عن الحياة والكتابة وحب العراق.. (المدى) تحاور سميرة المانع:كان مـهري قصيدة عـنوانـها بـاص رقم 7

Wednesday 1st of March 2023 11:47:32 PM ,
5381 (عراقيون)
عراقيون ,

جمانة القروي

رغم البعد والاغتراب، ظل العراق مسكونا فيهم،يعبرون عما يجيش بهم من مشاعر وأحاسيس تجاه وطنهم الجريح و يحكون معاناة شعبهم من خلال الرواية والقصة،الشعر واللوحة..

ذُكر أنها أول امرأة كتبت رواية فنية ناضجة بالعراق منذ سنة 1972، وكونها من دعائم الأدب العراقي الذي يعنى بالمرأة، حيث تبقى روايتها هي الأساس لانطلاق كتابات المرأة العراقية في هذا المجال، تعيش بلندن منذ عام 1965.. لم تستطع رؤية وطنها ألام خلال هذه الفترة الطويلة سوى مرات قليلة، أثناءها فقدت أمها وأحبتها وهي بعيدة عنهم..عن حبها للعراق و أهله تقول سميرة " رغم البعد الجغرافي عن وطني الأصلي إلا أني لم أتوقف يوما عن متابعة ما يجري فيه،كثيرا ما أتذكر منظر شط العرب عند الغروب، أو منظر نخيل البصرة التي ولدت وترعرعت في أفيائها..دائما أحاول أيجاد البديل عنها في الغربة ولكن.. هيهات "...

ولدتْ بمدينة البصرة، عاشتْ فيها إلى سن الخامسة ثم انتقلت مع العائلة إلى منطقة الزبير وهناك دخلت المدرسة الابتدائية، ثم انتقلت إلى البصرة لتكمل فيها دراستها المتوسطة والثانوية.. عن هذا التمازج بين مدينة الزبير والبصرة تقول: " رأيت الصحراء التي تتميز بها طبيعة منطقة الزبير.. و الخضرة والمياه التي تتميز بهما مدينة البصرة التي لا تبعد عنها سوى أربعة عشر كيلومترا، لكن مع قلة المواصلات في تلك الفترة كانت تعتبر مسافة لا بأس بها... هذا التناقض أفادني كثيرا في قبول تناقضات الكون واختلافات الناس بصورهم المتعددة.. بالإضافة إلى ذلك كان جدي لأمي كرديا، ووالدتها عربية من منطقة(أبو الخصيب)، أما والدي فمن أصل نجدي. هكذا أحب أن أعتقد وأتصور أني أفهم أبناء شبه الجزيرة العربية، أتعاطف مع الأكراد، وأحب العراقيين عموما.!."

قابلتها في بيتها بلندن مؤخرا فوجدتها ما زالت محتفظة بما يُعرف في العراق عن طبع وروح أهالي مدينة البصرة، يقصدون بذلك العفوية الشديدة، عدم التظاهر والتواضع..

* لنبدأ بتصفح أوراق حياتك منذ انتقالكم إلى ناحية الزبير؟

- عند نشوب الحرب العالمية الثانية ولكي نكون في مأمن من القصف، كون البصرة ميناء العراق الوحيد، أخذنا والدي إلى منطقة طفولته، وهي الزبير، لهدوئها، ولكن عدنا من جديد إلى البصرة كي أكمل دراستي المتوسطة والثانوية لاسيما أن الزبير لم تكن فيها مدارس للبنات عدا المراحل الابتدائية.

هنا قاطعتها لأسالها: - في فترة الأربعينيات من القرن الماضي كان المجتمع يرزح تحت نير الجهل والتخلف، خصوصا فيما يخص المرأة، كيف وافق والدك على إكمال دراستك إلى المراحل المتقدمة، ما تعليقك على ذلك؟

- في تلك الفترة بالذات بدأ الرجال العراقيون بالاهتمام بتدريس بناتهم، بعد فتح المدارس في أنحاء المدن الكبرى وإطلاعهم على ما كان يجري بالبلدان العربية الأخرى كمصر وبلاد الشام آنذاك. لقد كان والدي شديد الاهتمام بالإطلاع على مجلات تأتي من هناك كمجلة الهلال والرسالة المصريتين وغيرهما. كان لرجال مصر المتنورين ونضال بناتها اثر كبير في إنارة الطريق لنا، حملت مصر شعلة النهضة في بداية القرن العشرين.

