العراق والرئيس اللبناني كميل شمعون سنة 1952 .. عندما زار الرئيس اللبناني بغداد

Sunday 14th of May 2023 10:48:41 PM ,
5428 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

فتحي عباس الجبوري

بعد ان اضطر الرئيس اللبناني بشارة الخوري الى تقديم استقالته في 18 أيلول 1952 حاولت الجبهة الاشتراكية والوطنية اللبنانية اقناع اللواء فؤاد شهاب لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية الا انه رفض ذلك في البداية وفضل البقاء في منصبه. لكنه وافق اخيراً على تولي منصب الرئاسة بصورة مؤقتة على ان يجري باسرع وقت انتخاب رئيس جديد عن طريق مجلس النواب للحيلولة دون حدوث ازمة وزارية جديدة.

وبعد خمسة ايام من استقالة الخوري اجتمع مجلس النواب في 23 أيلول 1952 وانتخب كميل شمعون خلفاً له لرئاسة الجمهورية بعد فوزه بـ (74) صوتاً وعارضه صوت واحد.

وفي 16 تشرين الثاني 1952 وصلت الى بيروت بعثة رسمية عراقية لتهنئة شمعون بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية. وكانت البعثة برئاسة جمال بابان وزير الخارجية وكالة ووزير العدل وعضوية ابراهيم شهبندر وزير المالية وعبد الجبار الجلبي وزير الزراعة فضلاً عن عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية العراقية، وقد عادت البعثة الى العراق في23من الشهر نفسه بعد ان وجهت دعوة الى الرئيس شمعون لزيارة العراق.

وقد القى جمال بابان في حفل الاستقبال الذي اقيم له بحضور الرئيس اللبناني كلمة عبر فيها عن مشاعر الفرح والسرور التي غمرت الحكومة العراقية جراء انتخاب شمعون رئيساً للجمهورية واستطرد قائلاً: " … نأمل ان تستمر العلائق الحسنة وتزداد وثوقاً بفعل مساعي فخامتكم.. وان تتظافر الجهود لتعزيز أواصر المودة بين الاقطار العربية " واختتم الرئيس اللبناني حفل الاستقبال بكلمة رحب فيها بالوفد العراقي الذي استقبل في بيروت استقبالاً رائعاً وقد ابدى الوفد العراقي للرئيس شمعون استعداد حكومة العراق لتقديم المساعدة المالية الى لبنان الشقيق كما اكد جمال بابان لكميل شمعون استعداد العراق وموافقته على بناء سكة حديد بين العراق ولبنان وقد رحب شمعون بهذا المشروع وعده نصراً للبنان لما سيدره عليه من فوائد في المستقبل تفوق تلك التي يحصل عليها من أية دولة اخرى.

وفي 16 كانون الاول 1952 ارسلت الحكومة اللبنانية وفداً الى العراق برئاسة الدكتور سليم حيدر وزير التربية الوطنية والشؤون الاجتماعية والصحية لرفع الشكر الى الحكومة العراقية لارسالها وفداً الى لبنان لتهنئة شمعون برئاسة الجمهورية اللبنانية، وبعد ان لبث الوفد اربعة ايام في العراق زار خلالها اهم مدنه عاد الى لبنان.

وفي الامكان ان نعزو سبب اسراع الحكومة العراقية الى تهنئة شمعون بمناسبة توليه السلطة لخشيتها من تكرار ما حدث مع سوريا ابان انقلاب اديب الشيشكلي عام 1949 حيث تسبب تأخر العراق في ارسال وفد لتهنئته بنجاح الانقلاب الى اتجاهه نحو مصر، كما اراد العراق كسب الرئيس شمعون الى صفه من خلال الدعم الاقتصادي له لما لهذا الدعم من تأثير واضح في حياة لبنان العامة.

ولا بد من القول ان حرص العراق على تعزيز علاقاته مع الرئيس شمعون كان يخفي وراءه جملة اسباب في مقدمتها مرور اهم خطوط الانابيب النفطية عبر الاراضي السورية واللبنانية الى موانئ البحر المتوسط حيث ينقل النفط من هناك الى اسواق اوربا الغربية والولايات المتحدة الامريكية وازدادت اهمية لبنان بوصفها منفذاً لتصدير النفط العراقي اثر وقف ضخ النفط في الانبوب الذي ينتهي بميناء حيفا في فلسطين بعد اغتصابها من قبل الكيان الصهيوني في عام 1948 فمنذ ذلك التاريخ مضى العراق الى زيادة صادراته النفطية عبر الاراضي اللبنانية. ولا سيما ان المسؤولين العراقيين كانوا يعتقدون بان وجود الرئيس شمعون في كرسي الحكم له اثره الكبير في زيادة صادرات النفط العراقية عبر لبنان.

