بونين يدق بابنا

Tuesday 21st of February 2023 11:22:23 PM ,
5375 (منارات)
منارات ,

د. ضياء نافع

لا يمكن أن يكون عنوان مقالتنا صحيحاً إذا قلنا - (بونين في العراق ) , فهو ليس مثل غوركي أو تشيخوف أو بوشكين أو دستويفسكي أو تولستوي أو تورغينيف...الخ

اسماء الأدباء الروس الكبار والمشاهير عندنا , و الذين بدأت شهرتهم بالتدريج منذ الثلث الأول للقرن العشرين فصاعداً , لكن بونين مع ذلك دخل الى العراق بشكل متأخر مقارنة بتلك الأسماء, وإنه دخل دون (تأشيرة دخول , أو فيزا كما نقول) , لأنه كان من المغضوب عليهم في الاتحاد السوفيتي بعد رفضه لثورة اكتوبر, ثم هجرته من روسيا السوفيتية, ثم (ثالثة الأثافي!) وهي حصوله على جائزة نوبل للآداب في الثلاثينيات, و لكنه – مع هذا - فقد حصل على ( الإقامة !) القانونية في بلدنا رغم هذا الدخول غير القانوني والمتأخر , ويمكن الآن أن نقول إنه موجود بيننا في العراق - بشكل أو بآخر - مثل بقية الادباء الروس الكبار, الذين ذكرناهم اعلاه, رغم إنه لم يصل بعد الى شهرتهم وشعبيتهم الواسعة.

بونين في العراق يرتبط قبل كل شيء باسم د. جودت هوشيار, والذي يمثّل ظاهرة فريدة وجميلة جدا في تاريخ الأدب الروسي في العراق , إذ إنه جاء الى الادب الروسي من اختصاص بعيد جداً عن الادب , وهو الهندسة و الكهرباء , فقد تخرّج في معهد الطاقة ( جامعة الطاقة الآن) في موسكو, حيث كان معنا ضمن الطلبة العراقيين الاوائل في الاتحاد السوفيتي بداية الستينيات , وحصل على شهادة الدكتوراه في اختصاصه ذاك , وعاد الى العراق وعمل بشكل ناجح هناك في مجال اختصاصه , ولكن جودت كان عاشقاً كبيرا للادب الروسي ,وقد تفاعل مع هذا الادب بحكم دراسته الطويلة في روسيا واتقانه للغة الروسية بشكل معمق وممتاز, والعشق يمنح للعاشق قوة جبّارة وخارقة كما هو معروف, و يستطيع العاشق بها أن يحقق المعجزات , وهذا ما حدث فعلاً , وهكذا برز د. جودت هوشيار في مجال الترجمة عن اللغة الروسية , وأصدرت له وزارة الإعلام العراقية كتابا مترجما عن الروسية في بداية السبعينيات عنوانه – ( دراسات معاصرة ), وفيه إشارات عميقة الى بونين , ثم نشر قصصاً مترجمة لبونين في الدوريات العراقية , وانتبه الى ترجماته استاذ جيلنا د. علي جواد الطاهر , الذي كان يرصد ما يجري آنذاك في مجال الأدب بعيونه النقدية الذكية , وطرح استفساراً حول بونين , إذ لم يكن لا بونين ولا هوشيار من الاسماء المعروفة آنذاك للطاهر, ويفخر د. جودت بكل هذه التفاصيل حول بدايات مسيرته الترجمية حول بونين , والذي تبين انه (اي جودت هوشيار) كان من المعجبين جدا بادبه ومن المطلعين بعمق على ابداعه. وأذكر جيدا , إن صديقي المرحوم د. إحسان فؤاد ( الشاعر الكردي الرقيق وخريج جامعة موسكو والمثقف العميق) , الذي كان مديراً عاماً لمديرية الثقافة الكردية في وزارة الإعلام (و التي أصدرت بالذات ذلك الكتاب آنذاك) كان معجباً جدا بموهبة جودت الترجمية والأدبية عموما , وقد حدّثني مرة عن ذلك . واستمر د. جودت بتقديم بونين لنا لحد الآن في نشاطه الأدبي المتنوع , اذ لانزال نقرأ نصوصا لبونين بترجمته ودراسات عميقة وجميلة عن مكانته في مسيرة الادب الروسي, وكم اتمنى أن أرى يوماً كتاباً خاصاً يضم تلك الكتابات البونينية ( إن صحّ التعبير ), خصوصاً وإن جودت هوشيار أصبح اليوم نجماً من نجوم الباحثين العراقيين في مجال الادب الروسي والعالمي أيضاً , وذلك عندما (تحرر!) من اختصاصه الهندسي الكهربائي وتفرّغ كليّا لعشقه الادبي