ماهي قصة العثور على اول نص مسرحي يطبع في العراق ؟

Tuesday 1st of May 2012 08:07:36 PM ,

ذاكرة عراقية ,

احمد فياض المفرجي
منذ عام 1961، وفي السابع والعشرين من شهر آذار تقام في جميع انحاء العالم، احتفالات بيوم المسرح العالمي.. وقد دأب المسرحيون في العراق اعتباراً من عام 1966 على مشاركة مسرحيي العالم احتفالا بهم بهذا اليوم الذي من اهدافه التعرف على التراث المسرحي ونشره بمختلف الاشكال..

ان هذه المناسبة تثير فينا – نحن الوثائقيون – حنيناً الى المصادر الاول لحركة المسرح في بلادنا، لمراجعتها وكشفها امام الجيل الجديد الذي يفتقر – مع الاسف – الى الوقت والصبر الكافيين للرجوع المباشر الى تلك الاثار الرائدة من خلال عمليات البحث والمسح التي هي سبيلنا لاستكشاف الماضي ودراسة عناصره الايجابية التي تحمل شحنات تضيء الحاضر..
ولعل من اهم صفحات تراثنا المسرحي، التي تستاهل المراجعة في مناسبة "يوم المسرح العالمي" هي مسرحية "لطيف وخو شابا" التي "استخرجها من الفرنسية نعوم فتح الله سحار احد المعلمين في مدرسة الآباء الدومنيكيين، والتي "طبعت في الموصل في دير الاباء الدومنيكيين سنة 1893".
وكان اول من اشار الى هذه المسرحية الدكتور علي الزبيدي في مقال نشره في سنة 1965، بمجلة "الاقلام" الصادرة عن وزارة الثقافة والارشاد – انذاك – وشرح الزبيدي قصته مع "لطيف وخوشابا" ايضا في كتابه "المسرحية العربية في العراق" الصادر في سنة 1967 عن معهد البحوث والدراسات العربية في جامعة الدول العربية، حيث ذكر: "فقد نبهني الى وجودها الاستاذ كوركيس عواد، وهو الذي حدد لي سنة تاليفها وطبعها وذكر لي بعض التفاصيل عن تمثيلها" و"لم استطع العثور على نسخة منها رغم الجهود التي بذلتها والمتاعب التي لقيتها في هذا السبيل" و"قد بحثت عن هذه المسرحية في اماكن مختلفة، واستعنت ببعض مدرسي المدرسة الكلدانية التي انتقلت الى بغداد فباءت محاولاتي للعثور على نسخة منها بالفشل..".
وبعد نشر مقالة الدكتور الزبيدي عقب عليه الدكتور صالح جواد الطعمة بكلمة عنونها "المسرحية في العراق في العهد العثماني" نشرها في مجلة "المكتبة" التي تصدرها مكتبة المثنى ببغداد.. وجاء في هذا التعقيب:
(.. وقد احسن الدكتور علي الزبيدي صنعا عندما قام اخيراً بمحاولة تصحيح هذا الانطباع السائد، وذلك باشارته الى مسرحية نشرت لمؤلف عراقي عام 1893م).
غير انه ما يدعو للاسف ان الدكتور الزبيدي لم يستطع الوقوف على نص مسرحية نعوم فتح الله سحار المعروفة باسم "لطيف وخوشابا" بسبب عدم تيسرها، وان كان قد حاول تلخيصها على اساس اتصالاته الشخصية كما يفهم القاريء. ولم يشر الى مراجع مطبوعة تناولتها.. فهناك مثلا معجم سركيس "المطبوعات العربية والمعربة" المطبوع في سنة 1928، وقد اشار الى ان الاستاذ قد احترف التعليم في مدرسة الرسالة الدومنكية في الموصل و"صرف عنايته في تنشيط اعماله للتمثيل على مسرح هذه المدرسة" وذكر عدداً من المؤلفات بينها رواية "لطيف وخوشابا" معتمدا كما يبدو على تاريخ الموصل للقس سليمان صائغ..
