حين يتكلم القلب..مقالات يصفها كاتبها بشموع وسط نفق مظلم

حين يتكلم القلب..مقالات يصفها كاتبها بشموع وسط نفق مظلم

بغداد/ المدى
موضوعات منوعة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأدب سبق نشرها في الصحف المحلية وعلى المواقع الالكترونية جعل منها السيد حسين الصدر مادة لكتاب اصدره حديثاً تحت عنوان (حين يتكلم القلب).. يذكر في صفحاته الأولى ان الحديث عن قضايا الوطن الخطيرة والهموم الكبيرة

هو حديث القلب لا اللسان، وانه يعد الجزء الخامس عشر من موسوعة العراق الجديد التي تتناول المشهد العراقي بجميع تفاصيله الحياتية، ثم يصرح: وما هذه المقالات الا شموع وسط النفق المظلم الطويل.. في مقال بين التاريخ والسياسة يبن ان الثقافة التاريخية هي قراءة التاريخ بتدّبر وتأمل واختزان الشواهد والقضايا الكثيرة التي يزخر بها في شتى الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأخبار والأسرار المتعلقة بالأشخاص والأشياء والدول والمجتمعات وطبائع الشعوب، وما تمر به من سلم ومن.. وفي النقد السياسي مبرراته ودوافِعهُ يكشف عن بعض ما يصفهم بالحمقى يتخيلون ان عملية النقد تستبطن نوعاً من العدائية، في حين ان النقد السليم يمكن ان يعتبر من أهم الهدايا التي يقدمها الناقد للمنقود، ويبين ان الفيصل في هذا الباب هو قول الامام الصادق (ع): أَحَبُّ اخواني اليّ من أهدى اليّ عيوبي.. وحاشاه أنْ يكون ذا عيوب وهو المنزّه عن.. وفي موضوع بالأعمال تعرف الرجال يقول:
الرجال لايُحكم عليهم من خلال ملامحهم البدنية، والتي قد تكون نابضة بالوضاءة والجمال، وانما يُحكم عليهم من خلال ما يحملونه من مبادئ وقيم، وما يعانونه من كدح ومشقة، وهم يسعون الى ترجمة تلك القيم والمبادئ في الواقع الحياتي، وما يبذلونه في هذا المضمار من تضحيات جسام.. ويبرهن بـ (سوار الذهب) الذي يُذكر بالتبجيل والتقدير لأنه سلّم السلطة فور انتهاء مدته، ولم يتشبث بها على الإطلاق.هذا في المسلمين العرب، وهذا ماجرى في السودان تحديداً قبل أعوام.. ويؤكد في مقال الإنفاق الانتخابي انه لابُدَّ من إزجاء الشكر والتقدير للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات على ما أعلنت عنه من تطبيق نظام الانفاق الانتخابي. ان إلزام كل كيان سياسي بوضع سجل خاص تُبين فيه كيفية صرف الأموال أمر مهم للغاية.وستحدد المفوضية مراقباً خاصاً لذلك، ليكون على إطلاع على المبالغ.. وثم يتساءل متى يطبق القانون على الجميع؟ ويروي: أَوقَفَ شرطي يوناني قبل أيام وزيراً يونانيا سابقا وسأله عن أوراق سيارته، وحين اكتشف ان فيها تزويراً اعتقله فوراً، وسيق الوزير الى مركز من مراكز الشرطة مخفوراً.. وفي موضوع اللذّة المنسيّة يقول: اللذائذ الحسيّة كلذّة الجنس والمال معروفة لدى الناس جميعاً وهي التي تستهويهم وتشدهم اليها في الغالب.