الملك فيصل الاول يضع ثقته في ناجي شوكت لتشكيل الوزارة الخامسة عشرة 1933

Sunday 1st of January 2012 06:04:56 PM ,

ذاكرة عراقية ,

ولد في ناجي شوكت في بغداد سنة 1311هـ (اذار 1893) وتوفي فيها في 11 اذار 1980 الف وزارة واحدة في 3 تشرين الثاني 1932 واستقالت في 18 اذار 1933.
كيف تكونت؟
كان الملك فيصل الاول يعقب سياسة خاصة في حفظ التوازن بين القائمين على الحكم في البلاد وبين المعارضين فيها فكان يقرب اقطاب المعارضة حيناً ويبعدهم حيناً اخر

وكان يري ان العراق بعد ان تحرر من ربقة الانتداب واصبح مستقلاً بدخوله عصبة الامم لابد ان يسير في حياته الجديدة على نهج جديد. وقد لاحظ ان وزارة نوري السعيد التي تكونت في يوم 33 اذار 1930 وعدلت في يوم 19 تشرين الاول 1931 تعرضت الى انتقادات قاسية ووجهت اليها طعون لاذعة فرأى ان لابد من اجراء تعديلات في سياسة الدولية اذا ما انتهت مهمة نوري بدخول العراق عضواً في عصبة الامم لاشعار الرأي العام بانتقال العراق من عهد الى عهد ولاسيما وان نوري كان قد اصابه الغرور واصبح يرى نفسه انه الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يدير دفة الحكم دون غيره من رجال البلد وساسته فانتهز جلالته فرصة سفره الى “بارزان” ومعه وزير الداخلية ناجي شوكت في آب 1932 فأعرب للوزير عن رغبته في تكوين وزارة محايدة او مؤتلفة اذا ما تم انخراط العراق عضواً في عصبة الامم فتتولى هذه الوزارة حل المجلس النيابي القائم وتشرع في انتخاب مجلس جديد تتمثل فيه الاحزاب السياسية كلها وتكون نسبة المثقفين فيه اعلى نسبة عرفتها المجالس النيابية في العراق من قبل. فلما قدم نوري استقالته من رئاسة الوزراء في 27 تشرين الاول 1932 بعد ان دخل العراق عصبة الامم في اليوم الثالث من هذا الشهر تلفن الملك علي الى ناجي شوكت في مساء اليوم الاول من تشرين الثاني يدعوه الى تناول العشاء على مائدته مع اخيه الملك فيصل فلما اجتمع ناجي بالملكيين الاخوين سأله الملك فيصل ان يرشح ثلاثة اشخاص لتكوين الوزارة الجديدة فذكر هذا له اما السادة ناجي السويدي ورشيد عالي الكيلاني وجميل المدفعي. فقال الملك فيصل: “ اما رشيد عالي فهو يشغل رئاسة الديوان في الوقت الحاضر واما جميل المدفعي فان وقته لم يحن بعد فضلاً عن انه قد انتخب لرئاسة مجلس النواب حديثاً واما الثالث فهو ناجي شوكت”.وبعد يومين استدعى الملك فيصل ناجي شوكت الى بلاطه الملكي وقال له: “ اني قررت ان اضع ثقتي فيك لتكوين الوزارة الجديدة فأرجو ان تكون عند حسن ظني بك وان تجعلني اذكر دوماً اني كنت موفقاً في وضع ثقتي”. فشكر ناجي صاحب الجلالة على ثقته وعرض عليه استعداده لخدمة البلاد وانه سيكون وزارته من شبان محايدين ومجردين من كل تحزب فوجه اليه صاحب الجلالة هذا الكتاب:
وزيري الافخم ناجي شوكت
“ بناء على استقالة فخامة نور السعيد من منصب رئاسة الوزراء ونظراً الى اعتمادنا على درايتكم واخلاصكم لقد عهدنا اليكم برئاسة الوزارة الجديدة على ان تنتخبوا زملاءكم وتعرضوا اسماءهم علينا والله ولي التوفيق.صدر عن قصرنا الملكي في اليوم الرابع من شهر رجب لسنة الف وثلثماية وواحد وخمسين هجرية. الموافق لليوم الثالث من شهر تشرين الثاني لسنة الف وتسعماية واثنين وثلاثين ميلادية.وقد اكد لنا السيد ناجي شوكت ان فيصل ترك له حرية اختيار اعضاء وزارته فقرر تاليفها من اشخاص لم يسبق لهم ان اشغلوا المناصب الوزارية من قبل او انتظموا في منظمات سياسية فكان لا بد من الرجوع الى كبار الموظفين لانتقاء الوزراء الجدد من ذوي الكفاءة والمعة الحسنة. وعلى هذا الاساس تكونت الوزارة في يوم 3 تشرين الثاني من:
1- ناجي شوكت : رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للداخلية.
2- نصرت الفارسي : وزيراً للمالية.
3- جميل الوادي : وزيراً للعدلية.
4- جلال بابان: وزيراً للاقتصاد والمواصلات.
5- رشيد الخوجه: وزيراً للدفاع.
6- عبد القادر رشيد : وزيراً للخارجية.
7- عباس مهدي: وزيراً للمعارف.
وتقول جريدة العهد “ لسان حال حزب العهد” الصادرة في يوم 4 تشرين الثاني سنة 1932” ان تاليف الوزارة على هذا النحو وهذا النمط وعلى هذا الشكل جعل الناس يضربون اخماساً لاسداس فمن المتفائل الى متشائم الى من يقول ان هذها الوزارة انتقالية وليس لها ثمة صفة اخر”..اما وزارة الخارجية البريطانية فقد علقت على برقية سفيرها في بغداد المرقمة 338 والمؤرخة 3 تشرين الثاني 1932 عن تاليف هذه الوزارة بقولها: ان ناجي شوكت لا يسمع جيداً ولا يتكلم اية لغة غير العربية وان السرج كلارك سفير بريطانية في انقرة وجده زميلاً صعباً بدرجة جعلته يطل من السر فرنسيسي همفريز ان يبذل قصاراه لسحبه من انقره، ولا يظن ان وزارته ستدوم اكثر من بضعة اشهر.
منهاج الوزارة
لم تكد الوزارة الجديدة تتسلم زمام الامور حتى وضعت المنهاج الاتي نصبه: بد الاتكال على الله تعالى واستناداً الى ثقة صاحب الجلالة الملك المعظم الغالية واعتماداً على معاضدة الامة ومؤازرتها تسلمت الوزارة مقاليد الحكم واعتزمت السير في امور المملكة وفقاً للمنهاج الاتي:
السياسة الخارجية:
العناية التامة:
أ- بتقوية صلات والصداقة مع بريطانيا العظمى بروح التحالف القائم بين المملكتين.
ب- بتوطيد اواصر العلاقات الحسنة القائمة بين العراق والدول المتحابة وخاصة الدول المجاورة.
ج- بالقيام بالواجبات المترتبة على العراق بصفته عضواً في عصبة الامم.
د- بالسعي في كل ما من شانه تقوية الروابط الاخوية التي تربط العراق بالبلدان العربية المجاورة بصورة الى تعزيز روح الاخاء والمنافع المشتركة.
السياسة الداخلية
تنظيم وتحسين الادارة وترقية مستوى كفاءتها وذلك:
أ- بالنظر في تشكيلات الدولة وترتيب وتوزيع الوظائف بنسبة الحاجة اليها.
ب- بأتخاذ الاساليب الكافلة لرفع مستوى كفاءة الموظفين.
ج- بتقوية المراقبة على الاعمال الرسمية وتفتيشها.
تنظيم ميزانية متوازنة على اساس:
أ- تحديد المصروفات الاعتيادية باقل ما يمكن مع المحافظة على حسن القيام بالخدمات امة.
ب- اعادة النظر في مشروع الخمس سنوات على اساس جعل مناهجه يتضمن المشاريع مرة الكبرى والعمرانية الاكثر ضرورة ونفعاً وتخصيص مدخولات النفط لتلك المشاريع.السعي في اتخاذ التدابير المؤدية الى تصريف منتوجات العراق في الخارج. النظر في امكان تحسين طريقة جباية ضريبة المواشي -الكودة- تحسين حالة الزراعة بصورة عامة من ذلك تنظيم الواجبات والحقوق في مابين الزراع عناية بتاسيس الصناعات الزراعية.تقوية الجيش والنظر في افضل الاساليب التي يجب اتخاذها لاشتراك الشعب في خدمة الدفاع الوطني.
العناية بالمعارف على اساس:
أ- توسيع التعليم الاولي وجعله اكثر اطباقاً على الحاجات المحلية.
ب- جعل مناهج التدريس كالفة لتنمية روح الاعتماد على النفس والعمل .
توسيع التدابير الصحية ولاسيما مكافحة الامراض.
ترقية النظام القضائي.
تعديل نظام دعاوى العشائر بصورة تكفل ملاءمته مع احكام القوانين العامة لعادات العشائر.
تنظيم شؤون العمل وتأمين حقوق العمال. الاهتمام بتحسين حالة البلديات بصورة عامة ومعاضدة امانة العاصمة مالياً لتتمكن من القيام بمشاريع عمرانية معينة لتنظيم العاصمة.
حل المجلس القائم
