عطا ترزي باشي يؤرخ تاريخ الطباعة والصحافة في كركوك

Wednesday 3rd of May 2023 10:43:56 PM ,
5421 (عراقيون)
عراقيون ,

نصرت مردان

يعتبر الباحث التركماني القدير الأستاذ عطا ترزي باشي، مؤرخا رائدا في الكتابة عن تاريخ الصحافة في كركوك. حيث كتب اولى مقالاته " الصحافة عندنا" في صحيفة (الشورى) بتاريخ 22/11/1٩٤٧، تبع ذلك سلسلة من المقالات التي نشرها بعنوان (تاريخ الصحافة في كركوك) المنشورة بجريدة(كركوك) في تموز 1٩٥2.

كما أتبعها بمقالات (في تاريخ الرقابة على الصحف)والتي نشرها بمجلة (الحديث) السورية في 1٩٥٩، تاريخ الطباعة في كركوك، مجلة(الثقافة الجديدة) في 1/12/1٩٦2، تاريخ الصحافة في كركوك، مجلة (المكتبة) في عددي كانون الثاني، شباط 1٩٦٣. مطبوعات كركوك القديمة، مجلة (المكتبة)عدد حزيران 1٩٦٣، تاريخ الطباعة في كركوك، مجلة(الإخاء ـ قارداشلق) التي كانت تصدر ببغداد باللغتين العربية والتركمانية في عددي شباط وآذار 1٩٦1.

كما شارك ترزي باشي، في إصدار العديد من الصحف والإصدارات بمدينة كركوك. حيث تولى رئاسة تحرير مجلة (الثقافة الجديدة) التي نشر في عددها الصادر في 1/٥/1٩٥٤ مقالا عن (تاريخ الصحافة في كركوك(. كما تولى لفترة من الوقت رئاسة تحرير جريدة (آفاق) الاسبوعية باللغتين العربية والتركمانية، و نشر فيها دراسة بعنوان (المطبوعات الدورية). وشارك أيضا في إصدار جريدة (البشير) باللغتين العربية والتركمانية أيضا.

ويذكر ترزي باشي في مقدمة كتابه، أن مساهماته في تحرير بعض الصحف، كان بهدف التعريف بالثقافة التركمانية في العراق، ورغم المصاعب التي واجهها في طريقه الطويل، فهو يعد بحق رائد الباحثين الذين تناولوا تاريخ الصحافة في فترات تاريخية مختلفة، الذين نهلوا من ينابيعه، وأصبحت مصادره الدراسية، مصدرا مهما بل من أهم مصادرهم في دراسة تاريخ الصحافة والمطبوعات في كركوك. وقد استطاع بحق أن يملأ الفراغ في هذا المجال ويرفد الباحثين بمصادر نادرة. وهو في كتابه المهم (تاريخ الصحافة والمطبوعات في كركوك) الصادر بجزئيه الأول والثاني في عام 2٠٠1، لا يكتفي بسرد معلومات هامة عن الصحف الصادرة في تلك الفترة، بل يعرف الكتب النادرة التي طبعت في كركوك، اثناء الحرب العالمية الثانية، أما الكتب الحديثة فيكتفي بإدراج المعلومات عنها، مشيرا إلى تاريخ طبع كل كتاب واللغة التي طبع بها وعدد صفحاتها. وقد درس الصحف والمطبوعات في كركوك وفي عهود تاريخية معينة، العثمانية، وفترة الاحتلال البريطاني، وفترة العهد الملكي والعهد الجمهوري حتى عام 1٩٨٥.

يشير الأستاذ ترزي باشي، أن أول مطبعة تعمل بالبخار وصلت إلى بغداد، في عهد الوالي العثماني مدحت باشا عام 1٨٦٩، حيث صدرت بعدها جريدة (الزوراء) باللغتين العربية والتركية. قبل صدور الصحف بمدية كركوك، كان ادباؤها ومثقفوها يكتبون في بعض الصف الصادرة في الموصل مثل (جنبه باز ـ الثرثار) و(زهور) و(بين النهرين) في بغداد، إضافة إلى (إيقاظ) و(تهذيب) و(يني فيض ـ الفيض الجديد) الصادرة في البصرة.

المطابع في العهد العثماني

كانت كركوك تعرف باسم(شهرزور) التي تم تغيير اسمها إلى كركوك في 1٨٩2 تابعة لولاية بغداد، ويعود تأسيس أول مطبعة إلى 1٨٧٩، وهو التاريخ الذي أصبحت فيه تابعة إلى ولاية الموصل. وقد بقيت كركوك مركزا للولاية لمدة أربع سنوات، حيث تم بعدها اختيار الموصل مجددا مركزا للولاية.