والاختلاف الوحيد بينهم هو الاختلاف في الدرجة. فقد تتصاعد حدّة الشهوة الجنسية عند البعض الى درجة الشَبَق.. وقد تبلغ درجة حب المال عند البعض حدّ العبادة. ونجده يوجه رسالة الى الحكّام فقط يذكر فيها: يحتاج السلطويون أنْ يُلمّوا بكتُب التاريخ والسيرة، يقلبّون صفحاتها ويتأملون بعمق ما جاء فيها، عن مختلف الوقائع والقضايا، لاسيما طريقة التعامل مع الناس في حاجاتهم وظلاماتهم والوسائل المتخذة في علاج تلك المشاكل والمسائل.. ويعرج على الفساد والامراض المُعْديَة فيحذر منها: ومَنْ منّا مَنْ لم يسمع بما صَنَعَهُ الطاعون والهَيْضَة من كوارث بشرية، فتكت فتكا ذريعاً بمجاميع كبيرة من الناس، حيث لم تكن الوسائل الطبيّة لمكافحة هذين المرضيْن موجودة..وما يقال فيهما يُقال في مرض الجدري وشبهِهِ من الأمراض.. ويذكر في مقال وأخيراً تَمَّ التسليم: قبل أيام سلمّت السلطات البريطانية رجل الأعمال الجزائري عبد المؤمن رفيق خليفة الى الجزائر. وقد وصلها المذكور محاطاً بحراسة جزائرية، وعلى متن رحلة عادية للخطوط الجزائرية. وخليفة متهم بأنه سبب فضيحة مالية كبرى في الجزائر اضطر على اثرها ان يغادر البلاد الى بريطانيا.. وهنا لابد من وقفة نقول فيها مخطئ من يعتقد ان بقدوره ان ينهب المال العام، ثم يفر خارج البلاد من دون ملاحقة ومساءلة. وفي معاناة العلماء العراقيين
يبين ما لحق بالفقيه اللامع والعالم الأديب البارز المرحوم الشيخ عبد الحسين الحلي، حيث تقدم بطلبه ليكون قاضياً شرعياً في المحاكم الشرعية الجعفرية التي كانت موجودة آنذاك، ولقد أُجري له الامتحان ونحن على يقين من أنه لايُقاس بمن اختبره علماً ودراية فكانت النتيجة سلبيّة مُرّة.. لقد غاب العدل وظهرت النتيجة ظالمة غبيّة.. وفي القطوف الدانية يوضح: إذا كانت الكُتُب هي البساتين الناضرة، الغنية بالزاهر المُبهج من الأشجار والغصون، فان هناك ثماراً شهيّة، يجتنيها الروّاد من تلك المغاني الخضراء، لا تُقاس بها المتعُ المادية حلاوةً ونفعاً.
إنّ المطالعة الواعية من شأنها أنْ تسهم في إثراء المخزون المعرفي والثقافي والأدبي للمطالعين، الى الحد الذي يستطيع به الفَطِن الألمعيّ منهم أنْ يحرز نجاحات باهرة في ميادين العلم والأدب والفكر والثقافة. أما القراءة البلهاء فليست لها حصيلةٌ ذاتُ قيمةٍ تُذكر، مادامت لا تعنى الا بالمرور على السواد الذي اتشحَتْ به الأوراق البيضاء، وهذا هو الفرق بين السطحيين وأصحاب الفهم الغائر في اعماق ما تقع عليه عيونهم من سطور وأمور. ويؤكد في مقال لا للفوِقيةُ على
أبرز سمات المجتمع العربي عموماً والمجتمع العراقي خصوصاً أنه مجتمع ذكوري لاتحتل فيه المرأة ما يحتلهُ الرجل من مكانةٍ، وإنْ ادّعي ذلك على المستوى النظري، ان الرجل يتفوق على الجنس الناعم، وكأنَّ الفوارق العضوية بين الجنسين الرجل والمرأة توجب هذا التفوق مع أنَّ النساء شقائق الرجال، وفي ذلك ما يُلغي تلك الفوقية المقيتة، ويَهُونُ الخطب لو كانت تلك النظرة الفوقية للمرأة، شائعة في أوساط البعيدين عن رحاب العلم والذين والثقافة. ولكنها للأسف موجودة حتى في أوساط مَنْ تُخلع عليهم الألقاب الفخمة والعناوين الضخمة.. وفي مقال الإنسان محور الأديان والحضارات يقول: نستطيع من خلال مؤشر مُعيّن أنْ نحكم على دولة مُعيّنة بأنها قطعت أشواطاً مهمة في المضمار الحضاري، وذلك