محلة الميدان  وشريعتها

محلة الميدان وشريعتها

لم يكن اسم (الميدان) حديثاً في بغداد ، فقد جاء ذكره قديماً ، والميدان الحالي هو أول محلة يبتدئ بها الباب المعظم إلى داخل بغداد ، وفي العهد العثماني كان يمتد من الباب المعظم حتى السوق المحاذية لجامع الاحمدية، الذي يطلق عليه اغلب الناس (جامع الميدان) ،

وفي الميدان حديقة واسعة انشئت عام 1889 ابان عهد والي بغداد (سري باشا) الذي وضع وسطها حوضاً فيه شذروان يقذف الماء ، واصبح الميدان أفضل متنزه لأهالي بغداد كونه يحوي تلك الحديقة والكثير من المقاهي الممتدة على جانب الطريق ، وفضلاً على ذلك فان اغلب الدوائر الحكومية العثمانية ، كالسراي والقلعة وثكنة المدفعية تقع فيه .
وفي باب القلعة المطل على ساحة الميدان تمثالان لأسدين وضعا على يمين الباب وشماله ، وأمام باب القلعة مدفع كبير طوله 4 أمتار وقطر فوهته نصف متر مصنوع من النحاس ، يسمى (طوب ابو خزامة) وقد كتب على ظهره بعد الفوهة ما يلي: (مما عمل برسم السلطان مراد خان ابن السلطان احمد خان) ، وعلى مؤخرته ما نصه (عمل علي كتخداي جنود بروه دكاه عالي سنة 1047) أي عمل علي الذي هو رئيس الجنود في باب السلطان.
وبالقرب من الباب المعظم شيد الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني وكيل والي بغداد عام 1912-1914 داراً له على بعد 50 متراً من الطريق الذي يقع الآن خلف مصلحة نقل الركاب والتي كانت تواجه سور بغداد القديم، وما زالت تلك المحلة المعروفة بمحلة (السور).
ونظراً لولع الداغستاني الشديد بتربية الخيول العربية الأصيلة، فقد اتخذ لها اصطبلاً واسعاً أمام داره كما جمع في الأصطبل بعض الحيوانات مثل السبع، الضبع، النمر، الدب، الذئب، الثعلب، الحمار الوحشي، الأيل وبعض الطيور كالنسر، الصقر ، النعامة، الطاووس والبط على اختلاف انواعه وجعل لتلك الحيوانات روضاً وسمح لأهل بغداد بالتفرج على هذه الحديقة الحيوانية عصر كل يوم خميس .
في خارج الباب المعظم وحيث بائعات اللبن يعرضن بضاعتهن هناك ، تشاهد امامك الطريق المؤدي الى بلدة الإمام الأعظم مخترقاً البساتين الباسقة بنخيلها ، كما تشاهد ايضاً قشلة السوارية (ثكنة الخيّالة) والتي يطلق عليها البغداديون (الكرنتينة) وهي محل الحجر الصحي لمكافحة الأمراض والأوبئة المعدية، ثم مستشفى الغرباء والعربات الخشبية التي تجرها البغال لنقل المواطنين بين بغداد والاعظمية، بأجرة قدرها 10 بارات ، وعلى شريعة الميدان المحاذية للنادي العسكري الحالي أسست بلدية بغداد عام 1881 ماكنة لصنع الثلج والذي كان شبه الزجاج السميك (الجام) وليس كما هو حاله الآن، والذي يوضع داخل التبن خشية ذوبانه، ويباع بالوزن.
كان السقائون (جمع سقا) ينقلون الماء على ظهورهم أو ظهور الحمير في قرب مصنوعة من جلود الأغنام ليوصلوها من الشرائع إلى دور المواطنين، وظلوا هكذا حتى عام 1889 حيث أنشئ في عهد الوالي (سري باشا) في ساحة خان لاوند (النائبية) بعد غرسها بالنخيل والأشجار، حوض كبير للماء ليرتوي منه البغداديون بدلاً من الماء الملوث وغير النقي الذي يجلب من الأنهار مباشرة.
وفي عام 1907 أيام الوالي (حازم بك) أنشئت ماكنة إسالة الماء في بغداد بمضخة نصبت على شريعة الميدان وتم إيصال الماء بالأنابيب للدور بأجرة شهرية مقدارها عشرة قروش لكل دار (100 فلس حالياً) وبذلك ارتاح أهالي بغداد من عناء الإرواء عن طريق السقائين.

مجلة بغداد / آذار 1965