* هل لك أن تحدثينا عن حبك الكبير والذي ما زال يانعا مثل وردة جميلة في بستان حياتك؟

- في دار المعلمين العالية والتي قضيت فيها أربع سنوات، تعرفت على صلاح نيازي الذي كان يدرس في الدار نفسها. أشارت إحدى الصديقات بالبنان إليه قائلة:" لقد استمتعت وانا اسمعه يُلقي شعره بالقاعة قبل يومين، فهل تأتين معي المرة القادمة؟" وهذا ما جرى فعلا. سمعته يلقي الشعر بطريقة أثارت إعجابي حقاً. عبرت له عن ذلك عند خروجنا من القاعة، وقد جاملني هو الآخر.. ومنذ ذلك اليوم نشأ الحب بيننا وسرعان ما خطبنا لبعضنا ". وهنا تبتسم سميرة المانع لتكمل قصتها قائلة: أتعرفين ماذا كان مهري؟ وتكمل وهي لا تزال تضحك.. كان قصيدة عنوانها (باص رقم 7) لأننا كنا نركب معا هذا الباص يوميا ليقلنا إلى باب المعظم حيث نتوزع في الذهاب لبيوتنا. ما زلت محتفظة بها بين أوراقي."

وهنا ازداد فضولي وأنا استمع لها راجية منها أن تريني قصيدة (باص رقم 7) أو تسمعني

شيئاً من أبياتها فبدأت سميرة تقرأ شعراً عن ظهر قلب:

كأن شمساً حلوةً تخوض في غدير

على ضفافِ غابٍة طافية الظلال

تأرجحتْ، فكل نسمة تمرُ ههنا ابتهال

وكل خفقةٍ تنهدٌ يستجمع السنين في ثوان

بيد أن سميرة تضيف وهي تضحك: يا سبحان الله كيف يكون المرء ماكرا، ما أبعد هذا الجو الشعري عن حالة الباص الأحمر في ضجيجه وغباره وحره في بغداد بعض الأحيان !

أحببتُ أن أعرف كيف استطاعت على الرغم من مسؤوليات الحياة الأخرى، تطوير انتاجها الأدبي وكيف تمكنت من إكمال كتابة خمس روايات ومجموعتين قصصيتين ومسرحية ذات فصلين بالإضافة إلى بعض القصص القصيرة والمقالات الأدبية الكثيرة المتناثرة هنا وهناك والتي لم تجمع في كتاب بعد ؟ُ

أجابت متذكرة: "لم يكن الطريق معبداً بالورود بالطبع، حاولت أن أحافظ على بعض التوازن، أختصر بعض الفعاليات الاجتماعية كي لا تأخذ من وقتي فأنشغل بها مبتعدة عن الهدف الأول في نظري وهو محاولة فهم ما يجري حولي، حين يهزني، مؤثراً في من الأعماق، وضعه على الورق إذا أمكن. على فكرة أنا لستُ من النوع الذي يكتب يوميا، ربما أطالع وأقرأ في الكتب يوميا، وهذه مسألة أخرى مختلفة. ابتعد أيضا عن الفعاليات المثيرة للأضواء والضوضاء لئلا تشوش علي، تسرق أوقاتي وتبعدني عن سيري الذي هو في معظمه برامج هادئة صامتة."

كانت باكورة أعمالها رواية (السابقون واللاحقون) طبعت في بيروت عام 1972 كما ذكرنا. من خلال هذه الرواية عكست سميرة المانع معاناة امرأة عربية تلتحق بمن تحبه في لندن حيث للمرأة، كما نعرف، الحرية العاطفية الكاملة، لكن بطلتها تصطدم بموضوع الحب كعاطفة إنسانية معقدة،كيف يعيش ويتطور في مجتمع مادي وحياة صاخبة. لقد علق عليها الناقد اللبناني سمير الصايغ في صحيفة الأنوار البيروتية حينها بما يلي: " مع رواية سميرة المانع (السابقون واللاحقون) التي صدرت حديثا من دار العودة، نسمع صوتاً عراقياً لم نسمعه من قبل، يأتي بسيطا وعميقا في الوقت نفسه، خالٍ من الادعاءات الطليعية والفلسفية السائدة في الكتابات الروائية الحديثة. أنها لم تكتب روايتها الأولى للتعبير عن مشاعر وأحاسيس مكبوتة، كما هي العادة في أدب النساء. يحمل أسلوبها، إلى جانب بساطته ومباشرته، حرارة ناعمة سرعان ما تغزو القارئ وتدفعه، بعد الانتهاء من القراءة، إلى حوار صامت وسري مع نفسه" الشيء اللافت للنظر لقد وضع سمير الصايغ عنوانا في الصفحة كبيرا مستعرضا الرواية يقول فيه:

(من أراد أن يُطيل زمن الحب عليه أن يُطيل القدرة على احتمال الألم) أظنه كان موفقاً في هذا العنوان وقد أصاب في التشخيص.كما وجد بعض النقاد روايتي (السابقون واللاحقون)والأخرى التي لحقتها والتابعة لها بعنوان(الثنائية اللندنية) أنهما عالجتا ظاهرة المثاقفة مع الغرب بنجاح، كما تقول الناقدة إيمان القاضي في كتابها (الرواية النسوية في بلاد الشام)، مثلاً."

