من ذاكرة الديوانية..الكشافة المدرسية بين الماضي والحاضر

Sunday 16th of September 2012 06:13:52 PM ,

ذاكرة عراقية ,

نبيل عبد الأمير الربيعي
إن أول تنظيم كشفي في العالم كان على يد القائد العسكري بادن باول في انكلترا, بعد ملاحظته لتحركات كشفية أقيمت بجزيرة براونسي في جنوب إنكلترا في يوليو عام1907 ,كان للطبة دور مهم في القيام بالأعمال العسكرية , كالحراسة والطهي ونقل الرسائل , وكان عدد المشاركين عشرين فتى , وفي عام 1909 نشر بادن باول كتابه ( الكشافة للأولاد) الذي ترجم إلى عدة لغات,وفي عام 1910 بدأت منظمة جديدة للمرشدات أنشأتها أخت بادن باول .

أما أول حركة كشفية أنشأت في العراق , هي فرقة المدرسة السلطانية في بغداد عام1905 , وقد انحلت هذه الفرقة عام 1918 بسبب الحرب العالمية الأولى, وما كانت الحرب تنتهي حتى بدأت الفرق الكشفية تنشأ في المدارس وفي ألوية العراق ولكنها ظلت محدودة النشاط إلى عام 1921 حين تولى الملك فيصل الأول رعايتها عام1921, فبدأت في الانتشار وأهتمت وزارة المعارف العراقية باقامة المخيمات التدريبية كل عام لمدرسيها , لاعداد قادة الحركة الكشفية , وكان لهذا أثر نهضت الكشافة المدرسية نهضة كبيرة, واقيم في 27-3-1924 استعراض كشفي كبير في بغداد حضرهُ الملك فيصل الأول, وفي 31-5-1934 تم تنصيب الملك غازي حامياُ للكشافة المدرسية في العراق في حفل كبير , واستمرت الحركة الكشفية منذ ذلك الحين في الازدهار , وتشكلت أخيراً جمعية الكشافة العراقية التي كانت باشراف وزارة المعارف سابقاً.
بعد انتشار الحركة الكشفية في العراق , إذ انتقلت إلى سائر مناطق العراق ومنها لواء الديوانية سابقاً بدافع رغبة الشباب الانضواء تحت رايتها, فقد كان الاهتمام في تربية الديوانية في مطلع الأربعينات من القرن الماضي بمسيرات فرق الكشافة لمدرسة الديوانية الأولى والثانية أيام الأعياد ومطلع العام ا لدراسي الجديد , إذ يرتدي التلاميذ بدلة الكشافة الخاكي وربطة العنق الخضراء والانضمام إلى سراي الحكومة لقراءة نشيد العيد أمام متصرف اللواء وكبار موظفي المتصرفية وبحضور مدير تربية الديوانية , وكانت مسيرات الفرق ا لكشفية المدرسية في طابور زوجي إلى داخل السراي للاصطفاف مواجهين غرفة المتصرف آنذاك خليل عزمي الكائنة في الطابق الأول لبناية المتصرفية, وبعد أن يحييهم المتصرف باشاره من يده يتقدم إمام الجامع بالقاء كلمته المعهودة والتي تتكرر في كل عيد وبنفس الكلمات, وبعد الفراغ من الخطابة يوعز المعلم المرافق للفرقة الكشفية بنشيد العيد حيث تنطلق من حناجرالفرقة الكشفية :عيدُ لطربُ عيد السرور ....... كيف لا تشدو الطيور .... تملأ الدنيا حبور ..... وتغني وتغني عيدنا أشرف الأعياد.... عيدنا أشرف الأعياد.
بعد الانتهاء من قراءة النشيد ينزل متصرف لواء الديوانية إلى الطابق ا لأرضي يتبعهٌ مستخدم المدرسة يحمل زنبيل ملؤه ملبس وبعض الحلويات البدائية الصنع لتوزيعها على أعضاء الفرقة ا لكشفية.
وفي كل يوم أربعاء من الأسبوع والأعياد الرسمية وبداية العام ا لدراسي كانت المسيرة تبدأ من باب مدرسة الديوانية الأولى وتجوب شوارع لواء الديوانية الرئيسة تتقدمهم الخيالة من الشرطة المحلية , ومن غرائب الأمور هنالك شخص من أهالي ا لديوانية صاحب حانوت لكوي الملابس وصناعة (السدارة الاسكوجية) يدعى( عبد الأمير المكوجي) شخص غريب الأطوار كان رافع لافته في دكانه بخط جميل عبارة( ألف عدو ولا صديق واحد) والسدارة الاسكوجية هي لباس الرأس للفتوة في الحركة ا لكشفية آنذاك , فكان يرى من حقه أن يمتطي جواداً أصيلاً بعد أن يرتدي لباس الفتوة ويقطع شوارع المدينة ذهاباً وإياباً على صهوة جواده , وفي ظهر كل يوم أربعاء من الاسبوع كانت فرقة الكشافة تخرج قاصدة ثكنة الجيش في صوب الشامية للمسيرة ثم التدريب العسكري قرب بيت محمد خضيري الجلبي الواقع على ضفاف نهر الحلة الصغير( اصبح هذا الدار حالياً للسيد عبد السادة محبوبة) , كان المدعوعبد الأمير المكوجي يتصدر الطابور الكشفي على صهوة جواده وكأنهُ جنرال يقود جيشه إلى المعركة , ولم يتمكن أي شخص أن يمنعهُ من عمله هذا.
