كتاب قرن من المسرح العراقي لاديب القلية جي

Wednesday 10th of May 2023 11:00:00 PM ,
5426 (عراقيون)
عراقيون ,

أديب القلية جي يؤرخ المسرحي العراقي في كتابه الموسوعي، الأول من نوعه حسب علمنا "97 عاما من مسيرة المسرح في العراق" لبدايات المسرح العراقي من عام 1882 إلى 1979، بداية من تراجع الحركة المسرحية العراقية، بعدما شدد صدام حسين قبضته على السلطة، وبدأ حملته الشهيرة لـ"تبعيث" كل شيء، فصفي من صفي، واعتقل من اعتقل، وهاجر من هاجر، وفي المقدمة الكتاب والفنانون والمسرحيون.

يسجل المؤلف، أولا، رأيين حول البداية، فهناك من يعتقد أن المسرح في العراق بدأ مع بداية الحكم الوطني، أي في عام 1921، ويظن آخرون أن المسرح كان موجودا قبل هذا التاريخ، ويمكن تحديد زمانه بالثلث الأخير من القرن التاسع عشر. ويعتقد الباحث أن القول الثاني فيه الكثير من الصواب، لأنه كانت هناك نماذج مسرحية معروفة في هذا التاريخ.

أما القول الأول فهو صائب أيضا، لأن الفرق المسرحية بدأت مع بداية الحكم الوطني، الذي نصب فيه الأمير فيصل ملكا على العراق عام 1921.

ويثبت أديب القليه جي رأيا سابقا يقول إن المسرح في العراق لم ينشأ في العاصمة بغداد، بل في مدينة الموصل، وأغلب الذين قاموا بنقله هم المسيحيون من الرهبان والمدرسين العاملين في الكنائس الموصلية، وكان الغرض الأساسي هو التبشير الديني. أما أول مسرحية عراقية تحقق الشروط المسرحية، فهي "لطيف وخوشابا"، إعداد نعوم فتح الله السحار. وظهرت المسرحية مطبوعة عام 1893 عن مطبعة الآباء الدومنيكان في الموصل، وموضوعها الأساسي التمييز الاجتماعي. وفي رأي الباحث أن السبب الذي جعل الباحثين والمتابعين يعدونها رائدة في التأليف العراقي، هو طرحها السياسي وأفكارها المقبولة. وانتظر العراقيون حتى عام 1927 تأسيس فرقتهم الوطنية.

وحين قدم حقي الشبلي كتابا إلى وزارة الداخلية لتأسيس فرقة وطنية للمسرح، وحمل الكتاب إلى جانب توقيعه تواقيع كل من فوزي محسن الأمين، وعباس بهرام، وسليم بطي، وأحمد حقي الحلي، وأجابت وزارة الداخلية بموافقتها على تأسيس الفرقة التمثيلية الوطنية، اشترطت أن تكون صفة الفرقة طلابية، لأن أعضاء الفرقة كلهم طلاب. وتبرع الملك فيصل الأول بمبلغ من المال ومن حسابه الخاص لحقي شبلي، ووافق على سفره إلى القاهرة لغرض المعايشة المسرحية هناك مدة سنة كاملة.

ويرى الباحث القليه جي أن المسرح العراقي منذ فترة ثلاثينات القرن العشرين إلى هذه الفترة عاش فترة ذهبية في عمره، بسبب ظهور العدد الكبير من الفرق المسرحية، وغزارة ما أنتجته، ونوعية الفرق، إضافة إلى ظهور عدة أحزاب سياسية تقدمية تناصر الثقافة وتدعم الجهود المسرحية. وفي عام 1946، بادرت لجنة الفنون والآداب التابعة لمنظمة اليونسكو إحدى مؤسسات منظمة الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحضيرية لتأسيس مركز دولي للمسرح تحت شعار "المسرح وسيلة للتفاهم وتعزيز السلام بين الشعوب"، وظهرت فرق مسرحية جديدة. وتوجت المسيرة المسرحية بتأسيس فرقة المسرح الحديث عام 1952، وهي الفرقة التي لعبت دورا كبيرا في نهوض المسرح العراقي في الخمسينات والستينات والسبعينات، قبل أن تضيق السلطة البعثية الخناق وكان ذلك بشكل خاص نتيجة لجهود يوسف العاني.

ويرى الباحث أنها مثلت نقلة حقيقية، وكانت مسرحياتها محط احترام الجميع وتقديرهم، حتى أولئك المختلفين مع سياستها الفنية، أو نهجها الفكري، أو كليهما. وتأسست في الخمسينات فرقة رائدة أخرى هي "فرقة المسرح الحر" وكان على رأس مؤسسيها الفنان جاسم العبودي.

وفي الفصل السابع والثامن والتاسع والعاشر، يتناول القليه جي المسيرة المسرحية بعد ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز) 1958، وتأسيس مصلحة السينما والمسرح التي عمل فيه المؤلف عام 1959، وكان الفنان يوسف العاني مديرا عاما لها بعد أن عاد من منفاه بعد الثورة. وقامت الثورة أيضا بتشريع قانون أكاديمية الفنون الجميلة التي افتتحت عام 1961 – 1962، ثم أجازت الثورة سبع فرق إضافة إلى الفرق الموجودة أساسا. فقدمت فرقة المسرح الحديث أول إنتاجاتها، مسرحية "آني أمك يا شاكر" من تأليف يوسف العاني وإخراج إبراهيم جلال. ويناقش القليه جي أيضا دور فرقة المسرح الشعبي، وفرقة "14 تموز" للتمثيل، وفرقة مسرح الصداقة، إضافة إلى الفرقة القومية للتمثيل، وإنتاجات أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة في هذه العروض توفر الإبداع والجمال والمنافسة بين الجميع التي كانت سمة مميزة وصحية.

أما في الستينات، فكان من أسباب نهوض المسرح نهوض الحركة السياسية العراقية وبروز النهج الديمقراطي في عناصرها الفكرية ونظرتها للحياة، كما يقول المؤلف. لقد ازدهر المسرح في هذا الفترة على المستوى الجماهيري أيضا، واستطاع في مرحلة السنوات الأخيرة من عقد الستينات وبداية السبعينات أن يكون له موقع متميز، في الحياة الثقافية اليومية، وبدأ يجذب عشرات الآلاف من المشاهدين من عشاق هذا الفن الذين بدأوا يتابعون عروضه، قبل أن يبهت نوره ابتداء من نهاية السبعينات، والثقافة العراقية عموما على يد السلطة البعثية.

جهد كبير بذله المسرحي أديب القليه جي وهو يؤرخ لهذه المسيرة الطويلة، رغم قلة المصادر المتوافرة لديه، معتمدا فقط على ذاكرته، واتصالاته مع عدد من المسرحيين المنتشرين في المنافي، والقصاصات التي حملها معه من العراق منذ أكثر من ثلاثين سنة.