وهذه الحقيقة التي يوردها ترزي باشي، في كتابه غائبة عن العديد من المؤرخين، فقد اختار الوالي فيضي باشا والي الموصل، كركوك مركزا للولاية. وقد عبر الشاعر صافي في قصيدة له:

اختار اليوم والي الموصل، كركوك

مركزا، وأشاع الفرح في النفوس

يذكر ترزي باشي أن مطبعة(ولايت) هي أول مطبعة دخلت كركوك عام 1٨٧٩، حيث كانت تقوم بطبع الأوراق الرسمية والجداول والوصولات وغيرها من الأوراق الرسمية. كما قام عون الله عوني الذي عمل ٥ سنوات كمتصرف للواء كركوك، بشراء مطبعة لمدرسة الصنائع (صنايع مكتبي مطبعه سي) بمبلغ 1٥٠٠ ليرة ذهبية، وتم تكليف مدير المدرسة بهجت افندي بالمهمة.

قبل صدور الصحف في كركوك، كانت ثمة نشرة مؤلفة من صفحة واحدة تدعى (زورنال) تنشر بانتظام البيانات الرسمية التي كانت تعلق قبلها في مبنى بلدية كركوك. ويذكر الشاعر والكاتب التركي المعروف (أحمد حمدي طانبنار) الذي عاش صباه في كركوك عن النشرة المذكورة((.. كانت البيانات الرسمية، تختصر المآسي على جبهات القتال بجملة واحدة " الاستقرار مستتب في كافة الجبهات ".

يؤكد الأستاذ ترزي باشي، أن جريدة (حوادث) هي أول جريدة تركمانية صدرت في كركوك في 2٤ شباط 1٩11، أصدرها أحمد قدسي زاده الذي يعتبر رائد الصحافة التركمانية في العراق. وتعتبر أعدادها بمثابة موسوعة مهمة يمكن الرجوع إليها لدراسة كركوك ثقافيا واجتماعيا في تلك الفترة. وقد استمرت بالصدور سبع سنوات حتى توقفت عن الصدور عند احتلال القوات البريطانية، مدينة كركوك 1٩1٨. وكانت تتضمن افتتاحية ومواد ثقافية وأدبية، إضافة إلى الإعلانات التي كانت تعلق قبل صدور الجريدة في مبنى البلدية.

كما صدرت في كركوك مجلة (معارف) النصف الشهرية باللغة التركمانية في 2٤ نيسان 1٩1٣. وكانت مجلة أدبية ثقافية، أشرف على تحريرها أحمد مدني قدسي زاده. وكان سعر النسخة من الجريدة بـ (1٥)بارة والاشتراك السنوي بعشرة قروش. وقد ورد في افتتاحية العدد الأول إن الهدف من إصدار المجلة، هو تأمين المستقبل المشرق للأجيال الحالية والقادمة. ورحبت الصحف العراقية الصادرة آنذاك بصدور المجلة، ومنها جريدة (المصباح) التي كانت تصدر بالعربية والتركية في البصرة.

كما صدرت مجلة (كوكب المعارف) في 1٩1٥، وكانت مجلة تعني بالأدب والثقافة، بإشراف الشاعر عرفي وساهم في تحريرها نخبة من الكتاب والمثقفين مثل، مصطفى اليعقوبي وفتحي صفوت قيردار والشاعر هجري ده ده. لم تطبع المجلات المذكورة أعلاه في (صنايع مطبعه سي) فحسب، بل طبع فيها العديد من الكتب من دواوين شعرية مثل (مأتم) للشاعر نسيمي زاده خلوصي، وكتب عن النحو العربي والتركي والفارسي و كتب عن الرياضة مثل كتاب (تربيه بدنيه ومكتب اويونلرى ـ التربية البدنية والألعاب المدرسية) لفتحي صفوت. أما مطبعة (حوادث) التي اقتناها في بداية الحرب العالمية الأولى محمد قدسي زاده، وهو شقيق رائد الصحافة التركمانية أحمد مدني، بعد انسحاب العثمانيين من كركوك في 1٩1٨، فقد قامت بلدية كركوك بـاستئجارها في 1٩1٩ ثم بادرت إلى شرائها في 1٩2٠، حيث تحول اسمها إلى مطبعة البلدية (بلدية مطبعه سى)، وقامت القوات البريطانية بطبع جريدة النجمة فيها. في عام 1٩2٧ توقفت المطبعة عن العمل، وهي لا تزال موجودة في مبنى بلدية كركوك. لم يصدر منها إلا ديوان واحد للشاعر هجري ده ده.

