في الأربعينيات..المجلس النيابي وحرية الصحافة والمجالس العرفية

Sunday 9th of April 2023 11:51:00 PM ,
5407 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. علي طاهر تركي

سعى النواب الى التخفيف والحد من الضغوطات الحكومية التي مورست على الصحافة والصحفيين مستندين على ماتضمنه الدستور العراقي من صيانة لحريات إبداء الرأي والنشر والإجتماع وفق ما جاء في متن الدستور ما يكفل ذلك ،

لذا أصبحت المطالبة بتطبيق مواد الدستور وضمان حرية الرأي والنشر لكل ابناء الشعب وبالاخص عند تكرار فرض الحكومات للاحكام العرفية ...مطلبا اساسيا للنواب الذين لم يألوا جهداً في هذا السبيل ... فعلى سبيل المثال ، ربط النائب جعفر حمندي (الحلة) في سياق حديثة عن الحريات العامة بين حرية الصحافة وبين البناء الفكري للرأي العام ككل ، مؤكداً على " ان الديمقراطية مبنية على اركان اولها الفصل بين السلطات وثانيها حرية الرأي ... اما حرية الرأي فهي تجري عادة على لسان الصحافة ... وهذه اذ لم تـــؤد رسالتها على الوجه المطلوب فهي تضلل الرأي العام ...".

وفضل النائب سليمان الشيخ داود (بغداد) ان يضرب في مطالبته بحرية الصحافة مثالاً بالفيلسوف الفرنسي فولتير عندما قال "اذا كنت اخالف رأياً او عقيدة فاني سادافع عن حق ابداء هذا الرأي كما ادافع عن رائي الذي اؤمن به" ، داعياً الحكومة الى السير على الخطوط الرئيسية لكلام لفيلسوف الفرنسي ، وترك الاساليب القسرية التي اعتادت على خنق الصحافة بها.

وكان للنائب سعد صالح (الديوانية) خطبة استعرض فيها حرية الصحافة مطالباً بدأً بحرية التعبير عن الرأي من خلال فسح المجال للأحزاب السياسية بالعمل والتعبير عن إرادة الشعب والدفاع عن حقوقه كل حسب قناعته واجتهاده ، ليصل الى حرية الصحافة التي عَدّها وسيلةً للنهوض بمستوى الشعب والحل الأمثل لمشكلاته، إذ يقول في ذلك ما نصه:

" نريد حرية نحارب بها الرذيلة،نحـتاج إلى صحـــافة

وأحـزاب سياسـية ومنظـمات إجتمـاعية تتـسابق

لبـعث الفضيلة وتشجيع الكرامة الوطنية فالبلاد التـي

تنمو فيها الموبقـات والآثام لا تعيش فيـها الفـضائل

والأمـجاد ،والأمـة التي تتعود على احتمـال الهوان

تموت ميتـة الجبنـاء فيدوس التاريـخ جثتها بأقدامه

احتقاراً ".

وفي اطار انتقاده للاوضاع الداخلية عبر النائب محمود رامز (بغداد) عن امتعاضه الكبير لاستغلال وزير الداخلية مصطفى العمري للاحكام العرفية ليغلق في كل يوم جريدة بحجة تعرضها لبعض الشخصيات الذين يريدون ان يتشبهوا بالزعماء حسب تعبير النائب الذي وجه نصحه لهؤلاء بان يكونوا رحيبي الصدر لانهم ليسوا ملكاً لانفسهم بل ملكاً للامة ... حيث يقول في ذلك ما نصه:

"لايجوز لوزير الداخلية سد الجـرائد عندما

تكتب على حمدي او الوزراء او محمود

رامز او غيرهم من الاشخاص".

وفي تتمة كلامه تسائل رامز من وزير الداخلية عن معنى وجود الاحكام العرفية في الوقت الذي كان يجب ان يكون الحكم بيد الجرائد باعتبارها الواجهة والممثل الحقيقي للرأي العام ... ليطالب بناء على ذلك الاساس بحرية الصحافة واستثنائها من سطوة الاحكام العرفية .