كما ان هناك مطبوعات اخرى او فهارس – كفهرس مكتبة نيويورك العامة – تشير الى ان المسرحية مترجمة عن الفرنسية او مقتبسة عن مسرحية "مدام دي بنوار".
وقد اثارت ملاحظات الدكتور الطعمة حماس عدد من الباحثين، حيث قاموا بعمليات مسح واسعة في مكتبات بغداد والموصل وفي الديارات والكنائيس بغية العثور على نسخة من "لطيف وخوشابا".
ويبدو ان تواجد الاستاذ عمر الطالب المدرس في جامعة الموصل، في المدينة التي تم فيها طبع المسرحية، قد مكنه من تحقيق الامنية التي راودتنا نحن المعنيين بتدوين تاريخ حركة المسرح في العراق.
وكان الاستاذ عمر الطالب هو مصدرنا الذي حصلنا منه – الزبيدي وانا – على نسخ من المسرحية التي يجد – القراء – تفصيلات وافية عنها في الكتاب الذي الفه عن "المسرحية العربية في العراق" وحصل به على شهادة الدكتوراه..!
اما المكان الذي كانت مسرحية "لطيف وخوشابا" مودعة فيه فهو دير الآبار الدومنكيين الكائن بمنطقة الساعة في محافظة نينوى، وهو دير قديم لعب دوراً مؤثراً في نشر المعرفة، وما زال هذا الدير يمتلك مكتبة كبيرة، ولايعرف احد ما فيها من كنوز غطاها الغبار، وقد زرت دير الآبار الدومنكيين مرات عدة وراجعت فهارسه..!
ورغم العثور على "لطيف وخوشابا" فان بحثنا عن المصادر التي تحدثت عن هذه المسرحية الرائدة لم ينقطع.. ونشير هنا الى واحد من هذه المصادر الجديدة، وهو كتاب "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" تأليف يعقوب. م. لنداو، الذي اكتفى بادراج مسرحية "لطيف وخوشابا" في فهارس كتابة وذكر انها كتبت بـ "لغة عربية وبلهجة عامية عراقية"، واشار ايضا الى انها "طبعت في الموصل – دير الآباء الدومنكيين – سنة 1893. وتقع في 83 صفحة".
ووضع نعوم فتح الله سحار مقدمة لمسرحية "لطيف وخوشابا" التي تعد اول مطبوع مسرحي يطبع في العراق، اضافة الى كونها اول مسرحية مقتبشة ومكتوبة باللهجة العامية العراقية، وهذا هو النص الكامل للمقدمة (ان مضمون هذه الرواية الادبية هو اولاً: حث الوالدين كي يحسنوا تربية اولادهم ولا يتركوهم ان يفعلوا بحسب هواهم وارادتهم مهما كانوا اعزاء عليهم ومحبوبين منهم، بل يجدر بهم ان يردعوهم عن الشر ويقاصصوهم عندما يصدر منهم نقيصة. وثانياً يعلمنا مضمون هذه الرواية الصفح عما الحقه بنا الغير من الضير والاساءة وخصوصاً ان نشفق عليهم عند مشاهدتنا اياهم حاصلين في حالة الحزن والشدة.
وكانت هذه الرواية معنونة باصلها الفرنسي بعنوان Fanfan et Colas فدعوتها برواية لطيف وخوشابا، مثلما بدلت اسماء بقيت المشخصين.
واجتهدت باستخراجها الى اللغة العربية المبسطة رجاء ان يفهمها الجميع، وجعلت محاورة بتو وخوشابا ابنه، بالعربية المقسودة التي يستعملها القرويون القاطنون في كردستان عند تكلمهم بهذه اللغة..).
**
ان مناسبة الاحتفال بيوم المسرح العالمي تؤكد معنا ضرورة الالتفات الى "لطيف وخوشابا" وبعث نصها الكامل، وذلك بطبعها مع الاعمال المسرحية الاخرى التي الفها نعوم فتح الله سنحار.. بعد دراستها وتحليلها ووضعها في سياقها الفني ومسارها التاريخي ضمن حركة المسرح في القطر.

م. الاذاعة والتلفزيون 1977