خبير لـ المدى الاقتصادي : المصارف الإسلامية بانتظار قانونها لتنطلق في نشاطها الأساسي

Monday 15th of August 2011 05:52:46 PM ,

ملحق الاقتصادي ,

حوار/ ليث محمد رضا
المصارف الإسلامية تجربة حديثة على مستوى العمل المصرفي بل لمجمل الاقتصاد الوطني لطالما شكلت مثار جدل في الأوساط الاقتصادية، بين من لا يرى فيها اختلافاً عن غيرها معتقداً ان الاختلاف لا يعدو على مستوى العمل شكلياً باعتماد ما يعرف بـ الحيلة الشرعية

إضافة الى التسمية وبين مدافع يرى فيها نموذج حل للمخاوف الفقهية التي تدفع الجمهور للإحجام عن التعامل مع المصارف، المدى الاقتصادي حاورت خبير المصارف الإسلامية والمدير المفوض للمصرف الوطني الإسلامي الدكتور صادق الشمري لتدعيم تصور الوسط الاقتصادي عن هذا النمط من العمل المصرفي ومنهجيته وتحدياته ومدى قدرته على لعب دور إلى جانب المصارف التقليدية.
* ثمة رأي يقول بعدم الاختلاف بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية وان الفارق شكلي وحسب، فما السمات التي تميز المصارف الإسلامية عن غيرها بنظركم؟

- في الصيرفة الإسلامية تستحق الارباح على وفق قاعدة الغُنم بالغرم أي ربح وخسارة وقد يكون التعامل موجباً او سالباً ولا يحدد مسبقاً أي تطبيق احكام الشريعة، والصيرفة الاسلامية هي عقد يقصد به الرفق بالناس ومعاونتهم على شؤون الحياة والعيش وليس وسيلة من وسائل الكسب ولا اسلوباً من اساليب الاستغلال حيث يقطعه المقرض من ماله وهو قربة يتقرب بها الى الله "وأقرضوا الله قرضاً حسناً" كما أن العقود جائزة شرعاً على اعتبار أن المال لا يولد المال وإنما يولد العمل فهذا بماله وهذا بجهده وخبرته، على اعتبار أن النقد ليس سلعة وإنما هو معيار تقوم به الأشياء ومن شأن هذا المعيار (المقياس) أن يكون ثابتاً وأن الفائدة تلغي هذه الحكمة وتعتبر مفسدة حيث نرى النقد يرتفع وينخفض تبعاً لسعر الفائدة وبذلك فسد المقياس (المعيار) الذي تقوم به السلع (تجارة بالنقود)، تكون مسؤولة عن سير المشروع الممول بنفس درجة العميل المستثمر، أن مفهوم التمويل الإسلامي يعطي الأموال إلى من يتجر بها بإحدى صيغ التمويل لتحقيق الربح الحلال الذي هو المحرك الأساس لحركة الانتاج والنمو لاقتصاد البلد ومنفعة الفرد والمجتمع وتنمية القطاعات (الاقتصادية والاجتماعية) لتعزيز القيم التربوية والاجتماعية والانسانية كما يقوم بربط أهداف التنمية الاقتصادية بالاجتماعية عن طريق توجيه المدخرات الى المجالات التي تخدم الانسان بالدرجة الاساس وتحقيق عدالة التوزيع وتقليص الفجوة بين الغني والفقير فتقتل الشح والبخل لدى الغني وتقتل الحسد والعداوة لدى الفقير،لذلك سيؤدي إلى ارتفاع معدلات العائد التي تحققها الصيرفة الاسلامية اذا قورنت بالصيرفة التقليدية، أن الاحتفاظ بالنقود في الفقه الاسلامي يشكل تكلفة ينبغي أن يدفع عليها المسلم زكاة 2.5% لذا ينبغي تقليب هذه الاموال باستمرار لكي لا تأكلها الزكاة أن ملكية الوديعة للمودع تجعله يتحمل مخاطر إيداعها حيث أن يد المصرف يد امانة وليست يد ضمانة الا اذا ثبت قصور من قبل المصرف او خالف شروط العقد أو ما قيده رب المال عندها يعتبر متعدياً وتنقلب يده من يد امانة الى يد ضمانة على المال بمعنى تحول المال من مضاربة الى دين في ذمته، كما لا تظهر في جانب المطلوبات أي ودائع لأجل قروض وإنما تظهر ودائع الاستثمار ويقوم المصرف باستثمارها وفقاً لعقد المضاربة الشرعية على أساس المشاركة في الربح والخسارة (قاعدة الغُنم والغُرم)، والاهم من ذلك أن المصارف الإسلامية تخضع للرقابة الشرعية إضافة إلى رقابة البنك المركزي.

