“ قبعــة الــرئيـس ”.. و الشعور بالسلطة أو بالأهمية!

“ قبعــة الــرئيـس ”.. و الشعور بالسلطة أو بالأهمية!

ترجمة / عادل العامل
وجدتُ نفسي أتساءل، يقول نيكولاس ليزارد في عرضه بصحيفة الغارديان اللندنية، عما إذا كان ينبغي أن أكون متشككاً في مسألة المقروئية بعد انتهائي من قراءة كتاب (قبعة الرئيس) لأنطوان لورين، في جلسة واحدة تقريباً. و كان على غلافه الخلفي اقتباس من مجلة فرنسية:

”هذه قصة تُمتع الواحد مثل الشوكلاتة ذات مركز مفاجأة”. و بصرف النظر عما إذا تطلّب ذلك منا السؤال عما إذا كانت الشوكلاتة ذات مركز المفاجأة شيئاً مرغوباً فيه على الدوام ؛ فهي تشير إلى أن ما لدينا هنا هو”مقروء جيد”.
إن هناك بالتأكيد فكرة لطيفة وراء ذلك. فذات مساء، من عام 1986 في باريس، يذهب دانييل ميرسي، و هو عامل مكتب بسيط، ليُمتع نفسه بـ”أمسية أعزب”، بينما زوجته و طفله بعيدان عنه: سيذهب إلى مطعم عصري و يحشو معدته بطعام بحري. و بينما هو يأكل، يأتي رجل و يجلس على مصطبة مجاورة له: إنه الرئيس ميتران، مع اثنين من مرافقيه. فينذهل ميرسيه، كما يمكن أن يحصل لغيره. لكن ميتران ينسى قبعته ــ فيقوم ميرسيه، و قد أدخلت قارورة نبيذ البولي ــ فوسي التي شربها الجرأة في قلبه، فيعتمر قبعة الرئيس، و يمضي خارجاً من المطعم.
و يكتشف سريعاً أن القبعة تُضفي عليه شعوراً بالسلطة و الثقة: فهو ينتقد مَن هو أعلى منه في اجتماع، لكن هذا يجعله في منزلة أعلى. ثم يضع القبعة، بدوره، و ينساها، و يكتشف الشخص الذي يجدها، بدوره، أن لُقيته تمنحه الشعور بالسلطة و الثقة... و هكذا. و يعيد بائع عطور متقاعد اكتشاف ما لديه من عبقرية؛ فيُصبح، و هو رجل مضجر من اليمين الشنيع، مدركاً أن كل أصدقائه أشخاص مضجرون يمينيون شنيعون، و يتوقف عن قراءة صحيفة الفيغارو و يبدأ بقراءة صحيفة الليبراسيون (الاشتراكية)؛ و لا بد أنكم التقطتم الفكرة.
إن الفرنسيين يمتلكون نموذجاً حين يصل الأمر إلى منح الأشياء غير الحية حياةً داخلية. و أنا أفكر بوجهٍ خاص في الروائي من القرن الثامن عشر دي كريبليون؛ فروايته (الأريكة Le Sopha) ترويها أريكة، لا يمكن أن يتم تحرير روحها الإنسانية المودَعة فيها إلا حين يفقد اثنان عذريتيهما عليها. (و هو انتظار طويل.) هنا، يمكن القول، لا يوجد أي نموذج صريح في قبعة ميتران، و لا يُهتَم على الإطلاق بالسؤال عن أية نوعية خارقة يمكن أن تنطوي عليها ــ باستثناء ما يتم بشكل غير مباشر، بكلمات لميتران من خطابه بمناسبة العام الجديد في 1994:”أؤمن بقوة الروح، و لن أترككم أبداً.” و المستمعون الفرنسيون متسامحون كما هو معروف مع التعبيرات الخرافية التي تُطلقها شخصياتهم العامة، بل و أنهم راحوا يحكون رؤوسهم بشأن هذا التعبير الأخير. و إليكم، عندئذٍ، نوعاً ما من التوضيح.