زيارة الرئيس اللبناني كميل شمعون الى العراق عام 1953: -

في 24 آذار 1953 وصل الى بغداد كميل شمعون رئيس الجمهورية اللبنانية على رأس وفد ضم وزير الخارجية جورج الحكيم وعدداً من المسؤولين اللبنانيين في زيارة رسمية للعراق وكان في استقباله الوصي عبد الاله ورئيسا مجلسي الوزراء والاعيان. وقد استقبل الرئيس شمعون والوفد المرافق له بحفاوة كبيرة واقام الملك فيصل الثاني والوصي حفلة عشاء على شرف الوفد الزائر في البلاط الملكي في يوم 24 آذار 1953 وقد قلد الوصي الرئيس شمعون والوفد المرافق له اوسمة عراقية وقلد الرئيس شمعون بدوره وساماً للملك فيصل الثاني، وخلال هذه الزيارة قام شمعون بتفقد المنشأت العسكرية والنفطية في بغداد وزيارة مصفى كركوك في يوم 26 من الشهر نفسه كما زار الكلية العسكرية في بغداد وزار وزير الخارجية اللبناني البصرة برفقة عدد من اعضاء الوفد اللبناني وفي غضون ذلك صرح الحكيم بان المحادثات مع الحكومة العراقية سوف تتطرق لبحث علاقات العراق مع الدول العربية استعداداً للزيارة التي يزمع الرئيس شمعون القيام بها الى كل من الرياض ودمشق والقاهرة بهدف توطيد اواصر التعاون مع دول الجامعة العربية والعمل على وضع سياسة عربية موحدة تتماشى مع التطورات الدولية.

وخلال الاجتماعات التي عقدها شمعون مع المسؤولين العراقيين في بغداد استعرض الطرفان موضوع الخلافات بين العراق وسوريا وقد ناشدت الحكومة العراقية الرئيس شمعون ابداء مساعيه في تسوية هذه الخلافات، كما دعا العراق شمعون الى اقناع المسؤولين المصريين خلال زيارته المنتظرة لمصر بأن علاقاتهم مع بريطانيا هي مسألة تهم الاقطار العربية جميعها.

كما تباحث الطرفان في قضايا أخرى من شأنها توثيق العلاقة بينهما كتبادل المنتجات المحلية وحرية انتقال الاشخاص بين العراق ولبنان دون قيد او شرط وتأمين حرية العمل لهم وتسهيل تجارة الترانسيت، وعند مغاردة الرئيس اللبناني بغداد ابرق الى الوصي عبد الاله ببرقية عبر فيها عن خالص شكره وامتنانه لما حظي به من حسن ضيافة، معبراً له عن تطلعاته الكبيرة نحو مستقبل مزدهر ينتظر البلدين، فأجابه الوصي ببرقية مفعمة بالود اكد فيها تفاؤله بمستقبل زاهر وبمزيد من التعاون بين العراق ولبنان مؤكداً للرئيس اللبناني بان مالقيه من حفاوة شعبية ورسمية ما هو الا تعبير عن الود الصادق الذي يكنه العراق نحو لبنان وحكومته.

لقد ازداد التقارب بين العراق ولبنان بشكل كبير بعد هذه الزيارة ولا سيما بعد ان اكد شمعون للمسؤولين في العراق بان زيارته التي قام بها الى السعودية لم تغير شيئاً من موقفه نحو الهاشميين ولا على علاقات الصداقة بين العراق ولبنان.

وفي آب 1953 استقبل الرئيس اللبناني كميل شمعون الدكتور فاضل الجمالي رئيس الوزراء العراقي ودار الحديث بينهما حول تعزيز العلاقات بين البلدين وحول بعض الشؤون العربية. والغاء سمات السفر بين البلدين.

عن رسالة (العلاقات العراقية – اللبنانية 1939-1958م).