برئاسة نوري سعيد أو نائبه لمناقشة بعض المقترحات المتعلقة بالحزب, أو الترشيحات الوزارية.على الأرجح أن دار ياسين الخضيري هي الدار التي تحدثت عن استأجارها صحيفة الحزب في شارع الرشيد.

ضم الحزب بين صفوفه جميع القوميات, والأقليات, والأديان, والمذاهب من وعرب, كرد, وتركمان, فضلا عن عدد كبير من "الإقطاعيين والمستثمرين والانتهازيين" الذين عدوا أنفسهم لتسلم المناصب الكبيرة, وكان هؤلاء جميعا "يؤيدون السياسة الانكليزية تأييدا تاما", كما ضم الحزب عناصر شابة ونشطة اعتمد عليهم في أدارة الحزب.

نهاية حزب الاتحاد الدستوري:

شكل نوري السعيد وزارته الثانية عشرة في 3 اب1954م, بعد أن وضع شروطاً على البلاط من اجل الموافقة على تشكيل الوزارة, منها حل المجلس النيابي الذي انتخب في حزيران 1954م, وشروطاً أخرى حددها نوري سعيد تتعلق بسياسة الدولة في الداخل, والخارج.

كان نوري السعيد يعلم علم اليقين بأن البلاد مقبلة على أحداث جسيمة وضعت خطوطها في لندن, وباريس, وواشنطن, وكان يمني نفسه بتعطيل الأحزاب السياسية القائمة في البلاد ليتسنى له تحقيق أهدافه, فقرر قبل كل شيء تعطيل حزبه السياسي, بحجة أجراء انتخابات نيابية يسودها جو من الحرية التامة على وفق أحكام القانون, لذا نشر بيان في 3 آب 1954م, أعلن فيه حل حزب الاتحاد الدستوري.

لم يكتف نوري السعيد بحل حزبه بل اصدر مجموعة من المراسيم شل فيها

الحياة الديمقراطية بشكل كامل, حيث كان المرسوم الأول رقم 16, يقضي بتعديل قانون العقوبات البغدادي لسنة 1938م, الذي نص على تجريم كل من روّج لمذهب يرمي لتغيير نظام الحكم, ومنح المرسوم الثاني رقم 17 لسنة 1954م, الحق لمجلس الوزراء إسقاط الجنسية عن العراقي المحكوم وفق المرسوم الأول, وخول المرسوم الثالث رقم 18 لسنة 1954م, مجلس الوزراء غلق أي نقابة بحجة خروجها عن الأسس التي أسست وشكلت من اجلها, وفي 22 أيلول 1954م, صدر مرسوم الجمعيات رقم 19 لسنة 1954م, الذي يقضي بغلق جميع الأحزاب السياسية, والنوادي, والجمعيات, والصحف التابعة لها.

عن رسالة: حزب الاتحاد الدستوري 1949-1954