حسين علي الحمداني
هل بدأنا عصر الخصخصة؟ بهذا السؤال الذي تردد كثيرا بعد إعلان العراق ولأول مرة في تاريخه عن سعيه لطرح مناقصات استثمارية في ميدان الطاقة الكهربائية، هذا الميدان الذي يعاني منه العراق بنسبة كبيرة جدا، وهذه المعاناة تحولت قبل أشهر ومع بداية الصيف الماضي إلى مظاهرات في مدن عدة من العراق مطالبة بتحسين أوضاع الطاقة الكهربائية.
وعلى الرغم من إن إنتاج العراق من الطاقة الكهربائية وما يستورده من الخارج هو أكثر بكثير مما كان متاحا قبل سقوط النظام عام 2003، إلا إن الاستهلاك ازداد أضعافا مضاعفة بفضل إستخدام أغلب العوائل العراقية للكثير من الأجهزة الكهربائية كأجهزة التكييف وغيرها ما جعل هنالك نقصا كبيرا في الطاقة الكهربائية، وهذا التطور في القدرة الشرائية للمواطن العراقي للكثير من الأجهزة الكهربائية يحتاج بالتأكيد لتطور مصاحب في إنتاج الطاقة التي من شأنها أن تغطي احتياجات هذه الأجهزة.
ويسعى العراق من خلال الجولة الأولى للتراخيص في ميدان إنتاج الطاقة الكهربائية إلى بناء أربع محطات كهربائية غازية لإنتاج 2750 ميغاواط كمرحلة أولى في أربع مدن عراقية في الجنوب. وما يأمله العراق أن تفتح هذه الاستثمارات الباب واسعا لإنهاء أزمة إنتاج الطاقة الكهربائية إلى جانب الاستثمارات الأخرى والجهد الذي تقوم به وزارة الكهرباء لردم الفجوة بين الإنتاج والطلب المتزايد في البلاد ومحاولة تحسين أوضاع الخدمات الكهربائية. خاصة وإن تقارير وزارة الكهرباء تؤكد حاجة العراق إلى ما يقارب من 14 ألف ميغاواط، فيما نجد بأن مجموع ما ينتج وما يستورد لا يتجاوز السبعة آلاف ميغاواط.
وعلى ما يبدو إن عملية طرح تراخيص الاستثمار هي فكرة وزارة النفط، ويعرف الجميع أن وزير النفط الشهرستاني يقود الآن وزارة الكهرباء وكالة بعد استقالة وزيرها كريم وحيد على خلفية احتجاجات شعبية مطلع الصيف الماضي أدت إلى أن يقدم وزير الكهرباء استقالته، وهذه الاستقالة لم تكن هي الحل الذي من شأنه أن يحل مشاكل قطاع حيوي ومهم.
وبتولي الشهرستاني وكالة الوزارة فأنه فتح باب الاستثمار في جنوب العراق معللا ذلك بأن 'اختيار هذه المواقع حاليا هو بسبب توفر الوقود، وأن (توفير الوقود للمحطات المستثمرة يعتمد على سياسة البلد والرقم الذي سيقدمه المستثمر لبيع كيلو واط ساعة لا يشمل قيمة الوقود وانما سعر الوقود بالسعر العالمي). وهذا يعني بأن وزارة الكهرباء سوف تشتري الطاقة المنتجة من هذه المحطات وتربطها بالشبكة الوطنية لتوزيعها، وهذا ما يمثل الحل الذي من شأنه أن يخفف كثيرا من أزمة الكهرباء في البلد. والوحدات التوليدية التي طرحت للاستثمار الأجنبي ستنصب في موقع محطة شط البصرة الغازية بواقع 10 وحدات بطاقة 125 ميغاواط لكل وحدة وبطاقة إجمالية قدرها 1250 ميغاواط وهذه المحافظة بالذات تعاني كثيرا من نقص الطاقة الكهربائية، وموقع محطة السماوة الغازية بواقع أربع وحدات بطاقة 125 ميغاواط لكل وحدة وبطاقة اجمالية قدرها 500 ميغاواط وموقع محطة الديوانية الغازية بواقع أربع وحدات بطاقة 125 ميغاواط لكل وحدة وبطاقة اجمالية قدرها 500 ميغاواط وموقع محطة العمارة الغازية بواقع أربع وحدات بطاقة 125 ميغاواط لكل وحدة وبطاقة اجمالية قدرها 500 ميغاواط لتصل اجمالي الطاقة الإنتاجية لهذه المحطات إلى 2750 ميغاواط.
وبالتأكيد فإن نجاح التجربة فيما لو تحقق سيدفع بوزارة الكهرباء لتعميمها في مواقع ومحافظات أخرى، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المواطن العراقي يتمثل بالتسعيرة التي ستحددها وزارة الكهرباء: هل ستكون وفق رؤية المستثمر الذي يسعى لتحقيق أرباح لكونه يدير مشروعا استثماريا أم ستتحمل الحكومة العراقية جزءاً من هذه التسعيرة التي بالتأكيد ستختلف عما هو سائد الآن، خاصة وإن الوزارة أطلقت تسعيرة جديدة لم تنل القبول حتى من قبل مجالس المحافظات في العراق؟
وهنا علينا أن نؤكد بأن الاستثمار في قطاع إنتاج الكهرباء لا توجد فيه معوقات كبيرة مثل باقي القطاعات الأخرى لكون البيئة الاستثمارية متوفرة ومناسبة من خلال سعي الوزارة لتأمين عوامل نجاح المشاريع الاستثمارية من جهة ومن جهة ثانية عدم وجود تقاطعات إدارية مع وزارات أخرى، خاصة وإن هنالك تعاونا كبيرا بين وزارتي النفط والكهرباء في ما يتعلق بتأمين الوقود الكافي للمحطات التوليدية. لهذا فإن واضعي الخطط في العراق يؤكدون بأن النتائج الإيجابية لعمليات الاستثمار في ميدان الطاقة الكهربائية لن تظهر قبل عام 2013 أو 2014 حيث يمكن أن يحقق العراق اكتفاءً ذاتيا في الطاقة الكهربائية، خاصة وإن الهدف المعلن يحدد حاجة البلد كما أشرنا إلى 14 ألف ميغا واط. إن الاستعانة بالاستثمارات الأجنبية لرفع القدرة الإنتاجية للطاقة الكهربائية هي الحل الأخير لوزارة الكهرباء برغم أنه متأخر جدا خاصة وأن المواطن العراقي يعتمد على القطاع الخاص المحلي ممثلا (بالمولدات الأهلية) أو اقتناء مولدات صغيرة في توليد الطاقة الكهربائية، وهو في كل الأحوال يتحمل نفقات إضافية وأحيانا تكون باهظة الثمن في سبيل الحصول على الكهرباء، وبالتالي هذا يجعلنا نستنتج بأن فرص الاستثمار في هذا القطاع ستكون ناجحة بشكل ملفت للنظر.