وسجل النواب وقفتهم بوجه الحكومات المتتالية التي اعقبت استقالة وزارة توفيق السويدي ومجئ وزارة ارشد العمري الأولى(1 حزيران 1946- 14 تشرين الثاني 1946) وبعدها وزارتي نوري السعيد التاسعة صالح جبر التي عدها احد الباحثين "تهديدا للحياة الديمقراطية" و"جزرا في الحياة السياسية"، حيث تعرضت الأحزاب والصحافة الى التعطيل والمحاكمة ما اثار حفيظة النائب ذيبان الغبان (بغداد) الذي استنكر على الحكومة سلبها حرية النشر والصحافة خصوصا تلك التي تختلف مع الحكومة وتدافع عن مظالم الشعب فيكون نصيبها "التعطيل المؤقت او المؤبد اوسحب الامتياز".

وحول الكيفية التي يتم بها فرض الأحكام العرفية على البلاد ، وابرز الضمانات التي يجب ان تتعهد بها الحكومة عندما تقدم على مثل ذلك الاجراء ... نقل النائب روفائيل بطي (البصرة) تجربة البلدان المجاورة كمصر وسوريا ولبنان في هذا المجـال ، مؤكداً على التزام حكوماتها في حالة فرض الاحكام العرفية باعطاء ضمانات بان لاتمارس الأحكام العرفية الا لقضية فلسطين ... مقارناً ذلك بما يجـري في العـراق اثـناء الإدارات العرفية التي لا تسـتثني شيء ، حيث يقول قي ذلك الصدد " اما الرقابة في العراق فانها تمارس اسوأ ممارسة ، وتستغل اسوأ استغلال " مسلطاً الضوء على جانب مهـم من جوانب سوء الاستغلال ألا وهو الصحافة ، مطالباً رئيس الحكومة بان يشرف بنفسه على كيفية تطبيق تلك الاحكام .

كما طالب النائب جعفر البدر (البصرة) بفسح المجال امام حرية "الصحافة الحزبية" التي طالها التعطيل الاداري اكثر من غيرها ... لا لجرم بعينه سوى لانها " تناولت اوضاع البلاد حسب خطتها المرسومة" ، مورداً تعطيل جريدة الاستقلال مثالاً حياً على ذلك.

وشارك النائب إسماعيل الغانم (بغداد) زملائه في التنبيه من خطورة الأحكام العرفية على مستقبل الصحافة التي وجدها "تردت اخيراً الى هوة عظيمة" بسبب عزوف الصحف عن نشر ماهو مهم ومفيد للصالح العام ... وتعرضها بدلاً عن ذلك الى سب وشتم بعضها البعض لتصبح خالية من أي موضوع جيد يذكر .

وعند مناقشة لائحة قانون الميزانية العامة المؤقتة لشهري تشرين الأول وتشرين الثاني لسنة 1948 في 4 تشرين الأول 1948 ، تطرق النائب جلال بابان (الموصل) الى موضوع حرية الصحافة ، إذ أكد في سياق كلامه عن الحريات العامة ان احترام حرية الصحافة هو في الوقت ذاته "احترام للرأي العام والقانون والوطن" ، كما أكد على ضرورة ان يكون هذا الاحترام متبادلاً من قبل الصحفي سواء كان ازاء الفرد أم الجماعة ، مبيناً اهمية تنبيه الحكومة ومحاسبتها على اهمالها في محاسبة الاشخاص الذين يرتكبون مخالفات قانونية .

