من تاريخ مدينة قلعة صالح

من تاريخ مدينة قلعة صالح

■ د . عصمة محمد جاسم العبادي
لقد شكلت الجماعات العشائرية نواة تكوين مجتمع المدينة منذ نشأتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وكانت تلك العشائر تعيش في حالة فوضى واقتتال وتمرد على الدولة العثمانية ، وعلى الرغم من الحملات الكثيرة التي قامت بها القوات التركية لضرب العشائر المتمردة في لواء العمارة وقضاء قلعة صالح جزءاً منه فإن ذلك لم يفكك تلك المجتمعات العشائرية

ويغير سياستها إزاء الدولة مما حدا بالسلطات العثمانية منذ ولاية مدحت باشا أن يتخذوا أساليب وتدابير جديدة بتشجيع تلك العشائر على الاستقرار ومزاولة الزراعة ، وحاولت الحكومة العثمانية بعد إعلان الدستور عام 1908 القضاء على نظام المشيخة والعمل على استقرار القبائل وتوطنها وذلك بالاتصال مباشرة بأفراد العشائر، ومحاولة القضاء على نفوذ الشيوخ، ولكن هذه التدابير اختلفت في النتائج بالنسبة لقوة العشيرة، ومدى سيطرة الحكومة ، وكانت المجتمعات العشائرية إلى نهاية القرن التاسع عشر ، تتمتع بشيء كبير من النفوذ، والاستقلال القضائي، والإداري، الذي يعتمد على الحق العرفي وليس الحق المدني . وكان المجتمع العشائري قائماً على نوع من العلاقات والروابط الاجتماعية التي تدور حول (وحدة الدم) أو (العصبية) التي تفرض بعض الحقوق والالتزامات المتبادلة وهي مصدر للمسؤولية المشتركة واتخذت الحكومة البريطانية بعد احتلالها للعراق عام 1918 تدابير مغايرة للحكومة العثمانية ، وهي تعزيز النظام العشائري وإشراك الشيوخ في الحكم وبوضع نظام خاص لحسم المنازعات المدنية والجزائية بين أفراد العشائر على وفق العادات والتقاليد العشائرية عرف بـ(نظام دعاوى العشائر) ، وقد قوبلت تلك التدابير بكل ترحاب لدى شيوخ العمارة وقضاء قلعة صالح جزءاً منها والقرنة ، فكانت علاقات الإدارة البريطانية المحتلة على أحسن ما يرام مع الشيخ فالح الصيهود والشيخ عصمان اليُسر , وهما من كبار شيوخ قبيلة آلبومحمد الحائزان على معظم أراضي قضاء قلعة صالح , إذ قدم كل منهما خدمات إلى القوات البريطانية بعكس الشيخ زبون اليسر الذي كان موالياً للعثمانيين ومعارضاً قوياً للبريطانيين ورفض كل العروض التي قدمتها له الإدارة البريطانية . لهذا اتخذت الإدارة البريطانية ضده تدابير زجرية وقمعية فانتزعت أراضي المقاطعة منه وأعطتها في تموز 1916 إلى عصمان اليسر ، والتحق زبون بالأتراك ، وحاول أن يجمع حوله عدداً من الشيوخ المتذمرين الساكنين في هور الحمار وذنائب نهر المجر الكبير ، وظل يقلق الإدارة البريطانية المحتلة ويتعرض لطرق المواصلات ولكنه بعد سقوط الكوت عام 1917 لجأ إلى القرنة وسلم نفسه للبريطانيين .
واشترك رؤساء عشائر قضاء قلعة صالح منذ بداية الحكم الملكي في المجلس التأسيسي والمجالس النيابية المتعاقبة واعترفت الحكومة الملكية بالتمثيل العشائري وبسيطرتهم وأقتطعت لهم الأراضي الواسعة واستعانت بالشيوخ والرؤساء في إدارة البلاد . ولكن سلطة هؤلاء الشيوخ والرؤساء تداعت منذ أربعينيات القرن العشرين , وتعد حقبة الحكم الملكي انتقالة لا بأس بها من حيث توفر الضبط الرسمي في المدينة , حيث وجدت المحاكم والسراي في أواخر مدة الحكم العثماني , ثم تشكلت فرقة الشبانة والليفي والخيالة في مدة الحكم البريطاني وتطورت بالتدريج لتأخذ مراكز الشرطة دورها الفعال في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين ، ومنذ أربعينيات القرن الماضي ظهرت الأحزاب في المدينة ومنها الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي وأحزاب أخرى وانتمى لتلك الأحزاب عدد لا بأس به من أهالي المدينة ، وعند قيام ثورة 14 تموز عام 1958 قامت بإلغاء نظام دعاوى العشائر ، ونظام الإقطاع والمشيخة والملكية الواسعة بصدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 والقوانين التي تلته فيما بعد وتعديلاتها ، وقد أدى الانتماء إلى الأحزاب وقيام ثورة 14 تموز عام 1958 والتشريعات الأخرى إلى ضعف الولاء العشائري وحلت محله روح المواطنة وقيم الانتماء الوطني.

