لنتذكر قاريء المقام حمزة السعداوي

Sunday 28th of July 2024 06:47:47 PM ,
5716 (ذاكرة عراقية)
ذاكرة عراقية ,

حسين الاعظمي

ولد المطرب المقامي حمزة السعداوي في كربلاء من محافظات وسط العراق عام 1928 وقد أنهى دراسته الابتدائية فيها، ومنذ نعومة أظفاره كان محباً للغناء والموسيقى التراثية وخاصة غناء المقام العراقي..

وفي شبابه إنتقل ليقيم في العاصمة بغداد التي أتاحت له فرصاً طيبة للتعرف والاتصال بأصحاب الشأن المقامي، امثال المطرب الخبير مجيد رشيد الذي علـَّمه عدة مقامات، وكذلك المطرب السيد جميل الاعظمي والمطرب يونس يوسف والمطرب حسن خيوكة والمطرب احمد موسى وآخرين.. ولكنه في هذه الفترة من بدايات مسيرته الفنية كان قد تأثر تأثراً كبيراً بالمطرب الكبير يوسف عمر الذي سيطر على كل ذوقه وجمالياته, وأصبح حمزة السعداوي بالتالي مقلداً ليوسف عمر بصورة تكاد أن تكـــــون متطابقة..!! وفي عام 1956 إفتتح السعداوي مقهىً شعبياً أسماها (مقهى الجزائر) *39 في جانب الكرخ من بغداد والتي أصبحت ملتقى لعشاق المقام العراقي، وفيها إلتقى بالخبير المقامي الكبير الحاج هاشم محمد الرجب الذي إستمع الى صوته ورأى فيه خيرأً فأعطاه الكثير من الملاحظات والارشادات الفنية، وبعد حين تحدث السعداوي الى الرجب راجياً منه المثول أمام اللجنة المقامية في الاذاعة للاختبار، التي كان الرجب أحد أعضائها والارجح أنه كان رئيسها، وبعد مثول حمزة السعداوي أمامها نجح في الاختبار وتمت الموافقة على تسجيله أول مقام عراقي له وكان مقام الاوشار مع اغنية (بالحاجب ادعي بخير) تلاها بعد ذلك غناء شكل – الشعر مع الأُبوذية – ثم استمر الأمر في تسجيل المقامات لحين وفاته عام 1995.

مقهى المُتحف البغـدادي

وبعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً، أي في مطلع السبعينات، إفتَتَحَ حمزة السعداوي مقهىً جديداً في بناية المتحف البغدادي الكائن عند رأس جسر الشهداء من جانب الرصافة ببغداد، ولكن هذه المرَّة جعلها مقهىً خاصاً لغناء المقام العراقي إذ أقام فيها بصورة منتظمة ومستمرة حفلات أُسبوعية لغناء المقامات وذلك مساء الجمعة من كل أُسبوع، حيث غنى فيها الكثير من مُغنّي المقام العراقي من المعاصرين لهذه الفترة، منهم عبد القادر النجار و عبد الرحمن العزاوي و محمد العاشق و حسن البناء وشباب آخرين ممن أُتيحت لهم فرص الغناء، فضلاً عن مشاركة صاحب المقهى حمزة السعداوي بإِستمرار، وشارك في مرَّات قليلة المطرب الكبير يوسف عمر.. وقد شهد مسرح المتحف البغدادي هذا في مقهاه المقامية ضمن إحدى حفلاته الأُسبوعية بدايتي وصعودي عليه لأول مرَّة حيث غنَّيتُ (مقام المخالف) في ذلك اليوم الذي صادف يوم الجمعة 23 / 3 / 1973 بتشجيع من المطرب حمزة السعداوي..

لقد كان حمزة السعداوي بكل ما تلقــَّاه من تعليم مقامي وعلى يد أكثر من أُستاذ كما مرَّ بنا، تقليدياً صرفاً..!! ولم يستطع أن يصهر كل هذه المعلومات والتأثيرات المقامية وتنوع أساليب أساتذته الادائية في أُسلوب خاص به يمكن أن يتميَّز به عن معاصريه..! اذ يبدو لنا بصورة واضحة وأكيدة، انه إستسلم جمالياً في التلذذ التام بسماع وتذوق المقامات التي أداها الفنان الكبير يوسف عمر بأُسلوبه المعروف الذي سيطر به على كيان حمزة السعداوي في نواح فنية عديدة، ورغم كل ذلك كان السعداوي أكثر وعياً من معاصره المطرب عبد الرحمن خضر في تقليد أُستاذه محمد القبانجي.. فقد كان حمزة السعداوي كثيرَ الإِهتمام بالشكل المقامي والأُصول التقليدية لمسارات اللحن المقامي متفهماً ومدركاً لأهمية وقيمة هذه الأُصول في الأُداء المقامي، وله قدرة جيدة في الحديث عن المقام العراقي وأُصوله الأَدائية بصورة جيدة تدلُّ على وعي بتفاصيل المسألة، يصلح أن يكون معلـِّماً بجدارة..! ولكن رغم الطبقات الادائية المختلفة في صوته وسعته كمساحة من فصيلة (التنور)، إلا أنه لم يمتاز بجمال هذا الصوت..! إذ يشعر السامع لمقاماته المسجلة وكأن الصوت يأتي من بعيد، أو أن صوتَه عند الأَداء يبدو وكأنَّه مضغوط ٌعليه..!!

لقد كان المطرب حمزة السعداوي من حيث شخصيته المقبولة في المجتمع المقامي، في وضع يساعده على التواجد دائماً في الاوساط المقامية، والافادة من كل هذه الخبرات التي جعلته مستمراً في عطائه كمطرب للمقام العراقي، ذلك أن بداية حياته الفنية كانت مشجعة كما يبدو لنا، بافتتاحه المقهى ولقائه بالحاج هاشم الرجب وغيره من المؤدين والمتخصصين في شؤون المقام العراقي، ومن خلال هذه الاجواء تشبَّع بجماليات المقامات بحيث جعلت منه مطرباً مقامياً معروفاً في ولاء تام وحب مخلص له.. وقد لاقى إستجابة لابأْس بها من قبل الجمهور، خاصة بعد أن لاقت مقاماته الاولى التي سجلها في دار الإِذاعة العراقية صدىً جيداً..

عن (محاور في المقام العراقي ــ المرحلة الثانية)