البيروني أديبا

Wednesday 29th of March 2023 12:12:33 AM ,
5399 (منارات) (نسخة الكترونية)
منارات ,

حسيب شحادة

يعرف البيروني عند الأوروبيين باسم Maître Aliboron‏. ذاع صيت أبي الريحان محمد بن أحمد البيروني (٩٧٣-١٠٤٨) بالرياضيات والفلك على‎ وجه الخصوص إلا أنه أدلى بدلوه في علوم كثيرة أخرى مثل الطب والجيولوجيا والمعادن والجغرافية والتاريخ‏.

هذا العالم الموسوعي الفريد في نوعه خلّف وراءه عددا كبيرا من المؤلفات وصل تعدادُها حوالي المائة والخمسين وسماها أبناء له‏. عاش البيروني ما بين عام ٩٧٢م إلى حوالي عام ١٠٤٨م وعاصر عالمين عظيمين هما أبو علي بن سينا الطبيب والفيلسوف والحسن بن الهيثم العالم الفيزيائي‏. لُقّب أبو الريحان بـ"البيروني‏" نسبة إلي "‬بيرون‏" ومعناها بالفارسية "‬الخارج‏". عاش البيروني مدّة طويلة في مدينة "‬غزنة‏" الواقعة بين الهند وخراسان‏. كما وعاش في الهند سنين طويلة وترجم العديد من المؤلفات الهندية إلى العربية كما وقام بترجمة أعمال إغريقية من ترجمتها العربية إلى اللغة السنسكريتية‏. يكفي البيروني فخرا أنه توصل إلى أن السبب في تفاوت الليل والنهار يعود إلى دوران الأرض حول نفسها وليس السبب في ذلك الشمس‏.

يكفي هنا أن ننوه بما قاله المستشرق الألماني ادوارد سخاو المتوفى عام ١٩٣٠‬عن البيروني "‬إنه أكبر عقلية ظهرت في التاريخ‏". هذا القول شبيه جدا بما قاله ياقوت الحموي المتوفى عام١٢٢٩م "‬لم يأت الزمان بمثله علما وفهما‏". استخدم البيروني المنهج العلمي الجادّ، ويعتبر من القلائل الذين تكلموا عن حركة الأرض حول نفسها وعن الجاذبية‏. كما وقاس محيط الأرض وتتطرق إلى تقسيم الزاوية وأوجد أطوال الأشكال الهندسية المنتظمة وأعدّ الجداول الرياضية‏. بعبارة وجيزة، يمكن القول بأن البيروني يمثّل عبقرية العلم العربي الإسلامي، ففي نظره المعرفة الدقيقة هي الغاية المبتغاة‏.

تتميز لغة البيروني بالرصانة والدقة والعذوبة وقد أحبّ العربية حبا جمّا وهو الفارسي الأصل فقال إن العربية لغة العلم والمعرفة والفارسية للقصص والسمر. يذكر ياقوت الحموي في مؤلَّفه الشهير "‬معجم الأدباء "‬البيروني قائلا "‬وإنما ذكرته أنا ها هنا لأن الرجل كان أديبا أريبا لغويا، له تصانيفُ في ذلك رأيت أنا منها‏: كتاب شرح شعر أبي تمام رأيته بخطّه لم يتمه، كتاب التعلل بإحالة الوَهم في معاني نظم أولي الفضل، كتاب تاريخ أيام السلطان محمود وأخبار أبيه، كتاب المسامرة في أخبار خوارزم، كتاب مختار الأشعار والآثار ".(١٧/١٥٨). لا غرو في ذلك فالبيروني كان واسعَ الاطّلاع والمعرفة من حيث اللغاتُ والثقافات العربية والفارسية والهندية وكان قد قارن بين العربية والهندية‏.

وكل من يتصفح كتاب " الصيدنة‏" للبيروني يجد دون كبير مشقّة كمّاً هائلا من الأبيات الشعرية والأمثال والحكم‏. لا يمكن القول بأن البيروني كان شاعرا إلا أنه كمعظم علماء الحضارة الإسلامية كان مغرما بالشعر وقرضه‏.

من أشعاره‏:‬

إذ لستُ أعرف جدّي حق معرفة وكيف أعرفُ جدّي إذ جهلتُ أبي

إني أبو لهب شيخ بلا أدب نعم ووالدتي حمّالة الحطب

المدح والذمّ عندي يا أبا حسن سيّان مثل استواء الجدّ واللعب

ومَن حام حول المجد غير مجاهد ثوى طاعما للمكرمات وكاسيا

وبات قريرَ العين في ظلّ راحة ولكنه عن حُلّة المجد عاريا

فلا يغرُركَ مني لين مسٍّ تراه في دروسٍ واقتباسِ

فإني أسرعُ الثقلين طرّا إلى حوض الردى في وقت باسِ

تُنغِّصُ بالتباعد طيب عيشي فلا شيءٌ أمرّ من الفراق

· عن الحوار المتمدن