المؤشر هو مقدار اهتمامها بحقوق الإنسان وحرصها على تأمين سلامته وكرامتهِ وحقوقه وحرياته. ورغم ان الإنسان هو الكائن المفضّل بين جميع المخلوقات، وهو المحور الذي سَخَّر له الخالق ما في السماء والأرض من نِعَمٍ وبركاتٍ، وأسجد له الملائكة، وجعله خليفةً له في الأرض ليؤدي إليهِ رسالته، إلاّ انه في ظل الأنظمة القمعية يلقى ألواناً من النكال والعذاب، حتى لكأنّه خُلق ليكون وقوداً لمعارك السلاطين والحكاّم مع أعدائهم، وليمثّل دور الخادِم لهم فيما يشتهون، ان السلاطين وحكام الجور على امتداد قرون طويلة، بخسوا الإنسان حقه، وأذاقوه كؤوس المذلة والهوان. خذها من العصر الأموي الدموي حتى تصل بها الى القائد الضرورة المقبور وإخوانه من الرضاعة الذين يفتكون ويقتلون ويسجنون بعيداً عن الشريعة والقوانين السماوية والأرضية. انك تجد النص على أنَّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته موجوداً في قوانين أصول المحاكمات الجزائية في كل الدول العربية والإسلامية. وان من حق المتهم ألا يدلي بإفادتهِ الاّ بحضور المحامي الموّكل من قِبلِه. وانه لايجوز القاء القبض على المواطن الاّ بأمر قضائي ولكنّ الواقع العملي يشي بغير ذلك، هناك من يموت تحت سياط التعذيب في مرحلة التحقيق، وتُكتبُ له شهادة وفاة على أنه غادر الحياة بسبب عارض قلبي مفاجئ.. ويذكر في مقال (كفوا عن الكذب): ان الذي يعتمد الكذب وسيلةً له في تعامله مع الآخرين، انما يُسقطُ شخصيتَه، ويهدرُ اعتباره من حيث لايشعر ان الكذاّب لايستطيع ان يحظى بثقة الناس، وبالتالي فهو عندهم متهم تحيط به الشكوك، وتنزل به الى السفوح..
قد ينجح في تمرير كذبه مرة ومرتين ومرّات، ولكنه يسقط في النهاية لامحالة بعد أنْ يُكتشف على حقيقته وجوهره. ان الكذب له مبرراتُه ابّان الحرب مع الاعداء، فالحرب خدعة، وربما استسيغ اذا كان لإصلاح ذات البيْن. أما ان يكون البضاعة الرائجة في الأسواق كلها فهذا ما لايُطاق، لأنه تضليل وتجهيل، وحرق كامل لأوراق الحقيقة. وفي موسم الانتخابات يكثر الحديث عن كذب السياسيين المحترفين، وما يطلقونه من وعود معسولة، ومشاريع خدمية، يجتذبون بها الأصوات حتى اذا ما اجتازوا الامتحان عبر الاقتراع، تبخرّت الوعود، وخابت آمال من عوّل عليهم، وانطلت عليه أحاديثهم، وكانوا في وادٍ ومن صَدّقَهُم في واد آخر.
ويوضح في موضوع الخطر الجاثم والدعم اللازم ان من الأخطار القاتلة التي ارتكبها (بريمر) حَلُّه الجيش العراقي والقوات المسلحة العراقية كلّها، وهي خطوة حمقاء جرّت الويلات على البلاد والعباد، ذلك أن أية دولة في العالم لاتستغني عن وجود قوات مسلحة جاهزة للدفاع عن الأرض والعرض وبسط النظام والأمن في ربوع البلاد. وقد عَمَدَ الاحتلال بعد سقوط الصنم في نيسان 2003 الى جعل الحدود العراقية، مفتوحة أمام شذّاذ الآفاق من الارهابيين والتكفيريين وأمام عصابات التفجير والتفخيخ، والالتذاذ بدماء الأبرياء من العراقيين، الأمر الذي أدخل العراق في انتكاسة أمنيّة رهيبة،عَصفت ببُنْيتِه التحتية، ومؤسساته الرسميّة، وعاثت فساداً في البلاد والعباد.