هل كان للأمير عبد الإله دور في مصرع الملك غازي؟

Monday 17th of April 2023 12:51:02 AM ,
5412 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

د. عبد الهادي الخماسي

لقد اختلفت التفسيرات وتضاربت الآراء الى حد التقاطع, بخصوص موقف الأمير عبدالإله من حادثة مصرع الملك غازي, فناجي شوكت يصر على الاعتقاد (ان للأمير عبدالإله ونوري السعيد مساهمة فعلية في فاجعة الملك غازي, بالتعاون مع السفارة البريطانية في بغداد)

ويرى صلاح الدين الصباغ ان (الملك غازي قتل بموجب الخطط الانجليزية وعلل القتل بحادث سيارة لكن الشعب والجيش لم يصدقا هذا التلفيق, واتضح ان للوصي ولنوري اصبعاً في الموضوع) ومن جانبه يعتقد رشيد عالي الكيلاني (ان نوري وعبدالإله متواطئان في جريمة مقتل الملك غازي). اما عبدالرزاق الحسني فيعلق قائلاً: (وكان معروفاً عند الناس اجمعين, ان الملك غازي كان يكره ابن عمه عبدالإله كرهاً شديداً, حتى أنه كان لا يستطيع ان يراه في مآدبه الخاصة, كما انه لم يكن على وفاق مع زوجته الملكة عالية شقيقة الأمير عبدالإله, وان لم يكن مشتركاً في تدبير وتنفيذ مؤامرة قتل الملك غازي, فإنه بالتأكيد كان يعلم بتلك المؤامرة المحاكة والمدبرة لقتله التي نفذها الانجليز عن طريق نوري السعيد) ويذكر الكاتب الصحفي احمد فوزي: (ان الملكة عالية كانت قد أخبرت هشام الدباغ بأحد لقاءاته معها في قصر الرحاب, وقبيل وفاتها, بأنها على يقين بأن الانجليز هم وراء اغتيال زوجها, وان شقيقها الامير عبدالإله قد علم, بعد اتمام الاغتيال, بالفاعل الأصلي وبالمحرضين ولكنه بناء على نصيحة من نوري السعيد, قد أسدل الستار على ذلك) ويبدو ان ذلك الرأي فيه قدر من الحقيقة لأن (الحادث اذا كان مدبراً فإن نوري كان بطله حتماً) من هنا لا يستبعد ان حذر نوري السعيد الأمير عبدالإله من مغبة كشف الفاعل الحقيقي كي لا يكون مصيره مثل مصير ابن عمه (الذي غدر به نوري ودبر قتله بالتعاون مع الانجليز).

وعلى الرغم مما اشيع عن الأمير عبدالإله بأنه كان يكن في أعماقه غيرة دفينة من ابن عمه الملك غازي, بسبب ما يتمتع به الاخير من عرش يوفر له مظاهر الملك والنفوذ وما حرم هو من فرص تولي العرش في الحجاز بسبب ظروف سياسية جعلته يعيش عالة على ابن عمه الا اننا لم نعثر على دليل يشير الى وجود محاولات من قبل الامير عبدالإله للاطاحة بالملك غازي, باستثناء ما ذكره محمود الدرة قائلاً: (اجتمعنا في اواخر يوليو 1937 نحن الزمرة القومية في كلية الاركان بمعاون الشرطة مزاحم ماهر, والنقيب عبيد عبدالله المضايفي, لوضع خطة لاغتيال بكر صدقي خلال وجوده مع الملك غازي (في قصر الملح) الريفي بطريق ابي غريب, حين كانا يقضيان امسياتهما هناك وتكشف لنا بعد تعقيب مراحل خطة الاغتيال ان وراء المؤامرة الأمير عبدالإله الذي هيأ لتنفيذها احد الخدم, وانها تهدف الى التخلص من الملك غازي ايضاً, مما دعا رفاقي الى التخلي عن الخطة حرصاً على حياة الملك غازي) وحتى هذا الطرح يبقى بحاجة الى دليل مادي لاثبات صحته, لأن الأمير عبدالإله كان, في هذا الوقت, خارج العراق اصلاً, كما ذكرنا ذلك سابقاً. وما يعزز ما ذهبنا اليه رأي آخر مفاده: (ان السجل الشخصي للأمير عبدالإله لا يظهر اي توجهات مبكرة للعمل ضد الملك غازي, وعندما يكون من الصعب تحديد دوافعه فبالتأكيد من الصعب وضعه في صف الذين يريدون القتل, صحيح ان الأمير عبدالإله تمادى بالخضوع الى المطالب البريطانية غير ان هذا جاء لاحقاً وفي سبيل الاحتفاظ بمنصبه وصياً على العرش).