الإدارة الحكومية
حينما أسس لواء العمارة في العقد السادس من القرن التاسع عشر ، كانت قلعة صالح (شطرة العمارة) إحدى النواحي المرتبطة باللواء وقد أديرت قلعة صالح من قبل مدير أسمه حسن بيك وهو أول موظف حكومي فيها عينَّ فيها أول قائمقام يدعى الحاج أمين بيك .
وفي عام 1881 صدر قانون حكومي لتحول الناحية إلى قضاء تابع إلى لواء العمارة ، وقد اتسعت حدودها لتشمل عشرات القرى ، وقد أنشئت فيها بعض المباني الحكومية كالتلغراف والكمارك (المكوس) ومنذ زمن الوالي عاصم باشا أسست فيها دوائر المحاكم والطابو ، وكان يتولى رئاسة القضاء قائمقام يعينه الوالي ليشرف على جميع أمور وحدته الإدارية والمالية والضبطية ومرجعه الأول متصرف اللواء وهو مسؤول أيضاً عن تحصيل واردات الدولة واستيفاء المصروفات وهو آمر فرقة الضبطية في قضائه ويساعده عدد من الموظفين وهم نائب القائمام ومدير المال وكاتب التحرير وعدد من المأمورين . ولقد كان مما نص عليه قانون الولايات لسنة 1864 تشكيل مجالس إدارية في كل ولاية وقضاء وناحية وحتى القرى وكان هذا المجلس برئاسة القائمقام ومدير المال ومدير التحرير وهم أعضاء دائميين وأربعة أعضاء منتخبين اثنين من المسلمين واثنين من الأهالي غير المسلمين وكانت له اختصاصات إدارة اللواء نفسها , ولكن بشكل ضيق.
ولدى وصول القوات البريطانية التي احتلت البصرة في شهر تشرين الثاني من عام 1914 إلى المدينة في أوائل عام 1915 استقبلها رئيس البلدية بالراية البيضاء كما ذكر ذلك الجنرال طاوزند في مذكراته ، وتمت سيطرة القوات البريطانية على كامل لواء العمارة وجزء منه قلعة صالح ، ثم انطلقت بعدها لحصار مدينة الكوت ، وفي خلال تلك المدة تأسست فيها الشرطة المحلية (الشبانة) وفرقة (الخيالة) وكانت تدار شرطة المدينة من (معاون شرطة) وانشئت دار القائمقامية التي يطلق عليها (السراي) , وكانت بناية متميزة تقع على نهر دجلة على الشارع المسمى بشارع النهر ، وفي خلال المدة التي سبقت قيام الحكم الوطني في نهاية 1920 وأبان الحكم العثماني كانت عشائر العمارة تتقاتل فيما بينها ، بين بني لام وآلبومحمد في معركة (الكرمدة) شمالي مدينة العمارة والصراع بين آل ازيرج وآلبو علي من قبيلة آلبومحمد في منطقة المجر الكبير وغيرها من المناطق ، كانت مدينة قلعة صالح هادئة لم تحصل فيها أي من هذه النزاعات أو الصدامات المسلحة وإنما كانت عشائرها وعلى تباين انتماءاتها متسالمة اللهم إلاّ بعض النزاعات الفردية التي تقع بين أبناء الفخذ الواحد أحياناً، ويذكر كبار السن أن هناك وثيقة تعاهد عقدها نخبة من وجوه المدينة قبيل الحرب العالمية الأولى مؤرخه عام 1913 ، لحماية المدينة والدفاع عنها في حالة حصول أي تعد من بعض أفراد العشائر أو محاولة " الفرهود " أو الأضرار بالمرافق العمومية للدولة والوقوف يداً واحدة ضد أي محاولة تسيء إلى الأمان و (الراحة العامة)
وكان القضاء في فترة الحكم الوطني 1921 يديره قائمقام يعاونه مجلس الإدارة والمجلس البلدي وكانا ينتخبان ولو بصورة شكلية من خلال انتخابات المجلس النيابي وكان مكوناً من عدة أشخاص يمثلون كل أطياف السكان وتكاد تكون تلك الشخصيات ثابتة منذ الثلاثينيات من القرن العشرين حتى الخمسينيات. أما سيطرة الحكومة على الأمن وهيبتها فتكاد تكون قوية إلى حد ما إذا قورنت بالأوضاع التي أعقبت قيام ثورة 14 تموز 1958 وفي تلك الفترة كان يتبع لها إدارياً عدة نواحي وقرى منها ناحية المجر الكبير وناحية الكحلاء .

