عمو زكي..ابتدأت قصخونا وعشت معداً لبرامج الاطفال وانتهيت مديرا لدار حضانة

Sunday 12th of August 2012 05:41:23 PM ,

ذاكرة عراقية ,

كمال لطيف سالم
يرتبط عمو زكي بطفولتنا كما يرتبط هو بتاريخه الطويل بين عمر بدأه في محلة القره غول وعالم عاشه مع الاطفال ليشد عبر خيط طفولته افكارا مملوءة بالهواجس الجميلة التي ترجمها عبر شخصيته المحبوبة عند اطفال شبوا وكونوا جيلا عريضا من الفنانيين.

وعندما يحدد عمو زكي سر اهتمامه بعالم الطفولة يعود الى النبع الذي شرب منه اول مرة، ففي محلة القره غول ولد عمو زكي سنة 1915 وكانت مدرسته الاولى عند الملا فاضل احد كتاتيب المحلة الذي مهد لدخوله مدرسة البدري التي تعتبر بالنسبة لذلك الوقت مدرسة متطورة بالقياس لاساليب التعليم انذاك.
القصخون
عندما نسأل عمو زكي عن سر ولعه بعالم الاطفال يقول بلهجته المحببة:
- ان جدي كان قاصا معروفاً وانا هنا لا اعني القصة المكتوبة وانما اقصد ان جدي كان قصخونا يقص الغرائب والعجائب على رواد مقهى الفضل، وفي هذه المقهى التي كانت بمثابة مسرح او تلفزيون او لنقل حتى سينما قدر لي ان أبحر مع تلك القصص والحكايات التي كانت تعج بالبطولات والخوارق، مما وسع هذا النمط من الحكايات مخيلتي ودفعني الى التفكير بتقليد جدي حتى اصبحت بين اقراني "قصخونا" صغيراً.
وفي عام 1938 بدأت صلني بالمذياع، ففي محلتنا كانت عائلة واحدة تمتلك مذياعاً وهذا ما كان يجعلنا نحيط بالمذياع على شكل جمهرة وبخاصة عندما كنا نسمع برنامج بابا صاقد من اذاعة ماركوني في القاهرة، وبالفعل فقد دفعني هذا البرنامج الى طموح جديد هو ان اقلد واصبح عمو زكي، وعند تأسيس الاذاعة التي كانت مرتبطة انذاك بوزارة المعارف قدمت طلباً لتقديم برنامج للاطفال وفي يوم المقابلة كنت امام فؤاد درويش مدير الاذاعة انذاك، فدهش لصغر سني وقصر قامتي فرفض طلبي معللا ذلك يأتي طفل صغير وان مهمة برامج الاطفال يجب ان يقوم بها اشخاص طوال القامة ولهم شوارب! فما كان مني الا ان اجبته عندما نظرت الى قامته القصيرة "ولكن انت قصير ومع ذلك فانت مدير الاذاعة" فادهشته عبارتي.
فقادني من يدي ووضعني امام الميكرفون. حيث كنت اقف على الكرسي لاقدم برنامجي.
هل سبق دخولك عالم الاطفال بدايات فنية متميزة؟
- نعم فلقد بدأت حياتي الفنية سنة 1929 عندما كان عمري خمسة عشر عاما حيث شاركت باول عمل مسرحي "ام عمش" وتأليف المرحوم نديم الاطرقجي، وكنا نقدم عروضا على مسرح صغير اقمناه في محلة الفضوة اذ كنا نصنع الملابس التاريخية وحسب اجواء كل مسرحية بمساعدة عوائلنا.. ومن الوجوه التي عملت معي في تلك الفترة لطفي حمدي ابراهيم المدرس المرحوم زكي اللامي ولا ننسى الرسام فائق حسن الذي كان يساهم في عمل الديكور ورسم بعض اللوحات ومجموعتنا كانت تضم ايضا كاتب السيناريو يوسف صالح الامام الذي كان يقوم بتلقين الادوار للممثلين، واذكر بان المرحوم اسماعيل حقي كان يحفظ الدور لمجرد ترديده لمرة او مرتين اما كيف كنا نروج لمسرحياتنا فعن طريق النداء في الشوارع بواسطة فرقة موسيقية كما هو معمول في السينما.
وبعد ان قطعنا شوطا في التمثيل إنتقلت الى فرقة المعهد العلمي الذي كان يقوم بتعليم الاطفال القراءة والكتابة إضافة الى الموسيقى، وفي هذا المعهد انضممت الى الفرقة المسرحية حيث واصلنا تقديم العروض المسرحية المختلفة من تأليف يحيى ق ونديم الاطرقجي الذي كان من ابرز الوجوه التي اغنت المسرح العراقي فقد كان شاعراً وممثلا وكاتبا وقد تميز باخلاصه وتفانيه للمسرح. وقد مات هذا الرائد بالسل في يوم ممطر.
* عالم الطفولة:
يستطرد عمو زكي في سرد ذكرياته قائلاً:
- وفي سنة 1938 تركت المسرح واتجهت الى برامج الاطفال وذلك بسبب ظهور السينما وقلة الاقبال على المسرح مما فرق شمل الممثلين فلجأ الكثيرين منهم الى الاعمال الخاصة وقد اصبحت علاقتي ببرامج الاطفال امتداداً لعملي الفني السابق.
* كيف كان ذلك؟
- لقد كنت اسأل نفسي دائماً هل ساحقق امنيتي التي كانت لا تزال مزروعة في نفسي وبالفعل وجدت في برنامج الاطفال متنفسي وصلتي الحميمة لتوجيه الطفل الوجه الصحيح الذي يجعله مرتبطاً بارضه وبأمته وتراثه الحضاري الاصيل فقدمت اول نص من فقرات برنامجي الوفاء عند العرب واستمريت في عملي لفترة طويلة فآمنت ان عملي هو رسالة يجب ايصاله بامانة حيث كنت انظر دائماً الى طفولتي والمعاناة التي عشتها، وفي سنة 1954 اتجهت ببرنامج الى التلفزيون عندما افتتح في معرض شركة باي وساهمت به حتى سنة 1969 وكان برنامج يميل الى نفس الاهداف التي كنت قد كرستها في برنامجي الاذاعي، فكنت اقدم اسئلة ثقافية وتوجيهية كما كنت اقدم الضيوف واستمريت مع برنامجي حتى سنة 1969.
بعد هذه الرحلة الا يزال يستهويك عالم الاطفال؟
- كنت ولا ازال مخلصا محبا لكل الاطفال اينما وجدوا او حلوا ولكنني ابتعدت قليلا عن نشاطي السابق اذ تحولت الى العمل في دار الحضانة وقضيت فيها ثلاث سنوات ولكنني في النهاية خسرت كل شيء ولكني ربحت حب الناس وحب الثورة.

مجلة فنون تشرين الثاني 1978