حديث قديم جديد..من وراء مصرع الملك غازي بحادث السيارة؟!

Sunday 4th of June 2023 11:34:46 PM ,
5443 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

قاسم حلو الغرابي

كانت الملكة عالية زوجة الملك غازي قد أدركت ما يحيط بزوجها من مخاطر، لاسيما وأنه كان متهماً بعدائه للبريطانيين قبل ان يكون ملك على العراق,

وبسبب مواقفه القومية والوطنية حتى صار ظهور الملك غازي في جولاته مناسبةً للشعب العراقي للهتاف ضد البريطانيين, لأنه وجد فيه رمزا من رموز القومية العربية حتى ساد شعور بأنه يسير بالبلاد على خطى والده في دعوته للعرب للنهوض و التماسك و الاستقلال، مما زاد تعلق الوطنيين الأحرار به واعتبروه محط آمالهم, وفي الوقت نفسه شعر السياسيون العراقيون المرتبطين بالعرش أمثال نوري السعيد وأعوانه بخطورة الملك غازي, لذلك بدأ نوري السعيد يحيك المؤامرات للإطاحة به، ولا سيما بعد أن انطلق صوت الملك من إذاعة قصر الزهور الموجه الى الكويت مطالباَ بالوحدة والإتحاد وضم الكويت الى العراق، ومناهضة بريطانيا وتحرير البلاد, ويبدو من قراءة الأحداث أن نوري السعيد كان يحمل الملك غازي مسؤولية مقتل صهره جعفر العسكري ويتهمه بتدبير الأنقلاب العسكري الذي أدى الى مقتل الأخير, اخذ نوري السعيد يراقب تطور الموقف في بغداد و يتحين الفرص للقيام بعمل يستهدف من وراءه الانظمام الى حكومة (حكمت سليمان) وبكر صدقي وحاول نوري السعيد اقناع البريطانين بخطورة هذا النظام على المصالح البريطانية,ولكن مساعيه لم تجد قبولاً في بادئ الأمر بل لقيت تحفظا وتريثا،

ولكن فيما بعد اقتنعت الحكومة البريطانية أن وجود الملك غازي يشكل خطراً شديد على مصالحهم ولهذا قرروا التخلص منه أما بقتله او تنحيته عن العرش فعمدوا الى تجريده من سلاحه المساند له وهو الشعب وذلك بتشويه سمعته من خلال الدعايات حول سلوكه وتصرفاته الشخصية وعلاقاته المشبوه مع النساء الى جانب ذلك إدمانه على الخمر ليل نهار وعدم الإهتمام بمصالح الشعب، الى جانب التحرك بعزله عن أصدقائه المقربين اليه من عسكريين وسياسيين من خلال اتهامهم بالتآمر عليه,وهذا ما أشار اليه الملك غازي بنفسه في تموز 1936 بما نصه: "انني أرأى نفسي سجيناَ, وقد قتل كافه المقربين ومنع الأخرين من الحضور إلي، ولا سيما صديقينا عبد الرسول صادق ويونس البحري, وإن ذلك لن يدوم أبداَ وهؤلاء مجموعة تأتمر بأمرالأجنبي وتنفذ سياسته ومصالحه وسوف أكون لهم بالمرصاد".

ويمكن القول إن بعض الزعماء العراقيين العاملين في القضية القومية (جناح السلطة) كانوا معجبون بمصطفى كمال اتاتورك رئيس الجمهورية التركية في أفكاره ومبادئه, وهم نوري السعيد وناجي شوكت ورستم حيدر ورشيد عالي الكيلاني ومزاحم الباججي وتوفيق السويدي وعلي جودت الأيوبي وجميل المدفعي, ولم يشعر واحد من هؤلاء الذين يميلون إلى اتاتورك, بوجود تناقض بين أن يكون قوميا عربيا و اتاتوركيا. والأول من هؤلاء (نوري السعيد) يعد العدو الاول للملك غازي اما الثاني (ناجي شوكت) فيعد اتاتوركيا وله مقولة مشهورة تؤكد بغضه وكرهه الى الملك غازي حين يقول جوابا على سؤال وجه له: " لو توليت الحكم في تلك الفترة لعملت على ابعاد الرجل (الملك غازي) الى أوربا والحقيقة ان موضوع الملك يضغط على دماغ نوري بشدة, فكان يعبرعن كراهيته الشخصية في كل محفل.

وهكذا تجمعت العوامل التي تزيد الشكوك في تصميم بريطانيا للتخلص من الملك غازي بأسرع وقت ممكن, وكان رجل مهمتها الكبرى في مثل هذه المواقف، نوري السعيد الذي حاول بكل جهده منع الملك غازي من تولي العرش بعد وفاة والده الملك فيصل واستبداله بالأمير (زيد) عم الملك غازي الذي كان على كامل الاستعداد لتنفيذ مهمة التخلص من الملك غازي وبالتعاون مع (عبد الإله) وقد كان هنالك عددا كبيرا من الدلائل التي تشير الى نية هؤلاء للتخلص من الملك.