الشرطة
تأسست الشرطة في قلعة صالح في 9/1/1921 وكانت تتألف من فرقة الخيالة والشبانة , ومهمتها المحافظة على الأمن والنظام وكانت تتبع لها عدة مراكز منها شرطة العزير والمشرّح والكحلاء , ثم انفصل عنها مركز شرطة المشرّح سنة 1970 , ومركز شرطة الكحلاء في سنة 1976 .المدارس
أن أول مدرسة ابتدائية افتتحت في لواء العمارة ، هي مدرسة قلعة صالح لكون المدينة كانت تنعم بالهدوء ولم تحدث فيها أية اضطرابات كما أن تركيبتها السكانية كانت تتألف من جماعات أثنية متعددة وقد وجدت في المدرسة فرصة ذهبية لتعليم أبنائها ، فمنذ إغلاق المدارس الأهلية (الكتاتيب والملالي) والمدرسة التركية في مدينة قلعة صالح عام 1915 عند احتلال القوات البريطانية للعمارة ، أصبح الجو مهيئاً تماماً لإفتتاح المدارس الرسمية ، فالمدرسة التركية في مدينة قلعة صالح كانت عامرة بأثاثها ومعلميها الذين اختفوا عامين ثم ظهروا ثانية , حينما أعلنت الإدارة البريطانية عن حاجتها إلى معلمين يعرفون اللغة العربية قراءةً وكتابةً ، لذا افتتحت مدرسة قلعة صالح في حزيران عام 1917 أقيم حفل في قصر الشيخ فالح الصيهود أحد شيوخ قبيلة آلبومحمد في منطقة الحفيرة في الجانب الأيمن من نهر دجلة لتمثيل رواية (النعمان بن المنذر) وبعد الانتهاء من تمثيل الرواية تبرع الحاضرون من أهالي قلعة صالح بالمبالغ اللازمة لبناء المدرسة فيما تبرع الحاج علي البهار بقطعة الأرض التي أقيمت عليها بناية المدرسة التي انتهى البناء منها عام 1925 كما يؤيد ذلك النص الإنكليزي المدون على خرسانة في الجانب الأيسر من بناية المدرسة وما زال ماثلاً للعيان إلى اليوم ، وهذا النص هو :
THIS SCHOOL WAS ERECTED IN THE YEAR 1925 IN MEMORY OF THE LATE LGEN – SIR STANLEY MAUDE FROM FUNDS COLLECTED IN QALAT SALEH .

