كيف تحول العالم للأوراق النقدية؟

Monday 8th of August 2011 05:16:26 PM ,

ملحق الاقتصادي ,

إيمان محسن جاسم
نتداول بين أيدينا الأوراق النقدية ولم يسأل أحدنا متى بدأ التعامل بالأوراق النقدية؟ وكيف كانت تسير التعاملات بين الدول قبل هذا؟
لقد بدأ نشوء النقود الورقية في أوربا في القرن السابع عشر فنظرا للمخاطر التي يتعرض لها التجار من حمل كميات كبيرة من المعدن النفيس فقد عمد هؤلاء إلى إيداع ما لديهم من ذهب أو فضة لدى الصياغة

للاحتفاظ بها لديهم حيث أنهم وحدهم هم الذين يملكون خزائن حديدية وكان الصائغ يعطي للمودع ورقة في شكل إيصال أو شهادة أو تعهد يتعهد فيه برد ما أودع لديه من ذهب بمجرد طلبه.
ولقد حدث تطوراً أخير يتمثل في أن الذي أصبح يتسلم الذهب ويصدر الإيصالات البنوك لا الصاغة ولعل أول محاولة حقيقية لإصدار نقود بنكنوت تمت في السويد عام 1856، وكانت النقود الورقية التي تصدرها مختلف البنوك والتي سميت لهذا السبب بنكنوت، ولقد كانت النقود الورقية قابلة للتحويل إلى ذهب أو فضة في بادئ الأمر ولكن منذ الثلاثينات من القرن التاسع عشر أصبحت هذه النقود الورقية غير قابلة للتحويل.
نعني بالنقود الورقية القابلة للتحويل تلك الورقة التي يصدرها أحد البنوك يتعهد فيها بأن يرد إلى حاملها بمجرد طلبه في شكل عملة ذهبية القيمة المحددة المكتوبة على الورقة، وهناك صور ثلاث لقابلية النقود الورقية للتحويل إلى ذهب، أولها قاعدة المسكوكات الذهبية فمن حق أي فرد حمل ورقة نقدية مهما كانت قيمتها في أن يحولها من البنك الذي أصدرها في أي وقت يشاء وبمجرد طلبه إلى مسكوكات ذهبية بقدر القيمة التي صدرت بها الورقة، وهكذا وفقاً لهذه القاعدة كانت تتداول إلى جانب الذهب أنواع أخرى من النقود كأوراق البنكنوت ولكن الذهب وحده هو الذي يتمتع بقوة إبراء غير محدودة، الثانية هي قاعدة السبائك الذهبية وهذه القاعدة تختفي المسكوكات الذهبية عن التداول ولكن النقود تظل مرتبطة بالذهب فأوراق البنكنوت أصبح لا يجوز تحويلها إلى ذهب في شكل قطع عملة ذهبية وإنما فقط في شكل سبائك ذهبية كاملة لا يقل وزن السبيكة عن وزن معين يحدده القانون ويبلغ عدة كيلوغرامات فإنكلترا حددت وزن السبيكة الذهبية بأربعمائة أوقية ثمنها ما يقرب من ألف وسبعمائة وخمسة عشر ألف جنيه إسترليني.
القاعدة الثالثة هي الصرف الذهبي وهي تعني اتباع قاعدة الذهب بطريقة غير مباشرة وذات طابع دولي، فوفقاً لهذه القاعدة ترتبط العملة الوطنية بالذهب عن طريق غير مباشر عن طريق عملة أجنبية قابلة للتحويل إلى ذهب، فالسلطات النقدية وأن لم تلتزم بتحويل أوراق البنكنوت التي تصدرها إلى ذهب فإنها تكون ملزمة بتحويلها إلى عملات أجنبية أو أوراق أجنبية يمكن تحويلها في بلدها الأصلي إلى ذهب. وهذه القاعدة تساعد الدولة التي تتبعها على توظيف قدر كبير من الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي تمتلكه في السوق المالية لدولة هذا النقد وهذا يحقق لها فائدة تسهم في التخفيف من عبء قاعدة الذهب.
