كينزابورو اوى يحكي عن اسطورة قريته

Wednesday 22nd of March 2023 12:54:29 AM ,
5394 (منارات) (نسخة الكترونية)
منارات ,

كامل يوسف حسين

اعاني من العزلة ويغمرني حزن جارف عندما أتأمل وضعي الراهن في عالم الإبداع، المثقفون اليابانيون لم يبدعوا نظريتهم الثقافية لأنهم يفكرون من خلال أوروبا وأمريكا، أعارض بشدة تصدير الثقافة اليابانية إلى العالم واليكم أسباب موقفي:

عندما أعلنت لجنة الأكاديمية الملكية السويدية فوز الروائي الياباني كينزابورو أوى بجائزة نوبل في الأدب للعام 1994م، لم يكن ذلك مفأجاة لكثيرين على مستوى العالم كله، فالكاتب الكبير معروف في العديد من الدوائر العالمية، لا بفضل إبداعه الروائي فحسب، وانما كذلك بحكم نشاطه الكبير في ميدان حقوق الانسان ورفض سباق التسلح النووي العالمي، ولم يكن سرا أن اسمه مدرج منذ سنوات في القائمة القصيرة للمرشحين بالجائزة، وقد نوقشت احتمالات فوزه بها مرات عديدة، ونشر جانب من هذه المناقشات في أكثر من دورية واحدة، أبرزها مجلة "ورلد لتر تشر توداي".

هكذا فإنه خلافا لما أشارت اليه الصحف وأجهزة الإعلام العربية، في حينه، لم يكن فوز أوى مفاجأة لأحد، وكل ما هنالك انه لم يكن لدى البعض من المعلومات عن أوى ما يتوافق مع ما درجت عليه الدوائر العالمية من اهتمام كبير بالفائز بهذه الجائزة بصفة خاصة.

وفي عالمنا العربي، كان من حسن الحظ حقا أن القارىء العربي وجد لديه، وبلغته الأم، عملين للكاتب الياباني الكبير، هما "مسألة شخصية" التي ترجمها الشاعر وديع سعادة وصدرت عن مؤسسة الابحاث العربية في إطار سلسلة "ذاكرة الشعوب " في العام 1987، ومجلد "علمنا أن نتجاوز جنوننا" من ترجمة كاتب هذه المقدمة واصدار دار الآداب البيروتية في العام 1988، والذي يضم أربع روايات قصيرة، هي على التوالى: "علمنا أن نتجاوز جنوننا" و" يوم يكفكف دمعي بنفسه " و"الجزاء" و" أجوى المسخ السماوي".

ورغم وجود مقدمة مطولة عن كينزابورو أوى تتصدر "علمنا أن نتجاوز جنوننا"، فان القارىء العربي، في اعتقادي، يظل بحاجة لمعرفة المزيد عن كينزابورو أوي، وعن المؤثرات في أدبه، وأبعاد عالمه الروائي، خاصة وأن هذا العالم لا يفتقر إلى التركيب، إن لم نقل التعقيد، ومن هنا تأتى أهمية هذه المقابلة التي أجريت مع أوى خلال زيارته لهاواي مؤخرا، والتي ظل خلالها محتفظا بروحه المعنوية العالية، على الرغم من أن ابنه الذي ولد باعاقة ذهنية دائمة كان مايزال في غمار جهوده الشاقة لتحقيق التواصل العملي الأول مع العالم، عبر اصدار اسطوا نته الأولى التي تضم أعمالا موسيقية كلاسيكية كما كان أوى حزينا وفي حالة تأثر شديد، عقب تعرض زوج شقيقة زوجته، المخرج الذائع الميت جوزو ايتامي للطعن بخنجر حاد من أحد اعضاء العصابات اليابانية الشبيهة بالمافيا، والمعروفة تقليديا باسم "الياكوزا" ردا عي هجوم ايتامي على هذه العصابات وسخر يته منها في أحد افلامه.