عام 1941 قامت حركة رشيد عالي الكيلاني وجماعته بحركة اعتبرها البعض ثورة قومية على الاستعمار البريطاني واعتبرها الآخر مجرد حركة رعناء دعمتها ا لنازية الالمانية , ومنهم من اعتبرها حركة تحرر وطنية , قام بها ضباط متحمسون وتبناها رئيس الوزراء الكيلاني المعروفبميولة القومية.
كان في هذه الفترة لاعب يشار لهُ بالبنان في الديوانية ومن ضمن الفرق المدرسية الرياضية هو البطل ( اسماعيل) الذي حاز على لقب بطولي في المحافظة في فريق كرة القدم في ثانوية الديوانية , ولكن فقدانه لبصره في احدى عينية قد منعهُ من ممارسة الرياضة,وقد ترأس اسماعيل جيش الفتوة للطلبة بحماسة لنصرة حركة رشيد عالي الكيلاني التي باءت بالفشل وعودة الوصي عبد الاله وسيطرة الاحتلال ا لبريطاني بجيوشها المعسكرة في معسكر الحبانية على ألوية العراق.
صيف عام 1947 قامت الفرق الكشفية بسفرات لشمال العراق بنخبة من الطلاب لمشاهدة جمال جبال العراق وينابيعهُ وبساتينه في مصيف صلاح الدين وسولاف وسرسنك وزاخو وساندرو وغيرها من من المدن الكردية الشمالية الرائعة الجمال بجبالها ا لسامقة وحللها الخضراء وجداولها الرقراقة وطيورها المغردة بين أشجارها التي تنوء بثمارها. بعد نصب أعضاء فرقة الكشافة المخيم الكشفي الذي يحتوي على الخيم باشراف أساتذة التربية الرياضية , ثم القيام برفع سارية علم العراق وسط المخيم من قبل أحد أعضاء المخيم الكشفي ووقوف أعضاء الفرقة الكشفية استعداداً لتحية العلم العراقي وانشاد انشودة تحية العلم:
دُم على هام العُلى يا علمُ ....................خافقاً تحميك بيضٌ خدمُ
إذ يستمر المعسكر الكشفي لاسابيع ثم زيارة المواقع السياحية في شمالا لعراق والعودة إلى مدينة الديوانية.
للحركة الكشفية في وزارة ا لمعارف سابقاً عام 1949 دور كبير في اقامة دورات تحضيرية للقادة الكشفيين باشراف مديرية التربية البدنية بايفاد عشرة مدرسين إلى مركز التدريب الدولي في بريطانيا وبعد حصولهم على( شارة خشبية) بعد نهاية الدورة يعودون إلى العراق وينظمون دورات تدريبية للقادة ويشرعون بتأليف فرق نموذجية في بغداد ومنها تنتشر لباقي المحافظات , وفي عام 1954 أسهم قادة العراق في تأسيس المنظمة الكشفية العربية , وهو حرص العراق على استضافة العديد من الأنشطة العربية .
في الخمسينات من القرن ا لماضي أصبح الاهتمام كبير بالفرق الكشفية في الديوانية , إذ بدأت تتجول الفرقة الكشفية في الشوارع الرئيسية في كل يوم خميس من المدرستين الابتدائيتين ( الهاشمية الابتدائية و الارشاد الابتدائية) باشراف معلم التربية البدنية الراحل لطيف حسن المشرف على الحركة الكشفية في لواء الديوانية ومعلم مدرسة الارشاد الابتدائية الاستاذ زيدان, إذ تبدأ المسيرمن باب مدرسة الهاشمية الابتدائية( الجمهورية حالياً) وتطوف شوارعها الرئيسية ابتدءاً من جهة بناية تربية ا لديوانية ثم شارع منطقة الفاضلية وتعود إلى المدرسة عن طر يق شارع غرفة تجارة ا لديوانية, اما مدرسة الارشاد فتجوب شوارع منطقة الصوب الصغير( صوب
الشامية).
من نشاطات الفرق ا لكشفية القيام بالمخيمات الكشفية في ملعب الادارة ا لمحلية وفي ناحية السنية , ففي فترة الستينات كانت نشاطات الفرق ا لكشفية باشراف كل من المعلم الراحل كاظم كرادي والمشرف التربوي محمود عبد الحسين العميشي والمعلم علوان شنان بالزيارة السنوية للأقطار العربية , ففي عام 1964 كانت سفرة كشفية إلى دولة الكويت وهي أول سنة لها , ثم عام 1965 سفرة كشفية لدولة ايران , وفي عام 1966 سفرة كشفية لبلاد الشام ( سوريا ولبنان والاردن وفلسطين) وكان من ضمن طلابها حسب كلام مدرس التربية الرياضية( عماد مهدي الأسدي) هم قيس شاكر أمين وعماد مهدي وعصام محمود , إذ تم زيارة قبة الصخرة في فلسطين والقيام بالاعمال الكشفية في مخيمات ومناطق خاصة بها.
عام 1970 استضاف العراق المخيم الكشفي العربي العاشر في الموصل واستمرت الكشافة العراقية في معظم المخيمات والمؤتمرات والدورات العر بية والعالمية لحين اهمالها من قبل النظام السابق والتي اعقبتها الحروب مع دول الجوار .