ثلاث عشرة قطة سوداء..الجذور التاريخية لخرافات تتعلق بعالم الحيوانات

ثلاث عشرة قطة سوداء..الجذور التاريخية لخرافات تتعلق بعالم الحيوانات

بغداد/ أوراق
معلومات غريبة ومعارف مدهشة تأخذنا عبر عوالم تراثية وتاريخية وجغرافية وفلكية تتعلق جميعها بالحيوانات، وذلك من خلال كتاب (ثلاث عشرة قطة سوداء ـ الإنسان بين الأسطورة والخرافة والأمثال) لمؤلفة يوري دميترييف والصادر عن دار (المدى)

للثقافة والنشر بترجمة الدكتور ابراهيم إستنبولي والذي يقول بمقدمته: اردت ان أبين من وراء ترجمتي لهذا الكتاب أمرين في غاية الأهمية أولهما ان العقل البشري لا يعرف حدوداً في سعيه لاكتشاف الحقيقة ومحاولة فهم الواقع المحيط به، وذلك من اجل تغيير الواقع لصالحه.. والأمر الثاني ان هذا العقل كان ولا يزال القوة الأكثر جبروتاً عبر التاريخ، وكذلك ان التاريخ لم يقف عند هذه الحضارة او تلك، وبغض النظر عن انحطاط الحقبة التاريخية او اهميتها، فأوروبا المتحضرة الآن كانت منذ بضعة قرون ترزح تحت جهل مطبق في ظل سلطة تساوي بين الانسان والحيوان وفق معتقدات ساذجة، وهذا ما نحن واقعون تحت تأثيره في هذا المشرق الذي منه انطلقت الأسطورة والخرافة والسحر، ونأمل شروق شمس العقل لتحررنا من ربقة الجهل والانحطاط، فغالبية الناس لا يحبون الوطاويط ويخافون منها حتى أولئك الذين لم يؤمنوا بوجود علاقة بين هذه الوحوش وبين القوى الشريرة كانوا على قناعة بأن الوطاويط تتشبث بالشعر, وخصوصاً شعر النساء, وأنها تمتص دم الحيوانات كما أنها تمتاز بحدة السمع لدرجة فائقة, وكذلك بالنسبة للنظر والشم وحاسة اللمس.‏ وفي هذا الكتاب المثير سوف نقرأ عن كيفية نشوء مختلف الخرافات التي تتعلق بعالم الحيوانات. حيث يكشف المؤلف عن جذورها التاريخية بعد أن يزيل عنها الغطاء الصوفي المضلل من المعتقدات الخاطئة, إنه يبين الأخطاء التي ارتكبها الناس خلال عملية إدراكهم للطبيعة الحية, والتي بدورها أدت إلى استنتاجات وآراء غير صحيحة.. والكتاب ليس عن الحيوانات فقط وانما يكشف عن سر الرقم 13لكونه يرمز للشقاء منذ القدم، ويعد علامة للنحس من دون غيره، فهو يجلب لمن يصادفه مصائب مختلفة ولذلك فقد أطلقت عليه تسمية دزينة الشيطان وليس من باب الصدفة أن يدخل هذا الرقم في عنوان الكتاب فهو كتاب ليس عن الحيوانات وحسب بل وعن الناس أيضاً, نحن أولئك الناس الذين تسيطر عليهم سلطة التصورات الخرافية بما في ذلك المرتبطة بعالم الحيوانات.‏ مما لا شك فيه أنكم قابلتم أو سمعتم عن أولئك الناس الذين لو قطعت طريقهم قطة سوداء يجعلهم مرورها يفضلون العودة من حيث جاؤوا لكي يتجنبوا الأخطار المرتقبة, وهؤلاء هم انفسهم يتطيرون أيضاً عند سماعهم لصوت نعيق الغراب, كما يعتقدون بقلق ان الضفدعة من خلال نقيقها تعد ما تبقى لهم من سنوات العمر، وهكذا أنتج الخيال البشري مجموعة من الأساطير طوى الماضي بعضاً منها بعد أن أدرك الناس سخافتها والبعض الآخر ما زال يعيش بيننا حتى اليوم.. ويتحدث المؤلف مبيناً سخافتها ومفسراً لأسباب ظهور تلك المعتقدات الخاطئة والتي ليست سوى نتاج الجهل المطبق عن أجدادنا الأوائل.. وينوه أستاذ العلوم الفلسفية أبيلوف إلى أن الانسان وعبر كل العصور قد تعامل بنوع من حسن النية مع الحيوانات وترك بصمات واضحة على الكثير من الأساطير المرتبطة بها، وبعد أن يفضح دميترييف مختلف الأساطير والخرافات يدعو الناس إلى المعاملة الحسنة والقائمة على المنطق مع الحيوانات ويعيد إلى الأذهان أن عالم الحيوان جزء هام من هذا العالم المعقد والمتنوع الذي نعيش فيه.