وقد رد أوى على الاسئلة خلال المقابلة التي نشرت في مجلة "مانوا" الصادرة عن جامعة هاواي تحت عنوان "اسطورة قرية كينزابورو أوى" باللغة الانجليزية بلكنة يابانية، ولكن بتواصل يحمل روح أوى المرحة.

ولمجرد إعادة التذكير بالحقائق الأساسية المتعلقة بكينزابورو أوى لمن يطالع هذا الحوار دونما معرفة مسبقة بجانب من المعلومات الضرورية عنه لكي نتمكن من فهم ومتابعة ما يطرحه هنا، نشير إلى أن الروائي الياباني الكبير ولد في العام 1935 في قرية أرسى، في مقاطعة إيهايمي، بجزيرة شيكوتو اليابانية الواقعة في غربي اليابان، على أرض تحكمها الأعراف الريفية التقليدية، وفي تجمع قروي يتميز بالمحبة العميقة بين أبنائه، وكذلك بشىء من غرابة الاطوار، وهما العنصران اللذان سيشكلان أرضا خصبة لانطلاق خيال أوى.

وقد درس أوى الأدب الفرنسي في جامعة طوكيو، بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال مرحلة الدراسة نظم قصائد "الواكا" وكتب المسرحيات والقصص القصيرة، ليلقى الضوء على الحياة في مسقط رأسه، وليبرر ويفسر هذا الطابع الشديد الخصوصية، الذي تتميز به هذه المنطقة، ولو لنفسه في المقام الاول، ودارت أطروحة تخرجه عن التصوير في روايات جان بول سارتر.

وفي العام 1958 وخلال درا سته الجامعية كذلك، فاز بجائزة أكوناجاوا، المخصصة لألمع الكتاب الشبان في اليابان، عن روايته القصيرة "الطريدة "، وانطلق مشواره الادبي، وسط صيحات نقدية تؤكد أنه أهم كاتب يظهر في اليابان منذ يوكيوميشيما.

وفي العام 1964 عقب ميشيما نفسه على رواية أوى "مسألة شخصية " بقوله: "لقد وصل كينزابورو أوى الى ذروة جديدة في رواية ما بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان. وهذا الحكم يفرض نفسه الآن بمزيد من القوة، بعد ثلاثين عاما من اطلاقه ".

وقد تتابعت رواياته التي حصدت العديد من الجوائز بانتظام، ومن أبرز هذه الروايات "اقطفوا الزهور، اقتلوا الاطفال " (1958) و" عصرنا " (1959)، و" الصرخات " (1963)، و" مسألة شخصية " (1964). اما العمل الذي اثار اهتماما دوليا بأدب أوى فهو "الصرخة الصامتة " والذي اشادت به اللجنة الملكية السويدية في بيانها عن منحه جائزة نوبل لأوى وكذلك أشادت بروا يته "رهان العصر" (1979). أما عمله الموسوم "النساء يصفين لأشجار المطر" (1982) فهو يدور في جانب منه في هونولولو وعلى وجه التحديد في مصحة للأمراض العقلية وهناك كذلك "انهضوا يا شباب العصر الجديد" (1983) و" عضة فرس النهر" (1985)، و" الحكاية العجيبة " ل. أ. م والغابة " (1986) و" رسائل لسنوات الحنين الى الوطن " (1987) و"ا لحياة – الأقارب " (1989) و" حياة هادئة " (1990) ورواية من روايات الخيال العلمي بعنوان "علاج البرج " (1991). أما آخر عمل عكف عليه أوى فهو ثلاثيته "الشجرة الخضراء الملتهبة ". وكان ان قد أصدر مجلدين منها بالفعل لدى إعلان فوزه بجائزة نوبل هما "عندما هزم المخلص " (1993) و" التذبذب ". وما تزال الرواية الأخيرة في الثلاثية رهن الإصدار.

