فرنسا تعيد استذكار فيكتور هيجو

Friday 10th of December 2010 05:08:23 PM ,

منارات ,

ترجمة:عدوية الهلالي
في كتابه الشهير (تاريخ الرومانسية) يروي الكاتب الفرنسي تيوفيل غوتييه، الكثير من الأمور التي واكبت منذ بداية الربع الثاني من القرن التاسع عشر نشوء الحركة الرومانسية في فرنسا، وهو يروي بخاصة لقاءه مع فيكتور هيجو وحضوره العرض الأفتتاحي الأول لمسرحية (هرناني) التي قدمت في باريس أواخر شهر شباط 1830

مثيرة زوبعة عنيفة من الصدمات والأحتجاجات بين نوعين من الرومانطيقيين:القوم الذين كانوا يضعون لتلك الحركة قواعد وضوابط قاسية تحولها الى «سجن فكري «والجدد الذين كانوا يرون ان الرومانسية صنو للحرية
وبالتالي لايمكن تقييدها وغوتييه الشاب آنذاك وصديق فيكتور هيجو الصدوق، كان من النمط الثاني ومن هنا يروي لنا كيف خاض المعركة بعنف بل كيف انه من اجل ذلك العرض الأول ارتدى قفازا أحمر سرعان ماصار رمزا للحركة كلها.
أما مسرحية (هرناني)التي أشعلت كل ذلك السجال وكل تلك الحماسة فهي واحدة من أشهر أعمال هيجو حتى ولو لم تكن من أقواها ويروي لنا تاريخ هذا الكتاب انه أنجز كتابتها خلال شهر واحد اذكانت مسرحية له عنوانها (ماريوم ديلورن) منعت من الرقابة بعد أن دمجت في عروض (الكوميديا الفرنسية) فأضطر هيجو الى كتابة هرناني فعرضت مع العلم ان رقابات عدة ستمنعها بعد ذلك وخاصة في ايطاليا...
(هرناني)اذن عمل كتبه هيجو على عجل لكن هذا العمل عاش طويلا وعرف طريقه الى الشهرة ليس بفضل قوة الكتابة أو رسم الشخصيات وسيكولوجيتها اذ في هذا الأطار يبدو العمل ضعيفا ولكن بفضل قدرات هيجو على تصوير المواقف والعلاقة بين الشخصيات ثم بخاصة –بفضل قدرته على وضع حوارات شاعرية رائعة على سبيل المثال، تلك التي تدور بين هرناني وحبيبته سونيا دول والتي يمكن اعتبارها مرجعا أساسيا في قوة العشق لقوة تعبيرها وشفافيتها..
هرناني في هذه المسرحية هو خارج عن القانون ثائر جمع لنفسه عصابة في اسبانيا بداية القرن السادس عشر لكنه في الوقت نفسه مناضل سياسي يريد أن يحارب السلطات..والسلطة في ذلك الوقت كانت للشاب دون كارلوس (الذي سيصبح خلال أحداث المسرحية امبراطورا منتخبا تحت اسم شارلكان) والذي كان يجمع بين الملك والثائر في ذلك الحين هو هيامهما معا بالحسناء دونيا سول وهذه الحسناء كانت مغرمة بهرناني وحده حتى وان كان الدون روي غوميز قرر أن يتخذها لنفسه زوجة وهذا كله نعرفه في بداية المسرحية، ذلك ان كل الأحداث التي تشهدها فصول المسرحية الخمسة انما هي مطاردات وكر وفر بين الثلاثة المغرمين بدونيا سول بما في ذلك من مؤامرات ومناورات وتحالفات تربط هنا لتفك هناك، أما التحالف الرئيس في سياق المسرحية فأنما هو ذاك الذي يعقد بين هرناني وبين روي غوميز ضد الملك اذ يكشف الأول للثاني عن هيام هذا الملك بدونيا سول وحين يكتشف الملك خاطب دونيا العجوز فجأة تواجدها مع هرناني في حديقة قصره الذي نقلها اليه يسلمه الى روي غوميز لكنه يرفض معاقبته وينقذه رغم معرفته بأنه غريمه في حبه لسونيا ثم يتآمر الأثنان على اغتيال الملك ويتمكن دون كارلوس من اكتشاف المؤامرة لكنه في الوقت الذي يهم فيه بمعاقبتهم يصله خبر انتخابه امبراطورا، وهكذا يحس في لحظة انه لابد أن يسمو على تلك الترهات الشبابية