الاقتصاد الياباني.. النهوض وتجاوز آثار الحروب

Monday 15th of August 2011 05:55:00 PM ,

ملحق الاقتصادي ,

إياد مهدي عباس
عند الحديث عن الاقتصاد العراقي والمعوقات التي تقف في طريق نهوضه لطالما يذكر البعض بان الحروب كانت سببا رئيسيا في تدهور الوضع الاقتصادي حيث ساهمت في تدمير البنية التحتية للبلد إضافة إلى تبديد الأموال والثروات الطبيعية والبشرية ومشاكل كثيرة أخرى موروثة من زمن تلك الحروب.

ونحن هنا نتفق مع هذا الرأي إلا إننا لا نريد ان يستمر التحجج بهذه الذريعة لفترة طويلة فيجب على الدولة ان تتجاوز هذه المخلفات كما حدث في الاقتصاد الياباني في 1945م حيث أسقطت الطائرات الأمريكية أول قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي وتركت تلك الحرب اليابان مهزومة شر هزيمة، فالكثير من المدن اليابانية تحولت إلى أنقاض، والصناعات اليابانية تحطمت، واحتلت قوات الحلفاء اليابان. غير أن مهارة الإنسان الياباني عملت بشكل دؤوب للتغلب على آثار الحرب. فمع نهاية الستينيات من القرن العشرين الميلادي، أصبحت اليابان قوة صناعية عظمى. حاز النجاح الاقتصادي الياباني إعجاب العالم. وفي الوقت الحاضر، لا تتمتع إلا شعوب قليلة بمستوى معيشي يفوق مستوى معيشة اليابان.
ولقد حقق الاقتصاد الياباني تقدمًا كبيرًا بعد الحرب العالمية الثانية، فمع منتصف الخمسينيات، عاد الإنتاج الصناعي إلى مستواه قبيل الحرب، وأثناء الفترة من 1960 إلى1970م، كان الإنتاج الاقتصادي ينمو بمعدل 10% سنويًا.
ويعود الفضل في هذا النجاح السريع إلى عدة أسباب منها: استيراد اليابان للتقنية الغربية بأسعار رخيصة نسبيًا، والاستثمار الكبير في الآلات والمعدات، وتركيز اليابانيين على إنتاج سلع للسوق العالمية، وتمتع اليابان بقوى عاملة مدربة بشكل جيد، وتعمل بجدية متناهية. علاوة على ذلك، فقد نمت التجارة الدولية بشكل متسارع بعد الحرب مما مكن اليابان من استيراد الخامات التي تحتاجها، وتصدير السلع الصناعية المتنوعة. كما ارتفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان بعد الحرب، فزاد استهلاكهم من الأجهزة الكهربائية.
واليوم تعد اليابان واحدة من عمالقة الصناعة في العالم، حيث لا يفوق الإنتاج الصناعي الياباني سوى إنتاج الولايات المتحدة. وقد صنع اليابانيون مجموعة متنوعة من المنتجات، بما فيها السيارات والحواسيب والحديد والفولاذ ومواد البلاستيك وأجهزة المذياع والتلفاز. وأصبحت اليابان قوة اقتصادية رئيسية رغم قلة مواردها الطبيعية، إذ إنها تستورد كثيرًا من المواد الخام التي تحتاجها الصناعات، كما تعتبر اليابان من البلدان التجارية الرئيسة.
وفي نظرة سريعة للاقتصاد الياباني نجد أن الصناعة هي القطاع المهيمن على الاقتصاد. ويعتمد هذا القطاع على صادرات المواد الأولية و الطاقة. أما القطاع الزراعي فيشغل حجماً أصغر في اقتصاد البلاد و يحظى بدعم كبير من الحكومة. ونسب المردودية في اليابان هي الأعلى في العالم ويسد اليابان احتياجاته الشخصية من الأرز بنفسه، و يقوم باستيراد الأنواع الأخرى من الحبوب. يعد أسطول الصيد الياباني الأكبر في العالم، و يقوم بحصد 15% من محصول الصيد في العالم.
عرف الاقتصاد الياباني نمواً كبيراً خلال العشريات الثلاث الأخيرة: 10% سنويا خلال الستينات، 5% سنويا خلال السبعينات، 4% سنويا خلال الثمانينات. ثم تناقصت وتيرة النمو خلال التسعينات بسبب الاستثمارات الضخمة خلال العشرية التي سبقتها، و السياسة التقشفية التي انتهجتها الحكومة للتخلص من الفائض في الأسواق المالية والعقارية.
واستطاعت بذلك أن تضع الخطط الإستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية فاكتسحت أسواق العالم بسلعها ذات الجودة العالية وإنتاجها العظيم (برغم فقرها بالموارد الطبيعية وطبيعة أراضيها الجبلية التي تغطي 85 % من مساحتها البالغة (377459) كلم مربعاً وعدد سكانها الكبير البالغ تعداده (123400) مليون نسمة ومع ذلك استطاعت أن تحقق نجاحاً اقتصادياً كبيراً بهر الغرب والعالم وصارت مقصداً للباحثين ليتعرفوا على أسرار نجاح اليابان.
ما نريد أن نقوله هنا بان العراق لديه ثروات بشرية وطبيعية كبيرة لكنه يعاني كثيرا في النهوض بالاقتصاد فهاهي السنوات تمر دون أن نشهد نهضة يمكن أن نقول إنها كبيرة بالرغم من الجهود والتخصيصات الكبيرة. فما السر في نجاح تجربة اليابان الاقتصادية؟ وما الأسس والمعايير التـــــــــي قامت عليهـــــا؟ وهل يمكن الاستفادة من هذه التجربــــــــــــــة فــــــي العـــــــــراق بهـــــــــــــدف النهــــــــــوض باقتصـــــــــادنا وتحقيق التنميــــــــــــــة الاقتصادية -الاجتماعية؟.
نحن هنا في هذه المساحة من الملحق الاقتصادي نحاول أن نستعرض العديد من التجارب الاقتصادية العالمية الناجحة ومنها تجربة اليابان لان العراق بحاجة الى دراسة معمقة لتجارب الشعوب الرائدة التي تسعى الى الحفاظ على الذات مع الانفتاح الكامل على روح العصر وحضارته وثورته الإعلامية والمعلوماتية، وأمامنا العديد من تجارب الشعوب التي حققت تقدماً في النظم الإدارية انعكس على تقدمها الاقتصادي والاجتماعي كما هو حال أوروبا والولايات المتحدة، وفي أسيا استيقظ عملاق كبير هو (الصين الشعبية) التي استطاعت أن تنهض بمؤسساتها الإدارية والإنمائية لتكون ثالث دولة في العالم من الناحية الإنتاجية واستطاعت ان تغمر أسواق العالم بسلعها المنافسة، وفي الشرق العربي برزت عدة دول في هذا المجال ولكن بقدرات محدودة مثل الإمارات العربية وقطر والسعودية، وفي جنوب آسيا حققت ماليزيا تقدماً كبيراً بتطوير أنظمتها الإدارية.
ونحن نتمنى أن يستفيد العراق من تجارب الآخرين للنهوض بالواقع الاقتصادي واللحاق بركب هذه الدول الناجحة اقتصاديا.