كان نوري السعيد قد جمع مجلسه النيابي ليسند سياسة وزارتيه في السير بالبلاد وفق الخطط التي رسمها في مناهجه. فلما اسفرت تلك الخطط عن دخول العراق في عصبة الامم. واستقالت وزارته الثانية في 27 تشرين الاول 1932 على الرغم من وجود اكثرية النواب في حزبه تالفت الوزارة الشوكتية كان لا بد من حل مجلس نوري والشروع في انتخاب مجلس جديد تتمثل فيه ارادة البلاد تمثيلاً جديداً لاسيما وان الملك كان يرغب رغبة ملحة في تقليم اظافر نوري والحد من نفوذه وهوسه. فلما شعر نوري بعزم الوزارة الجديدة على حل المجلس النيابي القائم ادرك ما تنضوي عليه اللعبة فقصد مجلس الوزراء بنفسه وعرض على الرئيس ناجي استعداده لوضع الاكثرية النيابية المتمثلة في حزب العهد تحت تصرفه على ان يبقى المجلس على حاله فلا يمس بالحل ولكن فكرة الحل هذه كانت قد تقررت فصدرت الارادة الملكية التالية: قم 707 حيث ان مجلس النواب الحاضر تالف بنتيجة انتخاب كان قد جرى لاستفتاء الامة في المعاهدة العراقية - البريطانية المؤرخة في 30 حزيران سنة 1930 دون ان يتناول الاستفتاء يجب تعقيبه من الخطط عندما تنجز قضية المعاهدة المذكورة التي كانت رهينة المستقبل انذاك وحيث ان المعاهدة المذكورة قد دخلت الان في حيز التنفيذ وافتتح امام البلاد دور - يختلف عن الدور الذي سبقه من حيث تطلبه سياسة على اساس الاستقلال والمسؤولية التأمين وكافلة لارتكاز كيان البلاد وانكشاف رقيها في مختلف النواحي - يستلزم فهم رغائب الامة بشانه .وحيث ان فهم رغائب الامة يتوقف على استفتائها بطريقة تمكنها انتخاب نواب عنها يعبرون عن تلك الرغائب نظراً لمقتضيات الدور المذكور. فقد اصدرت ارادتي الملكية بعد الاطلاع على المادة الـ 26 من القانون الاساسي وبناء على ماقرره مجلس الوزراء وعرضه علينا رئيس مجلس الوزراء بحل مجلس النواب والبدء بانتخاب مجلس جديد.
على رئيس الوزراء تنفيذ هذه الارادة.
كتب ببغداد في اليوم الثامن من شهر تشرين الثاني سنة 1932 واليوم العاشر من شهر رجب سنة 1351.
رئيس الوزراء - ناجي شوكت
نواب العهد يضربون
لما فشل نوري السعيد في اقناع ناجي شوكت بالابقاء على مجلس النواب حاول عرقلة تنفيذ الارادة الملكية الصادرة بحله عن طريق الاخلال بنصاب الاجتماع. وقد لوحظ ان نواب حزب العهد لم يحضروا الجلسة النيابية التي تليت فيها الارادة الملكية اثبت نصها اعلاه على الرغم من انتظار رئيس المجلس اياهم زهاء الساعتين ودعوتهم الى استماعها مراراً الامر الذي اضطر وزير العدلية الى ان يلقي هذه الارادة على ثاثة عشر نائباً فقط وفي ذلك تقول جريدة العالم العربي الصادرة في يوم 10 تشرين الثاني 1932 وعدد (2659) : “ ومما ادى الى تقول بعض الملاحظين هنا وهناك - وقد سمعتهم باذني- بأن حركة الاكثرية الحزبية في اضرابها عن الحضور كانت غريبة في بابها فان المجالس النيابية السابقة لم يحظ احد منها بان يقضي الدورات الاربع او بان يدوم ما يشاء ان يدوم ومع هذا كله فقد كان اعضاؤها يحضرون الجلسة مراعاة للقوانين والاصول وقواعد الجراة الادبية والمجاملات السياسية فضلاً عن الاحترام الواجب للارادة الملكية المقروءة في المجلس. ولم يذكر تاريخ مجالسنا ان الاكثرية اضربت هكذا اضراب الاكثرية العهدية في حين ان هذا الاضراب لا قبل له ان ياتي بأية او ان يغير اي تدبير او قضاء محتوم لان الارادة بالملكية تقرأ على كل حال وتذاع على كل حال سواء حضرت الاكثرية الحامة في السابق او لاحق، وسواء شاءت او ابت وان الاكثرية العهدية قد برهنت في حركتها هذه على عدم مراعاة الاصول وعلى قلة جرأة ادبية لاسيما بعد ان سمعت زعيمها نفسه يجاهر في المجلس من ايام قليلة ان مهمته قد انتهت وانه يترك الشغل الى اخر بحسب الاصول المرعية”.

مجلة افاق عربية 1978