المطبعة والمطبوعات في فترة الاحتلال البريطاني

احتل الإنكليز كركوك أول مرة في 2٤ مايس 1٩1٨ ثم انسحبوا منها بعد 1٨ يوما. انسحب العثمانيون ثانية وبصورة نهائية في ٩ تشرين الثاني 1٩1٨. حيث أصدرت القوات المحتلة صحيفة (نجمة) التي ورد في عددها الأول بأنها صحيفة رسمية، وكانت بمثابة صحيفة سياسية موالية لسياسة الاحتلال البريطاني. صدر عددها الأول في 1٥/12/1٩1٨ صدرت باللغة العربية أولا ثم أصبحت تصدر باللغة التركمانية، وسميت (جمة) بعد حذف أداة التعريف العربية. تولى رئاسة تحريرها سعدي أفندي، وقد تحول مبنى مدرسة ظفر الابتدائية إلى مبنى لإدارة الجريدة، بينما كان يتولى مدير المدرسة المسيحي التركماني (من مسيحيي القلعة) شكري عبدالأحد، كما كان يشرف على تحريرها الشاعر التركماني المعروف رشيد عاكف الهرمزي الذي كان يوقع اسمه بحرفي ر. ع خشية من انتقام أهالي المدينة المعارضين للاحتلال البريطاني. وقد قاطع أهالي المدينة هذه الجريدة. التي صدر 2٤1 عددا منها بانتظام. حيث بدأت بعد العدد 2٤2 بالصدور ثلاث مرات اسبوعيا ولمدة ثماني سنوات حتى 1٥/1٠/1٩2٦. حيث تم تغيير اسمها بعد هذا التاريخ إلى (كركوك). وكان ثمن النسخة أربعة فلوس والاشتراك السنوي 1٥٠ فلسا.

كما صدرت في هذه الفترة جريدة (تجدد) الاسبوعية التي صدر عددها الأول في 2٠ تشرين الثاني 1٩2٠. وقد صدرت الجريدة لملء الفراغ الذي تركته جريدة (حوادث) بعد إغلاقها إلا أنها توقفت عن الصدور بعد صدور أربعة أعداد منها، بسبب الخلافات بين أعضاء هيئة التحرير. وكان صاحبها احمد مدني ومديرها المسؤول الدكتور حمدي آوجي.

مطابع كركوك في العهد الملكي

ويشير الأستاذ عطا ترزي باشي في كتابه الهام إلى أهم المطابع في كركوك وهي:

مطبعة البلدية، وهي مطبعة الحوادث القديمة، طبع فيها ٣٩ عددا من جريدة كركوك.

مطبعة البلدية القديمة: تم شراءها من انكلترة، كانت تعمل باليد وقد تم طبع العدد ٤٠٠ من أعداد جريدة كركوك، وظلت تطبع أعداد الجريدة حتى عام 1٩٥٩. ولا تزال المطبعة موجودة في مبنى البلدية.

مطبعة التتويج (تتويج مطبعه سى)، تم شراؤها في نيسان من ألمانيا في نيسان 1٩٥٣، وقد تم تغيير اسمها بعد إعلان الجمهورية إلى مطبعة كركوك، ولا تزال كذلك حتى اليوم. تم طبع عدد من الكتب في هذه المطبعة مثل (مختصر تاريخ كنيسة الشرقية النسطورية)، وباكورة الشاعر فاضل العزاوي الشعرية (أساطير خالدة) المؤلف من 2٨ صفحة في 1٩٥٦، وكتاب (ماذا في كركوك) لفهمي عرب آغا إضافة إلى العديد من الكتب. كما تم طبع معظم أعداد جريدة (آفاق) الصادرة بالعربية والتركمانية في ٨/٥/1٩٥٤، إضافة إلى جميع أعداد جريدة (بشير) باللغة العربية والتركمانية في 2٣/٩/1٩٥٨.

مطبعة ترقي (بشير)، قام بشرائها من بغداد محمد أمين عصري صاحب مكتبة (ترقي) في 1٩/٤/1٩٥٥ ووضعها في داره الكائنة بمحلة آوجي. وقد أعلنت عن استعدادها لطبع الكتب والصحف والإعلانات التجارية والإعلانات السينمائية وبطاقات الدعوة. بدأت عام بنشر سلسلة من كتب الجيب باللغة التركمانية لقصص شعبية مثل: يوسف وزليخة، ليلى والمجنون، إسماعيل نامه، مولودنامه، معراج نامه. كما قام الباحث نفسه بطبع الجزء الثاني من كتابه (أغان وخوريات كركوك) في 1٩٥٦ المؤلف من ٣2٠ صفحة، إضافة إلى الجزء الثالث في 1٩٥٧.