غير أن أعمال كينزابورو أوى لم تقتصر على الاصدارات الابداعية وحدها، وانما كانت له مساهمات متميزة في مجالات أخرى، فقد أصدر كتابا في الجغرافيا السياسية، كانت له اصداء بارزة، هو "مذكرات هيروشيما" (1965) وفيه لا يتجلى اهتمام أوى بالطاقة النووية وقدرتها الرهيبة فحسب، وإنما يبرز كذلك ملامح اهتمامه الاستحواذي بالمعاناة والعذاب اللذين تعرض لهما أبناء هيروشيما نتيجة لالقاء القنبلة الذرية الأمريكية على مدينتهم، وهو موضوع ينثر اصداءا لشكل المشوه على امتداد جانب كبير من عالم أوى الروائي، وهناك أيضا كتاب "مذكرات أوكيناوا " (1970) الذي يكشف التزام أوى على امتداد عمره، وفي مواجهة ضارية مع القوى الامبراطورية، بالحفاظ على الهامشي، على الريفي، على المعوق، المشوه، المختلف، والمغاير، أو كما يعبر ما سوسيوشى في كتابه الشهير على ما هو بعيد عن موقع الوسط.

وكما تشير هذه الموضوعات، فإنه على الرغم من تأثر أوى العميق بالفلسفة الوجودية، وتحليقات خياله على نحو ما نرى في "مسألة شخصية " على سبيل المثال، إلى الترديات الجنسية المروعة على حافة الهوة الوجودية، فان أعمال أوى تظل ضاربة الجذور بقوة في مشكلات الرؤية الاخلاقية والحركة السياسية.

أخيرا، وقبل أن أدع القارىء مع هذا الحوار الفريد، يهمني أن أشير في نهاية هذه المقدمة، التي أمل أن طولها النسبي لم يشر ضيق القارىء العربي ولا شعوره بالضجر، إلى نقطتين محددتين:

* لقد كان أوى، رغم حبه الشديد لبلاده وتأكيده أنه لا يكتب إلا وعينه على القارىء الياباني وحده، هو الذي أكد في مقال شهير له على ما أسماه بـ "حق القطيعة مع اليابان " وهو حق يرى أنه من خلاله وحده يجترع التواصل مع الانسان الياباني البسيط، وبمعنى ما مع الإنسان في كل مكان. إنه يرفض اليابان الأخرى، يابان الامبراطور، يابان ثقافة المركز، يابان قولبة الإنسان في اطار نشاط المؤسسات العملاقة وتقزيم الشر، من خلال تغريبهم، وسلب إبداعهم الإنساني؟ وذلك لحساب تحقق يابان أكفر إنسانية وصدقا مع النفس ومع الاخوين، كما يأمل الكاتب الياباني الفائز بجائزة نوبل.

* في مواجهة نزوع الكثير من كتاب العالم الثالث إلى الخروج من جهودهم، والانسلاخ من هذا العالم الذي ينتمون اليه، والرحيل بالروح وبالفكر وبالجسد أيضا إلى الغرب، وبالتحديد إلى اوروبا، فإن أوى كان هو الذي شدد على انتماء اليابان، رغم تقدمها الكبير، الى العالم الثالث، وكتب في مقال يؤكد فيا على قوى الهامش، قوى الروح والطبيعة والميثولوجيا المحلية في مواجهة الهيمنة من الداخل والخارج، يعرف مهمته، باعتباره كاتبا يابانيا، بقوله: " إن مهمة الكاتب في اليابان هي أن يكتب كلماته واحدة إثر الأخرى، وفي ذهنه فكرة محددة عن إعادة الترتيب الشاملة للصيقة التوحيدية الثقافية في بلاده وفي غيرها من دول العالم ".

وفي عصر تسوده اهتمامات عالمية، يعمد القوس تحت ظلاله الى التخلى، ويتعمد الدولي في تضاعينه اللجوء الى البطش، وتتبنى الثقافة المحلية صيغة توحيدية ثقافية قوامها الربح المادي فان قيمة كينزابورو أوى الحقيقية تكمن في انه يرفع الصوت عاليا دفاعا عن الهامشي، عن البعيد عن موقع الوسط، عن قوى الروح غير التقليدية الباحثة في لهفة عن تعبير عنها يتكافأ مع طاقاتها الهائلة المحزونة، سواء أعان هذا الهامشي في شيكوكو أو هيروشيما أو كوريا الجنوبية أو أوكيناوا أو الصين أو النفس أو الأركان القصية من عالمنا العربي الغارقة في التراب والتعاسة والرعب.