* ما أهم التحديات أمام تطبيق الصيرفة الإسلامية؟
- من الناحية القانونية نلاحظ ان البنوك المركزية لم تعترف بالمصارف الاسلامية في اغلب الدول التي تعمل في نطاقها ذلك ان معظم القوانين قد وضعت وصممت وفق النمط التقليدي وتحتوي احكاماً لا تناسب أنشطة العمل المصرفي الاسلامي، كما انفردت بعض الدول الكبرى وهيمنت على الأنشطة المصرفية في الدول الإسلامية.
أما التحديات من النواحي الاقتصادية حيث ان القوانين الصادرة عن البنك المركزي قد منعت المؤسسات المالية المصرفية من ممارسة أعمال التجارة وتملك المعدات والعقارات واستثمارها وتأجيرها مع أن تلك الأعمال من صميم أنشطتها في الوقت الذي يعفي فيه رؤوس أموال وفوائد المصارف التقليدية.
والمصارف الإسلامية الآن بانتظار اصدار قانونها لتنطلق في نشاطها الأساس.
ومن النواحي التشريعية في اختلاف الاجتهادات والفتاوى الشرعية حيث نلاحظ أن هناك تناقضا حادا وشديدا للفتاوى لدى هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الاسلامية مع تعددها وبين تلك الهيئات الشرعية وعلماء المسلمين من خلال هيئات الرقابة الشرعية مابين فتوى نظرية وفتاوى تلامس الحاجة المصرفية والحياة الاقتصادية وما بين متمسك بالأصل الشرعي وتطويع المسائل الفقهية بما يتناسب مع أعمالها الى درجة التساهل والتفريط بدافع الحرص على المسيرة الصيرفية الإسلامية، كما عكست الاختلافات في التطبيق وادت الى تنوع نماذج وعقود التمويل وهذا ما جعل القائمين الأوائل على المصرفية الإسلامية ان يواجهوا تحديات في اصدار قوانين خاصة بإنشاء مصارف قائمة على حكم الشريعة.
كما ويوجد تحدٍ من الناحية التشغيلية فالبنك المركزي يلزم جميع المصارف بضرورة الاحتفاظ بنسبة من ودائعها بحدود 20% لدى البنك المركزي، وان المصارف تقوم بدورها بإقراض هذه المبالغ بفائدة وهو مالا يتفق مع منهجها الإسلامي.
وهناك عدم توفر المورد البشري الكفوء لإدارة وتنوع وزيادة ادوات الاستثمار لدى المصارف الاسلامية، وبعد أكثر من ثلاث عقود من عمر الصيرفة الإسلامية ولم تقم البنوك المركزية بإصدار أي تعليمات من قوانين واضحة وشفافة للمصرفية الاسلامية وبالاخص بتقديم بدائل في انشطة السوق المفتوحة او الخصم او المقرض الاخير و تستفيد المصارف التقليدية من هذه التسهيلات اما الصيرفة الاسلامية فأنها بحكم ابتعادها عن التعاطي بالفائدة فأن الشريعة تحرم عليها تلك التسهيلات.
كما وثمة تحديات من الناحية الادارية على أعتبار أن المصارف الاسلامية تفتقر الى تحديد اجراءات التأسيس وقواعد المراقبة والتفتيش وسقوف الائتمان ومشاكل نسب الاحتياطيات والسيولة والتنسيق فيما بين الادارات وبين المصارف الاسلامية.
كما ثمة تحديات خارجية من خلال زيادة حدة التنافس وذلك عندما دخلت المصارف التقليدية العربية والغربية الى سوق الصيرفة الاسلامية بما تملكه من امكانات هائلة وخبرات وذلك من اتساع نشاط القطاع المالي الغربي عموماً والاوربي بوجه خاص واتجاه المؤسسات المالية العالمية نحو الاندماج والتعملق.
هناك تحد اخر وهو الالتزام بتعليمات البنوك المركزية، وتحديات الالتزام بتعليمات هيئات الرقابة الشرعية والالتزام بمعايير الرقابة المصرفية الصادرة عن لجنة بازل لمواجهة المخاطر الائتمانية والسوقية ومخاطر التشغيل أضافة الى الالتزام بمعايير الحوكمة والتي تهدف الى وجود نظام تدقيق داخلي وشرعي ونظام حديث للمخاطر يوفر امكانية مساءلة الإدارة التنفيذية والتأكد من قدرة مجلس الادارة على حمل الأمانة.