إن ما ينبغي أن يجعلنا ندرك ذلك، و الكتاب يمكن أن يئزُّ لفترة من الوقت، أن هناك شيئاً ما يتّسم بالذكاء يمضي تحت السطح. هل تلك قصة رمزية للسلطة، أم ليست كذلك؟ و أنا أميل للطريقة التي نُدعى بها للرد بنعم و لا في وقتٍ واحد على هذا السؤال.
يمكنكم، و أنتم تتصارعون مع هذه المشكلة، أن تستمتعوا بالتفاصيل. فهذه في الكثير منها ترنيمة حنين للحياة في باريس ــ و كوني قد قضيت وقتاً كثيراً هناك في الثمانينات، يمكنني أن أضمن مصداقية المؤلف و إدراكه الوصفي. فما الذي يمكن، مثلاً، أن يكون أكثر فرنسيةً من حقيقة أن لا يكون هناك أي تعليق على قيادة ميرسيه (بطل الرواية) للسيارة عائداً إلى البيت بعد أن شرب قارورةً كاملة من النبيذ؟ أو شعار سلاح الخيّالة الفرنسي القائل ــ كما نعرف جميعاً:”في صحة زوجاتنا! جيادنا! و في صحة أولئك الذين يمتطونها!”
أعتقد بأن نجاح الكتاب في فرنسا عائد إلى الحنين nostalgia الذي يستحضره، و إلى المواقف المعقدة و الممزوجة أيضاً التي يقفها الفرنسيون تجاه رئيسهم الراحل ــ لكننا هنا، نستطيع ببساطة أن نتمتع بسرده التخريفي، و الطريقة التي يتمايل بها بشكلٍ لطيف على حافة النزوة المعروفة عن بلاد الغال (فرنسا).
و قد جاء في التقديم لمقابلة مع المؤلف على موقع wordswithwriters، أن أنطوان لورين، و هو باريسي من الجيل الخامس، صحافي، و كاتب سيناريو، و مخرج، و جامع أثريات، و روائي. و قد صدرت له عدة كتب منها أخيراً روايته هذه (قبعة الرئيس). و قد قال في إجابته على سؤال يتعلق بالفكرة التي جاءت منها هذه الرواية: أعتقد بأن الفكرة الأصلية هي أنني كنت قد فقدتُ قبعتي قبل سنين قليلة في إحدى المقاهي. و بعد يوم من ذلك عدت إلى المقهى كي أحصل على قبعتي ــ لكن لم تكن هناك أية قبعة هناك. ذهبتْ. و كان المهم بالنسبة لي أن ذلك يعني في تلك اللحظة التي أبحث فيها عن قبعتي، أن هناك على وجه الاحتمال شخصاً ما غيري يعتمر قبعتي في مكانٍ آخر في المدينة. لا أعرف مَن هو، إن كان رجلاً أم امرأة، إنه أمر غامض. أما لماذا اختار المؤلف الثمانينات من القرن العشرين زمناً للقصة، فلأنه كما قال أراد العودة إلى تلك السنوات، أيامَ كان طفلاً. و له ذكريات كثيرة منها. كان زمناً لا إنترنت فيه، و لا فيسبوك، و لا تلفونات موبايل، و هو يبدو قريباً جداً منا، لكنه بعيد جداً. و قال في إجابةٍ أخرى: أأمل في أن يستمتع القراء بهذا الكتاب. فهو رواية تفاؤلية جداً. إنه يشبه حكاية خرافية، و أرى أننا بحاجة إلى الحكايات الخرافية ليس بالنسبة للأطفال فقط، بل و للكبار أيضاً. و أنا أقول حكاية خرافية، لكن ليس للتسلية فقط. فهي ذات مستويات مختلفة يمكنك أن تثمّنها. كما أن هناك جزءاً فلسفيا، يتعلق بالثقة بالنفس، و القضاء و القدر، و الحظ الذي لديك لجعل أمورٍ معينة تحدث في حياتك.