وأعرب النائب علي رفيق(كركوك)عن اسفه لحال الصحافة العراقية التي أصبحت تحت رحمة الأحكام العرفية ، مشيراً الى استثناء تلك الاحكام لبعض ممن اسماهم بـ"اصحاب الامتيازات" بغض النظر عن كونهم يستطيعون ادارة تلك الصحف ام لا ؟ مناشداً وزير الداخلية بان يقتصد من منح الامتيازات لبعض الصحف التي نالت من سمعة الصحافة ... واصفاً اياها بـ"الاوساخ والاتربة التي امتزجت بالمعادن الثمينة فذهبت برونقها وجمالها" في مقارنة ذات دلالات عميقة مع تلك الصحف الاصيلة ، والتي ينالها التعطيل او الالغاء من مدة لاخرى .

وبعد استغلال وزارة الداخلية لموضوع الإعلانات الحكومية من اجل التأثير على الصحف المعارضة عن طريق فرض تلك الاعلانات عليها ... اشار النائب فائق السامرائي (بغداد) إلى ذلك بقوله: "إن الصحافة لا زالت تشكو من سوء توزيع الإعلانات الحكومية التي

بدأت الوزارة تتخذ منها وسيلة للهيمنة على الصحافة ووضع العراقيل

والعقبات أمام الصحف المعارضة في وقت تجعل فيه من هذه الإعلانات

أداة لإغداق المنافع على الصحف الموالية..." .

مطالباً تولي جمعية الصحفيين مسؤولية توزيع الإعلانات الحكومية بدل مديرية الدعاية العامة.

واشار النائب عبد المجيد القصاب (بغداد) الى جانب اخر من جوانب مظلومية الصحافة العراقية ...الا وهو " استهتار" مدير الدعاية في منح امتيازات الصحف لمن يشاء ، حيث دعا القصاب زملائه النواب الى الاطلاع على الكتب الرسمــية الموجودة في مديرية الدعاية ليتبينوا صحة كلامه ... محذراً من مغبة سيـاسة "المحسوبية والمنسوبية " التي تسير عليها مديرية الدعـاية في حرمان اصحـاب الصحف الاخرى مما يتمـتع به اولئك المقربون من مدير الدعاية.

واستغل النائب رمزي العمري (الموصل) فرصة زوال اسباب فرض الاحكام العرفية من قبل وزارة السيد محمد الصدر ليطالب الحكومة مباشرةً بالغاءها عن الصحف لتاخذ دورها في ممارسة نشاطها الطبيعي في توجيه المجتمع ... وهو عين ما ذهب اليه النائب محمد مشحن الحردان (الدليم) عندما حث الحكومة لتخفيف الضغط على الصحافة ، مشيرا الى مدى خطورة ذلك بقوله: "ان اعطاء الصحافة حريتها ضروري لكي توجـه الرأي

العام وتعبر عما يشعر به الناس بمختلف طبقـاتهم ...

وان بـقاء الوضع على ما هو علـــيه الان بعيد عن

الديمقراطية ... وهذا خطـر جسـيم على البـلاد " .

وفي انتقاد لاذع وجهه النائب عبد الكريم كنه (بغداد) لحكومة جميل المدفعي السابعة يعبر فيه عن مرارة والم كبيرين عندما تحدث عن إصـرار تلك الأخـيرة على ابقاء الاحكام العرفية بقوله: " فلترفع الرقابة عن الصحف لتفسح المجال للناس ليكتبوا

المذكـرا والمقـالات ، ويظهـروا ما في النفـوس مـن

غلــيان... يجب ان لاتكـون الموائد الطيـبة مدعـاة

لهدوئهم بل يجب ان يشعروا بجوع الجائعين والام الناس

وامتعاض المهمومين ".

وهنا نجد بان النائب قد وضع يديه على حالة سلبية اخرى عاشتها الصحافة العراقية إبان فرض الأحكام العرفية ...الا وهي قيام الحكومة بإرشاء بعض الأُسر الصحفية كي يماشوا الحكومة في سياساتها بتغطيتهم على هموم الناس وآلامهم .

عن رسالة:موقف المجلس النيابي من السياسة التعليمية وحركة النشر في العراق 1939-1958