* ما هي ضوابط استثمار الأموال في المصارف الإسلامية؟
- تعتمد المصارف الإسلامية على بعض المعايير والأسس من أجل تحقيق التوظيف السليم والكسب الحلال يمكن إيجازها بأربعة معايير أولها معيار الكسب الحلال من خلال تطبيق حكم الشريعة طالما أن المصرف مؤسسة مالية تهدف إلى تحقيق الكسب الحلال من خلال صيغة المضاربة والمشاركة ويجدر القول أن في قاعدة التوازن بين السيولة والأمان هذا سلوك جميع المصارف أن كانت أسلامية أو تقليدية.
أما المعيار الثاني فهو تنمية وتطوير المجتمعات إذ أن الصيرفة الاسلامية تمتاز بصفة الشمولية بمعنى ضرورة الالتزام بجميع التعاليم الاسلامية أي تحقيق تنمية وتطوير القطاعات حسب الاولويات أي تحقيق مقاصد الشريعة في المحافظة على الدين، العقل، النسل، النفس، المال.
اما المعيار الثالث فهو عدم الاكتناز أي استثمار الأموال وتنميتها فالصيرفة الاسلامية تعتمد اساساً على الاستثمار فهو بالنسبة لها كالقلب الذي يضخ الدماء الى جميع انحاء الجسم اذ بدون الاستثمار لا مجال لاستمرارية تلك المصارف وعلى المصرف ان يقوم بإيجاد وابتكار صيغ استثمارية وتمويلية لغرض توجيه هذه الاستثمارات وفقاً لما يريده الله.
والمعيار الرابع يتمثل بالتوازن والتكافل فالصيرفة الاسلامية لها دور اجتماعي هام في تحقيق التكافل والمسؤولية الاجتماعية ومن ضمن ذلك جمع الزكاة وصرفها في ابوابها الشرعية وكذلك في توزيع العوائد توزيعاً عادلاً كما أن صندوق القرض الحسن الموجود في بعض المصارف يضيف بعداً إنسانياً واجتماعياً وهو ضمن المسؤوليات الواردة ضمن إستراتيجية وسياسة بعض تلك المصارف أي اداء حق الله في الاموال.