‏. وبالتالي يجب علينا وبكل جرأة الابتعاد عن الأساطير لأنها تمنعنا رؤية الطبيعة كما هي عليه وتشوش أذهان الناس إذ تقدم لهم بدلاً من المعرفة العلمية أفكاراً لا منطقية ومعلومات خاطئة آتية من الماضي السحيق.. لدى أهالي اليونان القديمة كانت أثينا هي إلهة الحرفة والحكمة وكانت الإلهة المقابلة لها عند الرومان هي مينيرفا وفي الوقت ذاته كان طائر البوم محسوباً على هذه الآلهة وبما أن كلتا الإلهتين كانتا مبجلتين فإن الناس كانوا يحترمون البومات أيضاً.‏ وغالباً ما كانت أثينا تصور في هيئة سعيدة بلباس طويل وبكامل سلاحها بالرمح والدرع وفي الخوذة وعند قدميها لا بد أن تجلس بومة، ومبرر فرح المواطن الأثيني عندما كان يلتقي في طريقه ببومة وهو يقصد هدفاً أو عملاً ما فهو لم يكن يشك لحظة في أن الإلهة أثينا هي التي أرسلت له خادمتها البومة لتبشره بان الفوز سيكون من نصيبه، وعند اليونانيين مقولة يرددونها تطير البومة يأتي النجاح.. وكانوا يحترمون البومة لدرجة أنهم قاموا بتصويرها على النقود والميداليات, وفي روما القديمة أيضاً كانوا يبجلون البومة، ويفسر الكهان أحياناً ظهور البومة في أماكن معينة أنه مؤشر لخسارة كبيرة. الحقيقة هي أن الكهان لم يتمكنوا من التشهير بالبومة والإساءة لسمعتها.‏ بل بقيت ذلك الطير الذي يخدم الهة الحكمة بومة الآلهة مينيرفا تطير في الليالي كان الرومان يكرهون هذا كتعبير عن رغبتهم من القول كما لو أن الأفكار الخيرة تأتي ليلاً.‏. لقد ألهبت البومة خيال الناس منذ القديم, ويبدو أن هذا الطير ومنذ سبعة عشر قرناً قد أثرت في خيال الرسام البدائي فصورها على جدران الكهوف, أما لدى المصريين القدماء, وفي الصين القديمة, فقد اعتبروا البومة رمزاً للثروة.. وكل ذلك كان منذ زمن بعيد, أما في القرون الوسطى فقد تغير الموقف من البومة إلى نقيض ما كان عليه في السابق, تحولت من كائن خير مقدس إلى حيوان قذر خدم للشيطان, وصارت البومة في نظرهم ساحرة ومبشرة بالموت, علماً أن رجال الدين في القرون الوسطى لم يكونوا استثناء ففي أميركا وآسيا توجد قبائل تحسب البومات ساحرات متحولات.‏. ويخافونها أكثر من الحيوانات المفترسة.. ومع ذلك فإن سعة البومة كطائر الحكمة قد ساعدتها زمناً طويلاً وإن كان بطريقة مشوهة وبشكل غير سليم, فطالما أن البومة هي طائر الحكمة فهذا يعني أن بإمكانها أن تمنع الجنون لذلك يجب أن يحمل المرء تحت ابطه قلب بومة وساقها اليمنى عندئذ لن تكون حتى الكلاب المسعورة قادرة على إيذائه.. وكان هذا الاعتقاد شائعاً في ألمانيا حتى وقت قريب..‏ وفي بعض بلدان العالم كانت الثيران والأحصنة والنعاج تتمتع برعاية خاصة، ولم يكن بالطبع يشرع لها تخريب المزروعات لكنها لم تكن تقدم للمحاكمة على ما تفعله، وصاحب المزروعات المدهوسة لم يكن يحق له التقدم بطلب تعويض الى مالك تلك الحيوانات، والشيء المسموح به لصاحب المزروعات هو ان يطرد الماشية من مزرعته بحزمة من العيدان اليابسة، بينما الدجاج والبط والأوز تقدم للمحكمة فوراً على أثر هكذا افعال، وكانوا عادة يقومون بإعدامها.