الآن، نبدأ في قراءة الحوار:

* ستيف برادبوري: أود أن أطرح عليك سؤالين، من وحي كتاب ما ساد سيوشى الصادر مؤخرا بعنوان "بعيدا عن موقع الوسط ". فقد جعلك سيوشى على نحو ما بطل الصورة التي رسمها للأدب الياباني الحديث، وهو يذهب الى القول بأنك واحد من قلة محدودة من الكتاب الجادين مازالت موجودة في اليابان، وتحظي بحماس واسع النطاق من الجمهور، ومن الامور التي يقولها انه منذ حوالي العام 1970 شهدت اليابان انتصار الثقافة السلعية والقومية القائمة على صرح المؤسسة، وفي خلال ذلك الوقت فان الكتابات النقدية الجادة قد تهاوت على الطريق بشكل حقيقي، وحل محلها نوع من الممارسة الأدبية يكاد يتطابق مع النزعة الاستهلاكية، بل انه يدرج قائمة بالكتاب الذين تنتقدهم بدورك بشدة، مثل هاروكي مور اكابي وآخرين، واتساءل عما إذا كنت تشارك ميوشى رؤيته القاتمة، فيما يتعلق بالكتابات اليابانية المعاصرة، حيث أنا يخيل الي بعد الحديث معك أنك تبدو متفائلا إلى حد ما.

-كينزابورو أوى: إنني أجد دراسة سيوشى حافلة با لمعلومات إلى حد بعيد، ولكن إذا شئنا الحديث بصراحة، فإنه لا يكاد يمكن القول عنى اليوم بأنني أحظى بحماس واسع النطاق من الجمهور. وعلى امتداد السنوات العشر الأخيرة قمت باصدار ما متوسطه كتاب واحد سنويا، وقد بيع من كل كتاب منها ما يتراوح بين ستين ألف نسخة. ومائة ألف نسخة ولكن قبل عشرين عاما كان يباع من كتبي مائة ألف نسخة على الأقل في الطبعة ذات الغلاف السميك وحدها على الدوام، حتى في حالة الكتب التي تضم مجموعات من مقالاتي. وقد شهد كل عام انخفاضا في المبيعات. وقبل عشر سنوات كانت تباع من الطبعة ذات الغلاف الورقي من كتاب جديد لى ملايين النسخ، أما الآن فان عدد النسخ ذات الأغلفة الورقية التي يمكنني توقع بيعها أصبح صغيرا للغاية، أي تقريبا في حدود عدد نسخ الأغلفة السميكة، في معظم الحالات. ولكن المؤلفين الشبان، مثل رديو موراكامي وهاروكي موراكامي ويوشيموتو بانانا يبيعون كتبهم بشكل جيد وخاصة في حالة الطبعات ذات الغلاف الورقي، ولا يمكن مقارنتي بهم. مازال لي بعض القراء، ولكن المستقبل الآن مظلم للغاية (قال العبارة الأخيرة ضاحكا).

هناك العديد من الكتاب الجادين في اليابان، مثل يوشيكتتشي فوردي، ويوكو توشيحا، وماكونو أوكا، وتايكو كونو، وغيرهم. وأعتقد أن عدد قرائهم يدور حول العشرين ألفا، أو حتى أقل من ذلك.