* وما طبيعة وظائف المصارف الإسلامية؟
- تمويل القطاعات المختلفة من خلال تقديم التمويل المناسب للقطاعات الصناعية والزراعية، اضافة لتقديم التمويل لقطاع المقاولات والعقارات بصيغ عقود الاستصناع والاجارة، وتقديم التمويل المناسب للنشاط التجاري استيراداً وتصديراً عن طريق تطبيق أساليب البيوع الاسلامية المختلفة كالمساومة والمضاربة والمشاركة والمرابحة للامر بالشراء وما يتعلق بهذا النشاط من فتح الاعتمادات المستندية واصدار خطابات الضمان ومؤشرات التحصيل والشحن كما أن إدارة الإسلامي بإمكانها ان توفر لزبائنها خدمات استشارية وفنية لمساعدتهم على اختيار ما يناسبهم من فرص الاستثمار والتمويل.
اما الوظيفة الثانية فتتمثل بإدارة استثمارات اموال الغير حيث يكون المصرف مضارباً عن طريق هذه الالية لقاء نسبة من ناتج الاستثمار على اساس عقد المضاربة ويستحق تلك النسبة في حال تحقق الربح فقط وإذا تحققت الخسارة فأن المصرف يخسر جهده ووقته ويتحمل رب المال الخسارة المالية كما قد يقوم المصرف باستخدام هذه الآلية من خلال اجر مقطوع او نسبة من المال المستثمر وذلك على أساس عقد الوكالة بأجر ويستحق هذا الأجر بأداء العمل سواء تحقق ربح ام لم يتحقق.
كما وتوجد وظيفة استثمار الأموال وعن طريق هذه الآلية يقوم المصرف الاسلامي بتوظيف الاموال المتاحة له من مصادر ذاتية مع حسابات الاستثمار التي تلقاها بصفته مضارباً باستخدام عقود مختلفة او عن طريق تأسيس منشئات تابعة للقيام بأوجه نشاط مختلفة أو عن طريق الاسهام في منشئات قائمة وعند تحقق ارباح او خسارة نتيجة هذه الاستثمارات فعندها يقوم المصرف بتوزيع ذلك على مصادر الاموال المستثمرة بعد استقطاع النسبة المخصصة له من الربح في حال تحققه وذلك بصفته مضارباً وحسب الاتفاق مع اصحاب حسابات الاستثمار مع العلم أن هذه الحسابات تنقسم الى حسابات الاستثمار المطلقة التي يقوم اصحابها بأعطاء الحق للمصرف في استثمار تلك الاموال وفق ما يراه مناسبا دون تقييد اصحاب الحسابات للمصرف باستثمارها بانفسهم او في مشروع معين او لغرض ما، وثمة ما تعرف بحسابات الاستثمار المقيدة وان هذه الادارة التي يقيد اصحابها المصرف ببعض الشروط كأن يستثمر في مشروع معين أو لغرض معين او ان لا يخلطها بأمواله او عدم البيع بالاجل او بدون كفيل او رهن او اشتراط البيع بربح لا يقل عن نسبة محددة مقدماً او ان يشترط اصحاب تلك الحسابات على المصرف ان يستثمرها بنفسه عن طريق مضاربة مع الغير.
اما الوظيفة الرابعة فتتمثل في الخدمات المصرفية اذ يقوم المصرف الاسلامي بتقديمها مقابل اجر محدد كالحوالات والصكوك وفق الاعتمادات واصدار خطابات الضمان والخدمات الاستشارية وخدمات الصراف الالي من خلال الاستفسار عن الرصيد او طباعة كشف الحساب او التحويل من الحساب الجاري الى التوفير او بالعكس او اصدار بطاقات خاصة للتسوق على شبكة الانترنت بكل امان وغيرها من الخدمات الاخرى.
وتعد الخدمات الاجتماعية الوظيفة الخامسة للمصارف الاسلامية فهندسة الصيرفة الاسلامية تقضي بأن يقوم المصرف بتقديم خدمات اجتماعية كثيرة من خلال الاقراض او من صندوق القرض او من صندوق الزكاة والصدقات ليقوم بتنمية الطاقات البشرية وخدمة البيئة وكل ما ينبثق عن مفهوم اعمار الارض من خلال ايجاد فرص عمل لشرائح واسعة وكبيرة من المجتمع وتدريبه واكسابهم مهارات فنية عالية ودعمهم مالياً لاخراجهم من دائرة البطالة ليكونوا افراداً منتجين في المجتمع.
والوظيفية السادسة فهي الاتجار المباشر والاستثمار المباشر في المصارف الاسلامية اذ تتسع صيغة المصرف للاتجار المباشر كأحد صيغ توظيف الاموال سواء في البيوع العادية او بيوع المرابحة، ويقوم المصرف بذلك من خلال بدائل متنوعة من الادارة المختصة بالتمويل والائتمان او عن طريق ادارة تجارية مستقلة داخل هيكل المصرف او عن طريق شركة تجارية تابعة او عن طريق التعاون مع التجار، ويمكن للمصارف الاسلامية ان تقوم بتأسيس مشروعات جديدة او تشارك في اخرى قائمة، أي ان تقوم المصارف الاسلامية ببيع ما سبق ان اشترته من السلع بثمنه الاصلي مع زيادة الربح عليه ويعتبر هذا الشكل من قبيل الاتجار المباشر.
وتتمثل الوظيفة السابعة بضمان الأموال فأموال الحسابات الجارية وما يأخذ حكمها مضمونة من جانب المصرف، والاموال المشاركة في حسابات الاستثمار في النتائج الفعلية للعمليات ومن ثم يرد عليها احتمالات النقصان في الارباح المتوقعة، وكذا احتمالات النقص في قيمة اصل المال، وتنشئ المصارف الاسلامية نظماً لحماية اموال الودائع ووقايتها من مخاطر الخسارة على أسس تعاونية تكافلية، واذا كان النقص في الارباح او في اصل الاموال ناتجا عن تقصير او اهمال او مخالفة للشروط المتفق عليها من جانب ادارة المصرف المضارب فأن المصرف يتحمل وحده عبء النقص واثاره وتلزمه بذلك السلطات النقدية.