وذكر السفير البريطاني السير موريس بيترسون في كتابه الموسوم على جانبي الستارة (both sides of curtain) حول تصرفات غازي، إذ أشار الى ذلك بما نصه: "أن الملك غازي يجب أن يسيطر عليه او يخلع", وفي الحقيقة هذا بحد ذاته يدل على أن نوري السعيد وبريطانية وعددا كبيرا من الذين يؤيدون البريطانيون لايروق لهم وجود شاب وطني متحمس في دفة الحكم لأن وجود هذا الرجل يشكل خطراً كبيراً على مصالحهم, لذا نجد أن بريطانية ومناصريها قد كثفوا جهودهم للتخلص من هذا الملك الشاب وبشتى الوسائل لكي يتسنى لهم إزاحته, لقد أصبح واضحاَ للعيان أن الملك غازي أما يجب أن يسيطر عليه أو أن يخلع من العرش, وقد المحت الى ذلك, وبهذا المقدار في زيارتي للأمير عبد الاله كما ورد في كتاب السير موريس بيترسون"(both sides of curtain)", فيما ذكر(صلاح الدين الصباغ): "ان نوري السعيد الذي كان يقيم في القاهرة, كان قد أرسل الى العقيد (فهمي سعيد) ولده صباح بعد مقتل بكر صدقي بأسبوعين, ليستفسر منهما عما إذا كانا يؤيدان قتل الملك غازي والحاقه ببكر صدقي وتخليص البلاد من عبثه أمر ممكن!! وقد رد عليه فهمي سعيد بصوت جوهري

قائلاً: "لا يا صباح لن يحدث هذا ابداَ" أما صلاح الدين فقد رد عليه بما نصه: "اما بصدد اغتيال الملك غازي, فنحن ابعد الناس الى التطرق لمثل هذا العمل ولا نسمح بأن يذكر امامناً, ونصيحتي لك ان لا تكرر ما قلته لي وأن لا تفاتح به أحدا بعد اليوم".

أدرك صباح نوري السعيد خطورة ما تفوه به أمام الصباغ وفهمي سعيد عن انكار والده نوري السعيد وتطرق توفيق السويدي إلى الموضوع نفسه في مذكراته المعنونة نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية قائلا: " أتذكر بهذا الصدد إني عندما كنت في لندن التقيت بالسيد (بتلر) وقد أبدى لي شكوى عنيفة من تصرفات الملك غازي فيما يتعلق بالدعاية الموجهة ضد الكويت من إذاعة قصر الزهور... وقال لي بصراحة: " إن الملك غازي لا يملك القدرة على تقدير مواقفه لبساطة تفكيره, واندفاعه وراء توجيهات تأتيه من أشخاص مندسين عليه، إن الملك بعمله هذا يلعب بالنار واخشى أن يحرق أصابعه يوماَ ما.

يقوم بألعاب جوية وبهلوانية بطائرته الذهبية اللون الموسومة بـ(النسر الذهبي) التي تعرفها الجماهير والذين كانوا معجبين بها ومصفقين لها, وأضحى حب الملك غازي عاملاً قوياً لتوحيد معظم فئات الشعب وقد عبر الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي عن ذلك الحب بالأبيات التالية:

اني اتعجب على نجم الفلك يشوفك أتشوفه ما ينزل الك

إن بريطانيا لم تكن راضية عن تولي الملك غازي عرش العراق بعد وفاة والده الملك فيصل الاول, وقد أصيبت بخيبة أمل كبيرة اثناء توليه منصب (نائب الملك) بحكم كونه وليا للعهد اثناء غياب والده عن البلاط والاسلوب الذي اتبعه في معالجة قضية الأثوريين، كما أن بريطانيا كانت تراقب العلاقات المتنامية بين الملك غازي والمانيا بالشك والريبة خوفا من أن تحصل المانيا على موطئ قدم لها في العراق ومنطقة الخليج الغنية بالنفط, كما كانت محاولة الملك غازي احتلال الكويت بالقوة اثناء غياب رئيس الوزراء نوري السعيد الذي كان مسافرا الى لندن لحضور مؤتمر حول القضية الفلسطينية في 7 شباط 1939, واستدعى الملك غازي صباح اليوم الثاني نائب رئيس الوزراء ناجي شوكت وزير الدفاع ووكيل رئيس أركان الجيش ورئيس الديوان الملكي وأبلغهم قراره باحتلال الكويت لكن ناجي شوكت نصحه بالتريث لاسيما وأن رئيس الوزراء مازال في لندن وابلغه أن العملية سوف تثير للعراق مشاكل جمة مع المملكة العربية السعودية وايران، واستطاع ناجي شوكت ان يؤثر على قرار الملك غازي ويتم ارجاء وتنفيذ عملية احتلال الكويت(.وسرعان ما اصبح غازي موضع اعجاب شعبه وكراهية منقطعة النظير من جانب البريطانيين وأعوانهم كما عقد علاقات صداقة مع القوميين لاسيما الضباط الشباب الذين كانوا يبدون اعجابهم علنا بنهوض المانيا بقياد (هتلر) الأمر الذي جعل الريبة وفقدان الثقة على الملك غازي يأخذ شكلا واضحا.

وبعد ان عاد نوري السعيد الى بغداد وعلم بالأمر سارع الى الاتصال بالسفير البريطاني وتداول معه في خطط الملك غازي, وقرر الاثنان التخلص من الملك بأسرع وقت ممكن, وهذا ما صار بعد مدة وجيزة, إذ جرى تدبير خطة لقتل الملك والتخلص منه والمجيء بابنه فيصل الثاني تحت وصاية عبد الاله نظراً لصغر سنه، إذ كان عمره لا يتجاوز الأربع سنوات آنذاك.

فلابد من الاشارة قبل كل شئ الى قول حكمت سليمان:"بينما كنت في السجن في أواخر آذار 1939 إذ جاءني سجانان ونقلا لي حديثاً أفضى به اليهما السجين في قضية حلمي عبد الكريم مفاده "ماذا عملنا حتى جئ بنا الى هنا. انتظرونا اسبوعاً فسيقتل الملك غازي حتماً" فقلت للسجانين: " الرجل يهذي فلا تصدقان هذيانه " ولكنهما عادا الي بعد 5 أيام لينقلا خبر مصرع الملك".

عن رسالة (الملكة عالية سيرتها ونشاطها الاجتماعي في العراق 1911-1950)