على أية حال، أكملت سميرة المانع مشوارها الروائي بالرواية الثالثة (حبل السرّة) التي تسلسلت في مجلة (الاغتراب الأدبي) الصادرة من لندن، ثم طبعت في كتاب على حسابها لخطورة المواضيع التي عالجتها ونكوص الناشرين عن الخوض بها بسبب الرقابة، سنة 1990.كانت تتعلق بظروف الحرب العراقية / الإيرانية وما جرّت هذه الحرب على العباد من مصائب وما كشفتْ من إختلالات في َمن أشعلها. بعدها نشرت رواية (القامعون) سنة 1997 وهي صدى للظروف الاجتماعية السيئة القديمة والجديدة التي أخرتْ العراق وجعلت المرأة ضحية سهلة منكوبة، يالإضافة إلى طرحها فكرة القمع المستشري بالبلاد المحرومة، المظلومة، ولجوء المقموع إلى القمع حين يحصل على الجاه والسلطة كما ظهر في معظم البلدان.

الرواية الخامسة تعتبرها المؤلفة خلاصة تجربة الغربة والبحث عن المسبب، حين تهرب الشعوب من أوطانها بسبب التسيد وحب العظمة والطغيان عند الحاكم فيحاكيه قسم من الرعية بالفساد والأنانية نفسها كما حصل بالعراق مؤخرا، فطيلة الوقت لا همّ للحاكم هناك إلا قول (أنظروا لي، أنظروا لي وحدي).فسميت الرواية (شوفوني..شوفوني).

الأغتراب الأدبي:

تعتبر مجلة(الإغتراب الأدبي)من أهم وأطول محطات سميرة المانع. أصدرتها مع صلاح نيازي سنة 1985 بشكل فصلي واستمرت مدة 17 عاما. كانت سميرة قد عاهدت نفسها بعدم مواصلة إصدار المجلة حين يسقط النظام القاسي بالعراق، وحسب تعبيرها: " لن يكون هناك حاجة للاغتراب " وفعلا كما لو تدخلت قوى الغيب، ببساطة حدوثها المعهود، فامرتها بالتوقف عن الصدور نهاية سنة 2002 وكأنها كانت تعلم ان النظام سيسقط فقالت: كفى. هذا أمر في منتهى الغرابة بنظرها. واكب صدور هذه الدورية الصغيرة فترة حصار كثيف وتعتيم على الثقافة الهادفة والمثقفين العراقيين التقدميين، من الصعوبة أن يكتب المرء ما كان يدور بخلده صراحة وعلنا،ً وكثيرا ما دفع البعض حياته ثمناً للتفوه بكلمة. كانت المجلة نافذة مشرّعة لحرية النشر والتعبير، لا يعتمد فيها إلا على جودة النص، وهذا شعارها منذ مقدمة العدد الأول.

مسرحية الصف فقط:

مع نشوب الحرب العراقية / الإيرانية، في بداية الثمانينيات، كتبت هذه المسرحية. طرحت مشكلة المجتمع المتخلف تجاه المرأة المفكرة والعاملة لأنها دائما بنظره مجرد جسد فحسب. لم تمثل في البلاد العربية لكنها لاقت اهتماما عندما مُثلت على مسرح جامعة (بافلو) في نيويورك، خريف سنة1990، أثناء ما كانت المؤلفة مدعوة في (برامج الكتابة العالمي) الذي تقيمه جامعة (أيوا) سنويا مع أدباء من كافة أنحاء العالم، لمدة ثلاثة أشهر. و لسميرة مجموعتان قصصيتان صدرتا أثناء مشوارها الأدبي هذا، هما(الغناء) و (الروح وغيرها) أمتازتا،ككتاباتها الأخرى، بالعودة إلى أجواء أليفة كدنا ننساها كما يقول الناقد العراقي عبد الجبار عباس ويكمل في كتابه (في النقد القصصي) قائلا: " أو نـيأس من رؤيتها في أعمال قصاصينا، لفرط ما بالغوا قي الابتعاد عنها، ولفرط ما شُغلنا نحن عنها بهذا الجديد القصصي الذي طغى من حولنا طغيانا افتقدنا، بسببه، في أغلب ما نقرأ ذلك النبع القصصي الدافق الذي طالما أمدّ كتاب القصة في كل مكان: نبع الحياة اليومية التي نعيش ونعرف همومها وصورها ورائحتها والوانها... ".