* ستيف برادبوري: من الأمور المثيرة للاهتمام التي طرحها سيوشى إنه حتى على الرغم من انك تشكل صوتا ناقدا بارزا، إلا أن شهرتك ذاتها قد دفعت باتجاه جعلك معزولا. وهو يحاجج بأنه كما في حالة معظم الأصوات التي ترتفع بالنقد في اليابان فإن صوتك عزله التوقير والاجلال اللذان تحظى بهما، وكنتيجة لذلك فإن الناس يترددون كثيرا في الدخول في أي نقاش معك. وعلى أكثر من نحو فإن جوهر كتابه هو القول بأنه ليست هناك كتابه جدلية معارضة في اليابان اليوم. هل توافق على وجهة النظر هذه؟

– كينزابوروأوى: (ضاحكأ) أعتقد أن سيوشى كان شديد الكرم معي. نعم، إنني مؤلف معزول، وبصقة خاصة على الساحة الأدبية، وانني لأشعر بالعزلة الشديدة، ولكن سيوشى بالغ في اضفاء الطابع المثالي على موقفي، ولست استطيع دعم وجهة نظره بقوة، فعلى سبيل المثال ليس بمقدوري العثور على أحد ينشر كتبي باستثناء دار شينتشوشا.

* ستيف براد بوري: كانت اليابان شديدة العدوانية في غمار المنافسة على تصدير التكنولوجيا، كالسيارات، وأجهزة الفيديو وما إلى ذلك. هل تعتقد أنه سيأتي وقت تحاول فيه اليابان تصدير ثقافتها بالعدوانية ذاتها؟ وبتعبير آخر هل تعتقد أن الثقافة اليابانية ستصبح ذات يوم ثقافة عالمية وليست يابانية فقط؟.

* ستيف برادبوري: في "هوية اليابان المزدوجة ": ورطة كاتب.. وهى ورقة ساهمت بها في مؤتمر تحدى ثقافة العالم الثالث في جامعة ديوك في العام 1986 ذهبت إلى القول بأن هوية اليابان المزدوجة قوامها ان اليابان دولة من دول العالم الثالث تخلت عن وضعيتها العالم ثالثية، وأن علاقتها بالعالم الثالث، وبخاصة جاراتها الآسيوية هي في حالة يرثى لها حقا. هل لاحظت أي تغير في احساس اليابان بالهوية خلال السنوات التي انقضت منذ مؤتمر جامعة ديوك؟.

-كينزابورو أوى: بوسعي الاجابة بنعم ولا كليهما. لا، بمعنى أن من يسمون بالمثقفين اليابانيين لا يتغيرون أبدأ، فهم على الدوام يفكرون من خلال أوروبا وأمريكا، وهكذا فإنهم لا يقيمون صرح نظرية خاصة بهم أبدأ. ولست أدري السر في ذلك حقا. وإنني ليساورني على الدوام شعور بأنه يتعين علي تغيير منظوري كلية، ولكنني حتى الآن لم أنجح في ذلك. وأعتقد أن أمامي عشر سنوات حتى موتي، ككاتب (ضحك) وبالتالي فلدي شعور بالتعجل في إنجاز الأهداف التي تحدثت عنها في المؤتمر: "اختفاء الطابع النسبي" على هيمنة الامبراطور على اليابان من خلال تصوير الاقاليم الهامشية في البلاد عبر "الواقعية الغرائبية ".

هناك عدد من المثقفين اليابانيين الشبان، الذين لم يتسع نطاق شهرتهم للغاية، ولا يقوم أي منهم بالتدريس في الجامعات الكبرى، وهم يحاولون التعاون مع المثقفين والناشطين من الدول الآسيوية. وعلى سبيل المشال فقد أنجزوا كتابا عن "الايانفو" أو "المسريات " (آلاف النساء الكوريات والفتيات اللواتي كان يتم خطفهن بانتظام واستخدامهن كعاهرات من قبل العسكريين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية) يضم مساهمات من المثقفات الكوريات المتصديات لقيادة الحركة النسائية في بلادهن. وهم يؤلفون كذلك كتابا عن الاستغلال الياباني لمزارع الموز، وبالتدريج ومن خلال حركة على مستوى القاعدة تتصف بالشمول فانهم يخلقون مناخا جديدا للحرية الأكاديمية. وقد التقيت في لوس انجلوس بالعديد من المثقفين والطلاب الأمريكيين الذين تواصلوا مع هذا الجيل الياباني من المثقفين الشبان. وقبل عشر سنوات، ولدى حواري مع خريجي الجامعات الامريكيين كانوا يتحدثون على الدوام عن المثقفين العظام مثل ساساو مار وياما وسابورو موريفاجا أما الآن فإنني ألاحظ أنهم يتحدثون عن هؤلاء المثقفين الشبان، بل ان بعض هؤلاء الامريكيين يمضون إلى اليابان ويقيمون في المدن الصغيرة، حيث يعملون كناشطين في مجال الاتصال بهؤلاء المثقفين الشبان، وانني لشديد التأثر بنشاطهم.

