زوجة رومل تذرف الدموع في العلمين

Monday 11th of February 2013 07:21:47 PM ,

كان زمان ,

من هي المرأة التي اثارت كل هذه الضجة.. وتحدث عنها الناس والصحف. والتي هبطت الى القاهرة في فجر احد ايام الاسبوع الماضي، ومعها حقيبتان صغيرتان؟!
المرأة التي وقفت وراء عقل زوجها الداهية (روميل) وكانت بالنسبة له كل شيء.. في كل معركة وكل يوم لا يتخلف (روميل) عن كتابه خطاب يبدأه هكذا (عزيزتي لو) ويختمه بكلمة واحدة (المخلص) يشرح لها كل شيء ويوضح خططه واماله.. ولايستريح حتى يتسلم رد (لو) عليه..

لم يكن يهتم ببرقيات هتلر الشخصية له كما يهتم بخطابات زوجته.. ويوم ارسل له هتلر يخبره بالانعام عليه برتبة فيله مارشال وبذلك يصبح اصغر من حمل هذه الرتبة في الجيش الالماني، كان كل هم روميل ان يكتب خطابه الى (لو) المعتاد وبين القواد الذين حاربتهم انجلترا.. واحد فقط علمهم معنى الفزع والرعب واصدر الجنرال فوكتلك قائد الانجليز قبل معركة العلمين امرا لضباطه قال فيه، يوجد خطر محقق في ان يضبح روميل اقرب الاشياء الى ساحر او (بصبح) في اعين جنودنا الذين يتحدثون عنه باستمرار ويصفونه بانه رجل فوق البشر، وهو من غير شك ذو مقدرة وكفاءة عظيمتين، وحتى لو كان فوق البشر فانه ليس من المرغوب فيه ان يتحدث رجالنا عن قوته الخارقة.
***
وفي اوروبا علم روميل الانجليز والفرنسيين كيف يكون الهرب والانتحار والهزيمة في معركة دنكرك، والغريب ان هذه الفكرة نفسها سارعت مع كل الذين حاربهم روميل، فاصدرت القيادة البريطانية امراً عاما لجميع قواتها جاء فيه (نريد من الضباط) ان يعملوا بكل وسيلة وهي ان روميل انسان غير عادي وجبار لا مثيل له، والامتناع تماما عن ذكر اسمه، ويجب ان تتاكدوا ان هذا الامر نفذ في الحال.
زوجة هذا الرجل دخلت القاهرة هذا الاسبوع من الشرق.. ولولا المعجزة التي انقذت الانجليز باعترافهم، ولولا هذه المعجزة لدخلت مدام روميل مصر من طريق آخر من الباب الغربي!.
ووسط دوامة عنيفة من الانفعالات والاحاسيس عاشت الزوجة التي حضرت لمصر بعيدا عن المانيا لكي (تنسى الماضي) كما تقول.. وفوجئت بشريط طويل يروق لها الماضي بكل تفاصيله.. النيل والاهرام والاسكندرية وشوارع القاهرة والعلمين بكل ذكرياتها عاشت فيها طوال الاسبوع..
لقد كانت آخر خطاباته لها من مصر عن المشكلة التي تواجهه وهي عبور النيل ليدخل القاهرة وكان الانجليز قد اعتزموا نسف جميع الكباري والخزانات والقناطر التي على النيل، وكان روميل يبحث عن الوسيلة التي سيعبر بها ومعه جيشه الكبير.. مكتب الى (لو) عن مكشلة النيل.. وهو نفسه الذي شربت منه وظلت تسير على شاطئيه مرات ذهابا وايابا وهي تستعيد ذكرياتها.
اما الوعد الذي انتظرت تحقيقه بعد دخول القاهرة.. فقد ارسل لها تستعد للحضور الى مصر ليقضيا ليلة في ضوء القمر بجوار الاهرام وابو الهول.. وذهب روميل الى الابد.. وبقي الوعد.. وفي الليلة الاولى في القاهرة سألت مدام روميل عن القمر وهل سيكون كاملا.. وانتظرت انفصال الجواب على السؤال.. ثم اشرق وجهها.. وانطلقت الى الاهرام وابو الهول وجلست وحيدة هناك في ضوء القمر حتى الفجر.. ثم عادت لتصعد الى غرفتها في الدور السابع لتطل على شوارع القاهرة.. وسبحت في اجواء مثيرة من الماضي الذي حاولت ان تهرب منه، وكانت ترتدي فستانا لونه بني، ولما سألناها هل تفضل هذا اللون اطرقت برأسها واكتسى وجهها بطيف من الالم، وقالت.. ان آخر لون كان يرتديه "ابر" كما تسمر روميل.. قبل وفاته بدقائق كان هو اللون البني الذي يفضله كثيرا..
وخرجت الى شوارع لترى الناس الذين التفوا حولها في اعجاب وكانت تبتسم لكل انسان، ولكن الواضح انها تدنى صراعا نفسيا جبارا.. وانها تبذل مجهودا ضخما لتبدو هكذا.. ثم انهارت فجأة امام قبر زوجها لتذكاري له عين وبكت.