في بداية 1٩٥٩ تم تغيير اسم المطبعة إلى مطبعة بشير، وبيعت بعد مجزرة كركوك في 1٤ تموز 1٩٥٩.

مطبعة الهلال، لم يطبع فيها إلا كتاب واحد باللغة العربية (شرح قانون الإصلاح الزراعي) للمحامي محمد مردان القلمجي. ثم تم بيعها إلى جهة أخرى.

مطبعة الشمال، تأسست في 1٦/1٠/1٩٥٦ وقد تم نقلها إلى بغداد في 1٩٧٨ من قبل صاحبها فرج عبو. وقد تم طبع أكثر من ثلاثين كتابا في هذه المطبعة منها: سادة البرزنجية، بالعربية عبدالقادر محمد البرزنجي، (المجزرة الأولى) للأب يوسف سعيد في 1٩٥٧، و(ألحان السعانين) بالعربية والتركمانية لابراهيم يوسف راهب في 1٩٥٩، (خواطر هائمة) لوحيدالدين بهاءالدين، و(جريمة في الكاتدرائية) لأليوت، ترجمة إنعام إبراهيم، فلسفة الحياة ـ الريح والأشواق لخاجيك كرابيت ايدنجيان، المجموعة القصصية التركمانية (اولايلار قونوشويورـ حوادث ناطقة) لعلي معروف أوغلو، وديوان (كونلومون دفترندن ـ من دفتر قلبي) لعثمان مظلوم، انشودة السجين، لمرشد الزبيدي، دواوين شعرية باللغة التركمانية: (فالجى ـ قاريء البخت) نورالدين ساعتجى 1٩٧1، (ياتمه اويان ـ لا تغفو انهض) للشاعرين خليل صاجي اوزون وسيروان صاجى اوزون، 1٩٧٣، (التون كوبري) لسعدون عثمان كوبرلو، 1٩٧٣، كراس (كوجوك قارداش ـ الأخ الصغير) لأحمد محمد كركوكلي.

الصحف المهمة في العهد الملكي

خلال دراسة الأستاذ ترزي باشي للصحف المهمة في هذه الفترة، يؤكد أن جريدة كركوك، هي أطول الصحف الصادرة باللغتين العربية والتركمانية عمرا، والتي استمرت بالصدور لمدة ٤٦ عاما حتى توقفت عن الصدور في 2٠/٨/1٩٧2 بعد العدد 2٠٣٦ بناء على أمر صادر من رئاسة الجمهورية. ولم تسفر المراجعات حول إعادة صدورها عن أية نتيجة.

كانت الجريدة تصدر في البداية نصف شهرية، ثم تحولت في سنتها الخامسة إلى جريدة اسبوعية. تولى الإشراف عليها الكاتب وجدي. بعد العدد ٦٧ تولى مسؤولية الإشراف عليها الشاعر التركماني المعروف هجري ده ده حتى عام 1٩2٨، حيث بدأ يشرف على القسم التركماني منضد الحروف إسماعيل أفندي، وتولى عام 1٩٥٤ مسؤولية الإشراف على قسمها العربي الأديب وحيد الدين بهاء الدين أحد أبرز الوجوه الثقافية المعروفة في كركوك.

يذكر الأستاذ عطا ترزي باشي، بأنه رغم وصول الصحافة متأخرة إلى كركوك بالنسبة للعراق، إلا أنه عند مقارنة مستوى الصحف والمطبوعات الصادرة بمثيلاتها من الصحف العراقية، فإنها لم تكن متخلفة عن غيرها.

كتاب (كركوك مطبوعات تاريخ 1٩٧٩ ـ 1٩٨٥) للأستاذ عطا ترزي باشي، اسهامة مهمة في تسليط الأضواء على جانب مهم وحيوي للحياة الثقافية في كركوك والتعريف به، وهو مصدر هام لكل الباحثين في هذا المجال. ندعو من القلب أن يطيل الله من عمره الذي نذره لتعريف بتاريخ التراث التركماني العراقي، ليظل يرفد ويغني حياتنا الثقافية والمعرفية بالمزيد والمزيد من نتاجاته المبدعة.