لكن رغم المزايا التي تحققها قاعدة الصرف الذهبي للدول التي تتبعها فإنها تحمل في طياتها خطورة كبيرة تتمثل في احتمال تعرض دول النقد الأجنبي لصعوبات نقدية تؤثر في قيمة عملتها أو تجبرها على الخروج على قاعدة الذهب وهو ما حدث فعلاً لبريطانيا وانهيار النقد العالمي عام 1931 إذ اضطرت بريطانيا تحت ضغط سحب الدول الأخرى لاحتياطياتها من الإسترليني المودعة لديها وتحويله إلى ذهب مع عدم كفاية كمية الذهب الموجودة لديها لمواجهة طلبات السحب هذه إلى وقف تحويل الجنيه الإسترليني إلى ذهب والخروج من قاعدة الذهب مما أدى لانخفاض قيمة الجنيه مقارنة بالدولار والعملات الأخرى بحوالي 30% مما سبب خسارة كبيرة للدول التي كانت ما تزال تحتفظ بجزء من احتياطياتها في شكل الجنيه الإسترليني.
وبالتالي فإن قاعدة الذهب بدأت تواجه المشاكل منذ الحرب العالمية الأولى وأخذت تنهار وهناك عدة أسباب ساعدت على انهيارها أهمها اتجاه عدد من الدول الكبرى مثل انكلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع القيود والعراقيل في وجه التجارة الدولية وذلك بهدف تقوية مركزها الاقتصادي على حساب بقية الدول. المشكلة الثانية تمثلت بسوء توزيع الذهب بين دول العالم المختلفة وذلك نتيجة للحرب العالمية الأولى إذا أدت تلك الحرب إلى تركيز الجانب الأكبر من الاحتياطات الذهبية القائمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حيث دلت الإحصائيات في عام 1931 على أن ثلاثة أخماس ذهب العالم كانت موجودة في الولايات المتحدة وفرنسا بينما نجد دولا أخرى مثل ألمانيا قد قضي على احتياطاتها من الذهب لأنها دفعت من رصيدها الذهبي تعويضاً للحلفاء. ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة أقدمت الحكومات في كثير من الدول على تقيد حركات الذهب منها وإليها للمحافظة على ما بقي من احتياطي لديها.
الجانب الثالث يتمثل بعدم ملائمة قاعدة الذهب لظروف التوسع النقدي الذي تطلبه علاج الكساد الكبير الذي صاحب الأزمة العالمية الكبرى، مع قصور الإنتاج العالمي من الذهب عن مقابلة الطلب عليه للأغراض النقدية وغير النقدية وهذا القصور يتزايد باستمرار ويرجع ذلك لنمو حجم المبادلات المحلية والدولية.
وقد أدت الأسباب مجتمعة إلى سقوط قاعدة الذهب وانتهاء العمل بها نهائياً وبداية عصر النقود الورقية غير القابلة للتحويل وهي نقود ورقية انفصلت العلاقة بينها وبين ما كانت تساويه من ذهب أي أن البنك الذي أصدر هذه الأوراق أصبح غير ملتزم بتحويلها إلى ذهب أو حتى إلى عملة أجنبية أخرى قابلة للتحويل إلى ذهب وتركت الدولة فرض السعر القانوني لأوراق البنكنوت.
وفرض السعر الإلزامي لأوراق البنكنوت قد حرم الأفراد من تحويل البنكنوت إلى ذهب وفقدت أوراق البنكنوت كل صلة لها بالذهب الذي كان أصل وجودها وأصبح النقد الورقي يتمتع بقوة إبراء مستمدة من القانون الذي تصدره الدولة ولم يفقد الجمهور ثقته فيه وظل يحتفظ بقبول عام في التداول من جميع أفراد المجتمع.
وعلينا أن نقول بأن نظام النقد الورقي غير القابل للتحويل يمثل درجة أرقى في سلم التطور النقدي. وأن جميع النقود الورقية هذه أُصدرت بقدر كبير من الهيبة والنفوذ كما لو كانت من ذهب خالص أو فضة. وتختلف قيمة كل عملة حسب البلد الذي يصدرها وقوة اقتصاده، والمعروف حاليا في العالم الدولار الأمريكي واليورو كعملات نقدية قوية تستأثر بقوة في الأسواق العالمية.