ويجب ان نشير هنا الى حقيقة اشار اليها احمد مختار بابان, هي (ان الرأي العام كان مضطرباً اثناء حادثة الملك غازي فتولدت عنده شكوك واستنتاجات ان الملك قتل, وقد جرى التركيز بين الناس في البداية على اتهام البريطانيين, ثم بعد ذلك جاء دور نوري السعيد, ثم الأمير عبدالإله بعد تعيينه وصياً على العرش). إن اختفاء الملك غازي عن المسرح السياسي ادخل السرور حقاً الى الاوساط البريطانية, لأن وفاته باعتراف وثائقهم كانت (احد الجوانب المفيدة جداً للمصالح البريطانية) وبالدرجة نفسها من السرور تلقت الأوساط البريطانية الحاكمة تعيين الأمير عبدالإله وصياً على العرش وقد عبر السفير البريطاني عن ذلك بالقول: (ان من المفرح ان يعين ابن عمه عبدالإله وصياً على العرش) لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في حياة الأمير عبدالإله السياسية, تمثلت بتسنمه الموقع الأول في السلطة وصياً على عرش العراق. أسرار الوصاية على اثر مصرع الملك غازي في الرابع من ابريل 1939 انتقلت حقوق الملك الدستورية الى مجلس الوزراء, الذي بدأ يمارس صلاحياته طبقاً للمادة الثانية والعشرين من (القانون الاساسي) ريثما يتم الانتهاء من اختيار خلف للملك الراحل وقد فجر هذا الانتقال والمداولات والاتصالات السابقة له هواجس جهات متعددة, ما لبثت ان تبددت بفضل الاجتماع السريع الذي عقد في البلاط الملكي في اليوم نفسه, برئاسة رئيس الوزراء نوري السعيد, وحضره رئيسا مجلسي الأعيان والنواب: السيد محمد الصدر ومولود مخلص, وعدد من رؤساء الوزارات السابقين والوزراء, ورئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني واجمع المجتمعون على أن يكون المرشح للوصاية من أمراء البيت الهاشمي حصراً بعدها جرى استعراض صفات وظروف الاشخاص المرشحين وهم: الامير عبدالله بن الحسين أمير شرق الاردن والأمير زيد بن الحسين والأمير عبدالإله بن علي. وقد وجد المجتمعون في انشغال الأمير عبدالله بأمور شرق الاردن مسوغاً مقبولاً لابعاد ترشيحه اما اخوه الامير زيد, وإن كان أفضل وأنسب شخص في رأي الجميع لأداء المهمة, إلا أنه استبعد من الوصاية لاعتبارات عديدة, ادى نوري السعيد دوراً بارزاً في اثارتها فلم يبق سوى مرشح واحد هو عبدالإله.

اختلفت الآراء حول الدافع الحقيقي الذي كان يدفع نوري السعيد ويحفزه على ترجيح كفة الأمير عبدالإله على الأمير زيد, فهناك من يرى ان نوري كان يعتقد بسهولة وجدوى ترويض الأمير عبدالإله القليل التجربة والخبرة, وربط رأي آخر هذا الدافع بولاء السعيد للبريطانيين الذين لو رغبوا في (تنصيب زيد بدلاً من عبدالإله لكان نوري أذعن للأمر, واقنع الناس بمزايا زيد وماضيه, واظهر لهم نواقص عبدالإله وعيوبه) واشار باحثون الى ان عزوف نوري عن الأمير زيد كان بسبب ما تردد عن ميوله تجاه الألمان مما لا يجعله مرشحاً مقبولاً لدى البريطانيين ويبدو لنا ان الرأي الأول غير بعيد عن الصواب وقد ذهب اليه غير نوري السعيد, فخيري العمري يقول: ان طه الهاشمي كان يعتقد ايضاً بسهولة السيطرة على الأمير عبدالإله (لخموله وقلة ثقافته وعدم معرفته بالأمور السياسية). بعد ان تمكن نوري السعيد من ازاحة كبير البيت الهاشمي وأخيه, سعى هو وأنصاره الى اقرار وصاية الأمير عبدالإله الذي تنطبق عليه الصفات والشروط المطلوبة فقد ذكر عبدالرزاق الحسني, نقلاً عن الدكتور صائب شوكت, الذي فحص الملك غازي, وتأكدت له وفاته, انه شاهد الأمير عبدالإله وتحسين قدري, رئيس التشريفات في ممر القصر, وقد رجا الأخير الدكتور صائب, ان يدلي بشهادته لصالح الأمير عبدالإله, اذا كان يائساً من نجاة الملك, فرفض الدكتور صائب الاستجابة لتلك الرغبة, الأمر الذي اغضب الأمير عبدالإله وقال: (ان اخته ستشهد بذلك) وقد كرر وزير المالية رستم حيدر, المحاولة ذاتها مع طبيب العائلة المالكة, الدكتور سندرسن, لحمله على القول ان الملك قد عبر قبل وفاته عن رغبته بأن يكون الأمير عبدالإله وصياً على العرش من بعده, لكن سندرسن رفض ان يفعل ذلك لأن الملك لم يستعد وعيه لحظة واحدة بعد الحادثة (واذا ما قرر مثل هذا الادعاء الكاذب, فلابد أن يكون هناك الكثير من المستعدين لتكذيبه). بعد أن اخفقت محاولات استمالة الأطباء لهذا الأمر, اوعز نوري السعيد الى الملكة عالية ان ترفع كتاباً الى مجلس الوزراء, المنعقد للنظر في اقامة وصي على العرش, تشهد فيه ان الملك غازي كان قد اوصاها فيما اذا وقع امر يودي بحياته, بأن يكون الوصي على العرش من بعده هو الأمير عبدالإله وبناء على ذلك اتخذ مجلس الوزراء قراراً في الرابع من ابريل, 1939 يقضي بتتويج ولي العهد الأمير فيصل ملكاً على العراق, وبتسمية الأمير عبدالإله وصياً عليه, بالنظر لعدم بلوغه سن الرشد القانونية, ونزولاً عند وصية الملك الراحل غازي المستندة الى افادتي الملكة عالية, والأميرة راجحة شقيقة الملك غازي, أمام مجلس الوزراء.

عن كتاب (الامير عبد الاله 1939ــ1958)