جويل كون: لدق سؤال آخر فيما يتعلق بما ساو سيوشى، فهو قد قارن ما يعرف في اليابان بـ "شوسيتسو" بالرواية الغربية منذ بعض الوقت ووجد لكل منهما خصائص بالفة الاختلاف. فهل تجد أن هذه الخصائص مختلفة بدورك فيما يتعلق بالقراءة والتأليف (يلاحظ أن الشوسيتسو قد وصفها أوى على النحو التالي: "في اليابان هناك تقليد ياباني يعرف باسم "واتا كوشى- شوسيتسو" أو رواية الأنا التي تأثرت بالرواية الغربية. ونحن نكتب عن أنفسنا، عن كيف ننهض من نومنا، ونتناول طعام إفطارنا وما الى ذلك، وهذا هو الواتا كوشى –شوسيتسو).

– كينزابورو أوى: نعم، اعتقد أن سيوشى قد أصاب كبد الحقيقة. وعندما نقارن نوعية الشوسيتسو التي يتحدث ميوشمى عنها، وعندما ننظر اليها من خلال معايير النقد الدولي أو الأوروبي، فانها لا يمكن أن تصمد للنقد العالمي، فهي لا تضم عناصر الرواية المحقة. ولست أظن أن الشوسيتسو هي نوعية الخطاب الروائي الذي يحتمل نقدا ثقيل العيار، وذلك لاعتبار محدد هو أنها لم يتم إخضاعها لنقد نظري متواصل في اليابان. وهناك اعتبار آخر هوانها لم تتلق أي مداخلة نقدية قوية على الصعيد الدولي.

جويل كون: أعتقد أن سيوشى من شأنه أن يذهب الى القول بأننا إذا نحينا جانبا الاهتمامات التقويمية، فان الشوسيتسو تنتمي الى نظام يختلف تمام الاختلاف عن ذلك الذي تنتمي اليه الرواية وبالتالي سيكون من المستحيل، بل ومن العبثي، ان نعقد مقارنة بينهما، بغض النظر عن أيهما قد تكون أفضل من الأخرى. ومن الجلى أنه بين أعمال الشوسيتسو فإن هناك أعمالا من نوعيات متباينة، ولكن النظر اليها من منظور نقدي يقوم على أساس فن الرواية الغربي سيثير عن طواعية ألوانا شتى من سوء الفهم.

– كينزابورو أوى: اتفق معك في ذلك، فعلى سبيل المثال هناك من يقولون إن "حكاية جينجي" هي أول رواية في العالم. وأظن أن هذا القول غير دقيق. وقد يكون من الممكن القول إن "الكوميديا الالهية " لدانتي هي أول رواية عظيمة ومتكاملة وحقيقية من العالم، ولكن القول إن "حكاية جينجي" هي أول رواية في العالم هو خطأ. ان هناك خلافات من حيث المفهوم بين "حكاية جينجي" وبين الرواية الأوروبية. وما يعترض عليه سيوشى هو أن الشوسيتسو اليابانية يتم تقويمها وفقأ لمعايير تبتعد عن الصرامة والتدقيق بصفة خاصة. وبمقدوري أن اتعاطف مع هذا. ان ما نحاول القيام به هو خلق فن روائي يمكن أن يطلق على ابداعاته وصف الروايات حتى إذا كانت تقاس بمعايير الروايات في اوروبا وأمريكا وآسيا وافريقيا.. الخ. واعتقد اليوم أن هناك أعدادا كبيرة من الشوسيتسو التي يمكن توصف بأنها روايات بالمعني الدولي للكلمة.

عن مجلة نزوى 1995