وفي طريقها الى العلمين هبطت من سيارتها ثلاث مرات لتتفحث بمنظاره المكبر الافاق البعيدة المليئة بحطام الحرب والتي دارت فيها رحى المعارك بين زوجها وجيوش الحلفاء.
وقالت مدام روميل لاخر ساعة: كانت امنيتي الوحيدة في الحياة!... ازور العلمين.. وهاأنذا ازورها ولم اكن اعتقد انني ساحقق تلك الامنية بسهولة لقد تطويت على نفسي بعيدا عن العام بعد مقتل زوجي، وقد دعتني الولايات المتحدة لزيارتها.. ولكنني اعتذرت وتصمت مدام روميل لتقول في نبرة خافتة وتنهيدة حارة، ولكن.. ما الذي في العلمين.. فوق الارض لكي يصفها لي زوجي في رسائلة الطوال؟..
راحت تحملق في الارض القاسية الوعرة.. ثم يمتد بصرها الى الافاق البعيدة المليئة بالتلال (والحطام) وحسمت لم يتنس وجهها – بعد هذه الليلة – بانفعال حزين كانت هي وحدها التي تستطيع التعبير عنه.
ودمعت امام قبر زوجها متجلدة في اول الامر.. ثم ما لبثت ان وضعت رأسها بين كفيها واجهشت بالبكاء..
بينا وقف ضباط القوات المسلحة المصريون حول القبر وقد رفعوا ايديهم بالتحية العسكرية.. وعندما انزلوا ايديهم من فوق جباههم همست مدام روميل الى الجمع الملتف حولها، اريد ان انفرد بنفسي.. اريد ان انفرد بنفسي.. وانحرفت من قائد نفسها نحو مكان جانبي ووقفت.. فامسك لعونت كاشيا بيدها وقادها الى حجرته في المقابر.. وكان كاشي ضابطا ايطاليا يحارب جنبا الى جنب مع روميل في العلمين، وقال لها في همس، سيدتي.. انني لا استطيع ان اعبر بك عن مشاعري ولا كيف يمضي وجداني.. وما اراك هنا.. في المعلمين..
**
واتجهت مدام روميل بعد ذلك نحو مقابر الجنود الالمان.. وهي تبلغ حوار اربعة الاف مقبرة – وكانت حالتها النفسية سيئة، واعصابها متوترة الى احد الذين ناشدت فيه المصورين لصحفيين الا يتعقبوها.. وكانت عيونها لاتزال تدمع..
ووقفت مدام روميل وسط اربعة الاف جندي الماني، سقطوا من اجل المانيا، كما كتب بالنص فوق النصب التذكاري – ثم اجهشت بالبكاء مرة اخرى وهي تحملق في الصلبان المتراسة التي يحف بها الصمت.
وقالت مس كلير سكرتيرتها العامة، الموقف صعب.. فانها تعتبرهم كلهم ابناءها وفلذات اكبادها.
واتجهت بعد ذلك الى النصب التذكاري الذي يتوسط هذه المقابر ووضعت طاقة ورد.. وكانت حركاتها بطيئة متزنة صامتة كما لو كانت صلاة..
ووقفت مدام روميل في المتحف الحربي الصغير الملحق بالمقبرة لتشاهد محتوياته مما عثر عليه في جيوب القتلى.. وشاراتهم.. والاسلحة التي حاربوا بها الى غير ذلك.. وفجأة هتف الكونت كونشيا.. سيدتي.. هذه خريطة العلمين من رسم زوجك العظيم.. وبحركة لا شعورية مدت مدام روميل شفتيها نحو الخريطة المعلقة فوق الحائط وطبقت فوقها قبلة طويلة وفي عينيها الدموع.. واخيرا وقفت امام كلمة لزوجها علقت في مقابر الايطاليين.
نقشها الايطاليون فوق رخام ثمين.. ولقد ادهش الالمان العالم.. بمقدرتهم العسكرية.. ولكن الايطاليين ادهشوا الالمان".
روميل..
****
ومرة اخرى انهارت حين جاء الحديث عن ذكرى آخر يوم.. مع روميل وهي تصرخ لا اريد ان انسى وفقط ذكرت الاغنية التي كان يفضلها..
في قاع الرين.. في الاعماق يرقد تاج مرصع بالماس والجواهر والاحجار ومن يحصل عليه يمتلك القوة والجاه ويصبح على كل لسان.. اميرا للرين وكان يحب ان يسمع مني.
الذهب والفضة.. هما الحب
حتى لو كانت الفضة من نور القمر والذهب من نور النجوم.
وبطل الحب حتى يصير شعرنا في لون الفضة..
واثناء الحديث كانت تداعب بيدها سوارا من الفضة بنقوش شرقية وفصوص من الزمرد وفي الم ظاهر.. اختفى بسرعة لتحل محله ابتسامة عريضة.. ذكرت انه هدية من زوجها بمناسبة عيد ميلادها ارسله لها من ليبيا وكتب يقول لها (الهدية التالية.. من مصر).