وترجمة النص هي :
هذه المدرسة شيدت عام 1925 في ذكرى المرحوم الجنرال ستانلي مود من التبرعات التي جمعت من أهالي قلعة صالح . وقُبِل فيها (90) تلميذاً منهم (45) تلميذاً صابئياً وموسوياً و(45) تلميذاً مسلماً ، وقد اتخذت المدرسة الجديدة عام 1917 بناية المدرسة التركية التي أغلقت في 3 حزيران عام 1915 مقراً لها وهي بناية مكونة من طابقين كانت تقع على الجانب الأيسر من نهر دجلة ونتيجة التوسع الحاصل في إعداد التلاميذ الملتحقين انتقلت المدرسة إلى بناية أخرى وهو بيت تعود ملكيته إلى (الشيخة منيرة) زوجة الشيخ عصمان اليسر أحد رؤساء قبيلة آلبومحمد إلى أن أكمل بناء المدرسة عام 1925 وقد بلغ عدد التلاميذ المسجلين " 199 " تلميذاً في الفترة الواقعة بين عامي 1917 ـ 1928 .
وظلت مدرسة قلعة صالح الابتدائية للبنين هي المدرسة الوحيدة في المدينة إلى عام 1940 ، إذ افتتحت مدرسة قلعة صالح الأولية أيضاً والتي سميت مدرسة الأندلس عام 1942 والواقعة في محلة الحسينية . وبين الأعوام 1917 ـ 1958 بلغ عدد التلاميذ المسجلين في مدرسة قلعة صالح الابتدائية للبنين (2430) تلميذاً وتلميذة منهم (134) تلميذاً يهودياً ارتحلوا مع أسرهم إلى فلسطين المحتلة عام (1950) وافتتحت أول مدرسة للبنات في مدينة قلعة صالح عام 1930 م وسجلت عند افتتاحها (40) تلميذة ، المعلمة التي افتتحتها أول مرة هي الآنسة فهيمة "تركية الجنسية" وقد فصلتها مديرية معارف العمارة عام 1932 وأرسلت بدلاً عنها الست "كلى" المدرسة في متوسطة العمارة .
وبين الأعوام 1930 ـ 1957 بلغ عدد التلميذات المسجلات فيها حوالي (500) تلميذة ، كما هو مسجل في سجلات المدرسة من السجل رقم (1) لغاية السجل رقم (5) . وأنشأت أول متوسطة للبنين عام 1942 م في محلة الحسينية . أما أول ثانوية للبنين فقد أنشئت عام 1953 وكانت في بداية تأسيسها مختلطة من الذكور والأناث ولكن عدد الأناث يعد على أصابع اليد حينذاك ، وتأخر افتتاح المدرسة الثانوية للبنات حتى عام 1984 ، وقد أنشأت الدولة العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة منذ أربعينيات القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر

المستشفى العام
يعود تاريخ المستوصف القديم في المدينة إلى عام 1914 وكان يعمل فيه أطباء هنود ويقع على الجانب الأيسر من المدينة على شارع النهر وكان يقدم العلاجات البسيطة من التداوي وزرق الأبر وكانت معظم الأمراض تعالج بالطب الشعبي , واستمر ذلك المستوصف يقدم خدماته الصحية لأهالي المدينة حتى عام 1972 حيث أنشىء المستشفى العام للمدينة في الجانب الأيمن.
دخلت الطاقة الكهربائية إلى مدينة قلعة صالح أول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين بواسطة ست مولدات كهربائية تعمل بالديزل (DC) وبشكل متناوب لإضاءة شوارع المدينة وبيوتها ولساعات محدودة في خلال اليوم وكانت تقع في محلة الحرية ، بعد أن كانت في الحرب العالمية الأولى تنتشر فيها الفوانيس النفطية و "البطلية" و "اللالة".
أما الكهرباء الوطنية فقد بدأت عام 1971 وكانت تابعة إلى وزارة الحكم المحلي ـ مديرية البلديات ، وفي عام 1978 انفصلت دائرة توزيع كهرباء قلعة صالح عن مديرية البلديات لتصبح في ضمن مديريات وزارة الصناعة .

ماء قلعة صالح
وهي دائرة تابعة إلى مديرية ماء ميسان وهي بدورها في ضمن مؤسسات وزارة الأشغال والبلديات . وإسالة ماء قلعة صالح أُسست عام 1951 وكانت تعمل بمضخات الديزل وبطاقة إنتاجية سعتها (50) متر مكعب في الساعة وتقع في محلة الحرية في الجانب الأيسر من نهر دجلة ، ونتيجة للتوسع العمراني والسكاني أنشئت عدة مجمعات لتصفية وتعقيم المياه الصالحة للشرب وإيصالها إلى الأحياء والبيوت بواسطة شبكة من الأنابيب ،

وبريد قلعة صالح
يعود تاريخ البريد في المدينة إلى زمن الحكم العثماني ، وكان موقعه على شاطئ النهر في الجانب الأيسر وكان يسمى بـ ( التيل خانة) ثم أنشئت دائرة للبريد سنة 1936 ، وفي عام 1981 أنشئت بناية حديثة لدائرة البريد والاتصالات تقع على الطريق الدولي (عمارة ـ بصرة) ، إلا أنها حوت على بدالة قديمة نوع (C.B)سعة (100) خط .

المكتبة العامة
أسست المكتبة عام 1959 ويديرها خمسة موظفين منهم ثلاثة ذكور وامرأتان ، وتقع في حي العروبة , وكانت سابقاً تابعة للإدارة المحلية التابعة إلى وزارة الداخلية ثم انفصلت في عام 2003 عن الإدارة المحلية لتتبع وزارة الأشغال
والبلديات.