فيعفو عن المتآمرين وأولهم هرناني بل يرد له أملاك جدوده وأبيه اضافة الى انه في لحظة سخاء امبراطورية مدهشة يمنحه حق الزواج من دونيا سول وهكذا تبدو الحياة رائعة ويجتمع هرناني بحبيبته ولكن في تلك اللحظة بالذات يحدث ماكانوا جميعا قد نسوه حين ينفخ غوميز في البوق الذي وهبه لهرناني لدى محاولتهما اغتيال الملك والذي يجبره على قتل نفسه كما كان قد وعده ولأن هرناني فارس وشهم ولايمكن له أن ينكث بوعد أو عهد، ولأن المسرحية الرومانسية كلها تبجل قواعد الفروسية والشرف ولأن الموت بشرف لدى الرومانسيين خير من حياة الذل، لايتردد هرناني عن تجرع السم واذ تشاهد دونيا سول مايحدث أمامها تشرب بدورها جرعة من السم لكي تلحق حبيبها الى الملكوت الأعلى أما روي غوميز فبعد أن يرى نتائج ماعملته يداه يسارع الى تناول السم أيضا فيموت...
من الواضح ان فيكتور هيجو جعل من مسرحيته هذه فاتحة لأندلاع حركة رومانسية حقيقية في المسرح الفرنسي وفي ذلك الزمن كانت في ذهنه وهو يكتب مسرحيته أعمال كبيرة مثل (السيد) لكورناي و(اللصوص) لشيلر بل ان في هرناني لحظات تجمع هاتين المسرحيتين بالذات ومن هنا الأقبال الجماهيري الكبير على ذلك العمل في مقابل مهاجمة النخبة له في ليلة عرضه الأولى وهيجو وضع مسرحيته ضمن اطار تحرك سياسي واضح اذ صرح عشية عرضها بان على الدراما أن تلهم الناس والمتفرجين بخاصة أساليب تفهمهم لمعاني الحرية السياسية ومن هنا لم يفت هيجو أن يقول عن هرناني كما عن ماريون ديلورم انهما عملان سياسيان جزئيا كما انهما عملان أدبيان جزئيا،وعلى هذا النحو تعهد هيجو ان يزيد من وحدة السجال حول مسرحيته هرناني الى درجة انه صار في تاريخ الحياة السياسية –الثقافية الفرنسية قضية تسمى «قضية هرناني «هيمنت أخبارها وتفاصيلها على تلك الحياة طوال عقود من السنين الى درجة انه حين تحدث عنها غوتييه في كتابه المذكور والصادر في العام 1974، أي بعد حوالي نصف قرن، بدا للقراء انها معركة جرت أمس فقط..!
حتى اليوم، وعلى الرغم من ضعفها الذي أشرنا اليه لاتزال (هرناني) تعتبر من أشهر مسرحيات فيكتور هيجو (1802-1885) الى جانب أعمال مثل (روي بلاس) و(لو كريشيا بورجيا) و(الملك يلهو) وحتى اذا كان فيكتور هيجو لم يشتهر ككاتب مسرحي كبير بقدر شهرته كروائي مميزمن خلال (البؤساء) مثلا أو كشاعر وكاتب سياسي وناقد أدبي ومؤرخ فأنه عرف كيف يكتب بين العام 1812 والعام 1882 عددا كبيرا من المسرحيات التي تضعه بين أخصب كتاب عصره..بل انه وقع مسرحيات عدة اختفت ولم تقدم خلال حياته ليعاد اكتشافها خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتقدم للمرة الأولى على العديد من الخشبات المسرحية الفرنسية ومن هذه المسرحيات (التدخل) و(عند تخوم الغابة) و(اسكا) اضافة الى مسرحيات أخرى اكتشفت وبعضها لم يمثل ابدا حتى الآن...مايعني ان فيكتور هيجو ينبغي اعتباره كاتبا مسرحيا في حاجة الى أن يكتشف والى أن يعاد اكتشافه من جديد في كل عصر وتبعا لمزاجية كل زمن....وهو مادفع الكاتب الفرنسي الشاب ميشيل دانيال الى تأليف كتاب جديد صدر مؤخرا عن دار البان ميشيل الفرنسية للنشر متناولا فيه مسرحية هرناني بصفتها معركة افتتحت عصر الرومانسية ومستندا قبل كل شيء الى كتاب غوتييه الشهير (تاريخ الرومانسية)....
عن اللوموند